حال المصريين أشبه كثيرا بحال الليبيين فى ملف الأموال المنهوبة المهربