«النيل نجاشى حليوة وأسمر، عجب للونه دهب ومرمر .. أرغوله فى إيده يسبح لسيده.. حياة بلادنا يارب زيده» .. بهذه الكلمات البديعة التى كتبها أمير الشعراء أحمد شوقى فى ثلاثينيات القرن العشرين، وشدا بها ملحن القرن العشرين الفنان محمد عبد الوهاب، نريد أن نستعيد بها تلك الأيام التى كانت العلاقة بين الأشقاء الأفارقة كلها ود ومحبة على عكس الصورة البائسة التى نشهدها الآن من جفاء وتوتر فى العلاقات المصرية الإثيوبية خاصة والدول الأفريقية بصفة عامة خاصة بعد بناء إثيوبيا سد النهضة، والذى وصل إلى أكثر درجاته عداوة لنستمع لتلك الدعوات بتوجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا أو تلك التصريحات الهزيلة التى صدرت من القوى السياسية التى شاركت فى الحوار الوطنى التى عقدته الرئاسة بخصوص مناقشة أزمة السد التى أسفرت عن تأجير طائرات على غرار الخدع الأمريكانى لتهديد الإثيوبيين.
وفى وسط هذه التصريحات والتحليلات والتنظير المصرى بشأن سد النهضة لم نستمع إلى الصوت الآخر، الصوت الحقيقى وهم شباب الجالية الإثيوبية بمصر وغيرهم ممن ينتمون إلى الدول الأفريقية، لنتعرف من خلالهم وبعيونهم كيف يرون مصر وتحليلهم لأزمة سد النهضة. الشعب الإثيوبى لا يسمع عن مصر ولا يعرفها إلا من خلال «الكورة».. بهذه الكلمات الصادمة بدأ حديثه رزاق على - طالب فى المعهد العالى للدراسات العربية بجامعة الدول العربية - مؤكدا أن غياب مصر وعدم اهتمامها بالقارة الأفريقية بشكل عام وإثيوبيا بشكل خاص هو السبب الحقيقى وراء أزمة سد النهضة التى قررت إثيوبيا أن تشيده، معربا أن هذه الأزمة لما كان لها أى أساس فى حالة وجود ثقة وعلاقات وطيدة وقوية بين البلدين، بل كانت مصر ستدعم وقتها سد النهضة، لتذكرنا بأمجادها فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، باعتبارها الشقيقة الكبرى لكل الدول الأفريقية. وأضاف: إن مصر لم تعد معروفة للشعب الإثيوبى إلا فى بطولات كأس الأمم الأفريقية، والمسابقات الدولية للكرة، ولكن أى تبادل ثقافى واقتصادى وسياسى بين الدولتين غائب، وهو ما أثر بالضرورة على طبيعة العلاقات بين كلا البلدين، وهو ما ترتب عليه حالة التوتر وعدم المرونة فى التواصل إلى توافق حول مشروع سد النهضة. وأكد على أن «سد النهضة» هو بمثابة المشروع القومى والوطنى للشعب الإثيوبى كافة، فمثلما كان المصريون يشعرون بالفخر والعزة عندما قاموا ببناء السد العالى، نحن كإثيوبيين لا نقل أهمية ولا مكانة من شعبكم ليكون لدينا هذا الفخر باستكمال هذا الحلم الوطنى، حتى لو كلفنا أرواحنا، ومهما زادات تهديدات المصريين بوقف بناء السد، فالشعب الإثيوبى وحكومته لن تتراجع عن بناء السد. وقال: إن مشروع سد النهضة يعتبر أول مشروع تتجمع حوله 88 قبيلة بلغات مختلفة ومتعددة، ومن ثم يشكل «السد» حلم كل هذه الملايين التى اختلفت كثيرا وجاء اليوم لتجتمع بعد الفرقة والانقسام. واستنكر تلك الشائعات التى تروجها وسائل الإعلام المصرية بأن السد تمويل إسرائيلى، مؤكدا أن مثل هذه الادعاءات تزيد من حالة الاحتقان والاستفزار لدى الشعب الإثيوبى، مضيفا أنه يتعجب من رفض المصريين للسد، مؤكدا أن بناء السد شأن داخلى لإثيوبيا ويجرى داخل البيت الإثيوبى، وليس لمصر الحق فى الرفض، خاصة أنه لا داعى لهذا الاعتراض وأن السد بالفعل تم بناؤه والآن يجرى تحويل مياه النهر حتى يمتلئ. وأشار إلى أن من حق الشعب الإثيوبى الذى يتجاوز عدد سكانه 88 مليون نسمة أن ينعم بتواجد الكهرباء طوال 24 ساعة على مدار اليوم بدلا من توافرها فقط 3 ساعات، وحتى هذه الساعات القليلة ينعم بها حوالى 20٪ من الإثيوبيين، بينما يعيش ال 80٪ الآخرون فى ظلام دامس، فضلا عن أن توليد الكهرباء من سد النهضة لن يفيد إثيوبيا فقط، بل ستمتد أهميته إلى أوغندا والصومال وجيبوتى والسودان، وعلى المصريين أن يدللوا بأنهم مازالوا جزءا من القارة الأفريقية وليسوا غرباء عنها، وأن يتوقفوا عن تلك الشعارات التى طالما صرخوا بها فى زياراتهم بعد ثورة يناير من خلال وفد الدبلوماسية الشعبية برئاسة عصام شرف، وأن يؤكدا بالفعل أنهم لا يقفون ضد مصالح الدول الأفريقية الشقيقة، التى أعلنوا أنهم يساندونها ويرغبون فى تجديد أواصر العلاقات مع الدول الأفريقية بعد سنين من القطيعة والغياب. بينما يتعجب محمد بوجاية - طالب بكلية لغات وترجمة - جامعة الأزهر - من الاتهامات التى توجهها مصر للشعب الإثيوبى بأنهم عملاء وخونة، وما تردده وسائل الإعلام المصرية فى بث مزيد من الكراهية والعنف ضد إثيوبيا بمجرد معرفتهم أن إسرائيل تقوم بتمويل سد النهضة، متسائلا: لماذا لا يحاسب المصريون أنفسهم بنفس الطريقة، فأنتم مازلتم تصدرون الغاز لإسرائيل ولن تتوقفوا عن ذلك حتى بعد ثورتكم المجيدة، رغم أننا يمكن أن نتفهم حالة القمع والقهر التى كانت سائدة فى عهد النظام السابق وتصديره الغاز لإسرئيل رغما عن شعبه، لكن ما حجتكم اليوم بعد الثورة وتولى نظام حاكم جديد يقول على نفسه إنه يطبق الشريعة الإسلامية ويناصر القضية الفلسطينية ويكره إسرائيل من استمراره فى تصدير الغاز؟ وتابع بوجاية: إن إثيوبيا دولة ليس لها عداء مع أحد حتى مع إسرائيل، ومن حقنا أن نبحث عن مصالح الشعب الإثيوبى، فنحن نحتاج السد لتوليد الكهرباء سواء كان تمويله إيطاليا أو أمريكيا أو إثيوبيا، فلن نرضى عن السد بديلا، وعلى مصر ألا تلوم إلا نفسها، فهى التى انسحبت من أفريقيا ولم يعد لها أى دور مؤثر، ومن ثم فكل دولة تبحث عن مصالحها، وإسرائيل دولة ذكية أدركت هذا الغياب المصرى واستغلته لصالحها، ومن حقها السيطرة على إثيوبيا وباقى الدول الأفريقية لو كان ذلك سيخدم أهدافها الاستراتيجية فى الاستقواء ضد مصر، وأقولها بكل صراحة: «من حق إسرائيل أن تسيطر على أفريقيا عشان تضرب مصر». ويقول مؤمن سمانية - طالب بكلية شريعة -الأزهر - معلقا على الحوار الوطنى الذى أجرته الرئاسة لمناقشة تقرير اللجنة الثلاثية حول سد النهضة مع القوى السياسية: إن ما حدث بالحوار الوطنى من استهتزاء بإثيوبيا وإطلاق التصريحات المدوية بخصوص «ننشر أخبار غيرحقيقية لكى نرهبهم بضربهم بالطائرات» أمر متوقع وطبيعى، فهو جزء من أزمة مصر الحقيقية التى تعيش فيها طوال السنين الماضية عقب وفاة جمال عبد الناصر، فهناك حالة من الاستعلاء والترفع والعنصرية تعيشها مصر على باقى الدول الأفريقية بدأت مع إهمال السادات لأفريقيا وارتمائه فى أحضان الغرب، مرورا بمبارك واحتقاره التام للقارة السمراء خاصة بعد محاولة اغتياله فى التسعينيات بأديس أبابا والتى قرر بعدها أن يعاقب إثيوبيا وكل الدول الأفريقية ولم يبق من هذه العلاقات بين القارة السمراء ومصر سوى مكاتب لسفارات وقنصليات موجودة بين الدول تنهى إجراءات سفر المواطنين فقط. وضحك سمانية مستهزئا: أى ضربات عسكرية تريد توجيهها مصر لإثيوبيا، وأى تصريحات يتفوه بها قادة القوى السياسية المصرية فى حوارهم الوطنى بشأن سد النهضة؟! قائلا: «أضحكتنى كثيرا تلك النكتة التى أطلقها المدعو أيمن نور بخصوص إرهابنا بطائرات تقصف السد»، لأن ماحدث فى الاجتماع يدل على جهل بإثيوبيا وقوتها العسكرية التى لا يجب أن تستهين بها مصر، فإثيوبيا لديها جيش قوى وهى دولة قوية عسكريا. وتابع سمانية قائلا: أتعجب أن المصريين لا يعرفون أن على أرض إثيوبيا قواعد أمريكية، أى أن الغرب لن يسكت إذا فكرت مصر أن تمس إثيوبيا، ولو افترضنا أن مصر أقدمت على هذه الخطوة وأرادت الوقوف ضد إثيوبيا والدول الغربية التى تدعمها وهذا شىء مستبعد فى ظل ظروف مصر الداخلية المهترئة، فإذا أرادت أن تحارب إثيوبيا فعليها أن تمر عبر السودان، وعلى الرغم من كل الشعارات القديمة بأن مصر والسودان دولة واحدة من أيام محمد على، فلن توافق السودان اليوم على السماح لمصر بذلك، فضلا عن أن إثيوبيا علاقتها قوية جدا مع باقى دول حوض النيل وباقى الدول الأفريقية عموما، ودولة المقر للاتحاد الأفريقى، ومن ثم يصبح التلويح بالخيار العسكرى التى تهدد به مصر ليل نهار على دولة صاحبة سيادة مثل إثيوبيا هو ضرب من الخيال وجهل من مصر بظروف جيرانها. والتقط منه الحديث رخيص على - لغات وترجمة جامعة الأزهر - قائلا: أنا فخور كمواطن إثيوبى أن بلدى استطاعت أن تتخذ خطوة بناء سد النهضة فى ظل الظروف الحالية التى تعيشها مصر، فما حدث فى الحوار الوطنى يدلل وبشدة غياب الرؤية السياسية والاقتصادية والخارجية التى تتبناها مصر بعد ثورة يناير فى ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين، مما أدى لظهور مصر بهذه الصورة الهزيلة المضحكة أمام كل دول العالم، لذا من الغباء السياسى ألا تستغل إثيوبيا هذه الحالة من الانقسام وغياب الرؤية فى استكمالها لسد النهضة، بالإضافة إلى الضغط مستقبلا على مصر من خلال دعم كل الدول الأفريقية الأخرى التى تؤيد بناء السد على إجبار مصر على التوقيع على اتفاقية «عنتيبى» حتى تكون هناك عدالة مستقبلية فى توزيع حصص الموارد المائية بشكل متساوٍ على كل الدول الأفريقية، بدلا من احتكار مصر لنسبة أكبر من باقى الدول الأخرى منحتها لها اتفاقية أبرمت منذ أيام الاحتلال ولا تصلح للتطبيق الآن. ومن جانبه أكد محمد الأفريقى -شريعة وقانون بجامعة الأزهر - أنه يستنكر غياب الطرح الدبلوماسى لحل أزمة سد النهضة سواء على مائدة الحوار الوطنى التى عقدتها الرئاسة المصرية أو على مستوى التحليلات السياسية التى تدار عبر وسائل الإعلام والفضائيات، مشيرا إلى أن الشعب الإثيوبى لا يضمر عداوة أو كراهية للشعب المصرى، ولكن انقطاع مصر على مدار أكثر من ثلاثين عاما وغيابها عن القارة الأفريقية وإهمالها لدولها، بالضرورة أدى إلى وجود بدائل أخرى وقوية من دول تعاملت بذكاء مع مشكلات القارة السمراء، وتبادلت المصالح معها. وأضاف أنه يرى صعوبة فى عودة العلاقات المصرية الإثيوبية من جديد خاصة مع وجود منافس قوى مثل تركيا وإيران والسعودية والكويت، فضلا عن إسرائيل والصين وأمريكا، مشيرا إلى أن هذه الدول لن ترضى أن تفسح بضعة سنتميترات لعودة مصر من جديد، ومن ثم فالخطأ تتحمله مصر بأنها تركت الفرصة لهذه الدول من البداية أن تستثمر وتستفيد من وجودها فى العمق الأفريقى. وأشار إلى أن تركيا تضخ استثمارات كبيرة فى الزراعة، بل تستصلح أراضى بمساحات كبيرة وتؤجرها من أصحابها، فى نظير مقابل مادى يوفر الوقت والجهد لدى أصحابها باستخدام تكنولوجيا حديثة، أما السعودية فتعمل فى مجال الثروة الحيوانية حيث المراعى الشاسعة، أما الكويت وإيران فتعملان فى مجال الصناعات الثقيلة ولهما استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات. ويختلف معه فى الرأى أبوأحمد عبده - جامعة الأزهر - مؤكدا أن هناك طرقا عديدة تستطيع مصر أن تتخذها فى محاولة لرأب الصدع الذى سيطر على شكل العلاقة المصرية الأفريقية طوال السنين الماضية، وأهمها استخدام الدبلوماسية الناعمة غير الرسمية الممثلة فى الأزهر والكنيسة المصرية، فعلى الأزهر أن يفتح الباب للمنح التى توقفت قبل ست سنوات ولا نعلم أى سبب لذلك، فى حين أنه يعطى الدول الآسيوية كالفلبين وأذربيجان وكازاخستان وغيرها من الدول التى انفصلت عن الاتحاد السوفييتى فرصا ومنحا عديدة تتجاوز الأربعين منحة فى العام لكل دولة. أما إثيوبيا فتوقفت منحها، بل نحن كطلبة نستكمل دراستنا فى مصر منذ ست سنوات، وفى الأوقات التى توافرت فيه المنح لإثيوبيا كنا نشعر بأننا منبوذون ومكروهون، وكان تتم إتاحة الفرص فقط لدراسة الشريعة أو القانون واللغات والترجمة، ويتم حرماننا ورفضنا من دراسة الطب والهندسة والصيدلة، رغم أننا نعانى من نقص فى التخصصات الطبية بإثيوبيا وقلة المستشفيات. وأضاف: أيضا ضرورة استغلال العلاقة الطيبة والوطيدة التى تجمع بين الكنيسة الإثيوبية والكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية، سواء فى تخفيف حدة التوتر التى يعيشها البلدان بسبب السد، أو مستقبلا وأهميتها فى نشر السلام والمحبة والتقريب بين كلا الشعبين، معربا عن أن زيارة البابا تواضروس الثانى المقرر إجراؤها فى الأيام المقبلة سوف تلعب دورا فى تغيير مجرى العلاقات الإثيوبية المصرية نحو الأفضل. ومع استمرار «روزاليوسف» فى حوارها مع الأشقاء من الدول الأفريقية يتضح أن أزمة سد النهضة لها أبعاد أخرى وشديدة العمق، ويقول أحمد وليد باه رئيس اتحاد الطلبة الأفارقة بمصر: أنا كمواطن أنتمى لدولة الكونغو أحترم تأييد بلدى لسد النهضة خاصة أنه سيحقق منفعة لدولة أفريقية شقيقة، ومن الغريب أن تقف مصر أمام طموحات واحتياجات دول القارة السمراء التى من المفترض أنها تنتمى إليها. وتابع: إنه يفسر إصرار ودعم الدول الأفريقية الأخرى لمشروع سد النهضة، نظرا لعدم لتخوف هذه الدول من صعود تيارات الإسلام السياسى للحكم فى دول شرق حوض النيل مثل مصر خاصة بعد ثورة 25 يناير، مشيرا إلى أن هذه الدول الأفريقية عانت من تجارب عديدة منها النظام الإسلامى السيئ فى السودان وكان له تأثير سلبى على المنطقة بأكملها، وحركة شباب المجاهدين فى الصومال وما خلفته من نزاعات دموية، ومن ثم فهى لا تثق فى نظام جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وأضاف وليد باه: إن مصر قصرت كثيرا فى حق الدول الأفريقية كافة، على العكس ما كان يحدث فى عهد جمال عبدالناصر، فنحن كدول أفريقية كان يمثل لنا رمزا للقومية وعدم الانحياز والحلم الأفريقى كافة والاستقلال والتحرر من الاستعمار والتبعية، وكل ما كان يتخذه عبد الناصر من قرارات أو سياسات كان يلقى تأييدا جارفا من شعوب القارة السمراء. وتابع: إن بعد وفاة عبدالناصر أصبحت هناك جهود على استحياء تبذل من جانب مصر تجاه الدول الأفريقية، إلى أن وقعت حادثة أديس أبابا فى 1994 والتى كانت بمثابة القشة التى استغلتها مصر لمعاقبة القارة بأكملها دون وجه حق، والغريب بعد مرور هذه السنوات الطويلة من الجفاء والإهمال تعترض مصر على مشروع السد، فبدلا من دعمها للسد مادامت كل التقارير أثبتت أنه لن يؤثر على حصة مصر من الموارد المائية، نستمع للتهديدات كل يوم بتوجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن بديل دبلوماسى. ويتفق معه رمضان أبكر - بوركينا فاسو- فى أن مصر بالنسبة للدول الأفريقية تمثل دولة من خارج القارة السمراء، فنحن نشعر بحالة من الاستعلاء والعنصرية التى تتعامل بها مصر مع الدول الأفريقية، ونرى أن انتماءها الأول والأخير للدول العربية، فنشاهد جهودها الدبلوماسية الحثيثة والبيانات التى تشجب فيها الاعتداء على لبنان أو سوريا أو القصف الإسرائيلى لغزة، ولكن أى مشكلة تقع لدولة أفريقية لا نرى أى تواجد للدور المصرى فيها على الإطلاق. ويتفق معه أبوبكر حسين- الكاميرون - قائلا: المناهج الدراسية فى الكاميرون تحتوى على خرائط تضم معلومات تخص جميع الدول الأفريقية، وهذه المناهج تبدأ فى تعليم الطلبة بالكاميرون من سن صغيرة تبدأ فى التاسعة من العمر، وعند سؤال أى طالب كاميرونى عن موقع مصر أو أى دولة أخرى يستطيع أن يجيب بمنتهى الوضوح، وخاصة الحضارة المصرية القديمة تتمتع بخصوصية شديدة فى المناهج التعليمية للدول الأفريقية كافة، على عكس ما نجده فى مصر الأزهر كان له دور كبير فى الستينيات فى عهد عبدالناصر، ولكن الآن للأسف هناك حوالى 34 مليون مسلم فى إثيوبيا وغيرها من الدول الأفريقية لا يعلمون شيئا عن الأزهر، ومكانته العظيمة، وهذا يتحمل مسئوليته أيضا مؤسسة الأزهر التى اتبعت نفس سياسة الأنظمة الحاكمة عقب عبدالناصر، من ابتعاد عن تقديم منح للطلبة الأفارقة بمصر، أو إرسال بعثات دينية إسلامية تشق العمق الأفريقى وتتواجد به وتحقق ثقلا ثقافيا ودينيا وسياسيا لمصر فى آن واحد. ومن جانبه يرى عمر لومادو- الكونغو- أن أزمة مصر مع الدول الأفريقية تقع أيضا على وسائل الإعلام المصرية التى تروج دائما الشائعات والأكاذيب، مشيرا إلى أنه من خلال متابعته منذ تواجده لأكثر من سبع سنوات بمصر، لاحظ أن الإعلام المصرى هو إعلام عنصرى، دائما يستضيف أشخاصا ويصفهم بالخبراء فى الشئون الأفريقية، ولكنهم فى الحقيقة ليس لهم علاقة بأفريقيا، ودائما يتسم حديثهم بالنظرة الاستعلائية عن أفريقيا، ودائما يبرز السلبيات ويصف الدول الأفريقية الأخرى بأنها مليئة بالجهل والمرض والفقر. وأضاف مؤكدا: إن رفض مصر لسد النهضة يأتى من باب صدمة مصر بأن هناك دولة أفريقية بإمكانها أن تشيد سدا يضاهى بل يتفوق على السد العالى نفسه، فالمسألة نفسية بحتة، وليست أزمة خوف مصر من نقص الموارد المائية، بالرغم من أنه يجب على مصر أن تتحمل مسئوليتها التاريخية الكبيرة بأن لا بديل للأفارقة سوى الاتحاد معهم ومع باقى الدول العربية، بل دول العالم الثالث أجمع، ولابد من التنسيق فى الفترة المقبلة نحو التوافق وليس الاختلاف والحروب والنزاعات.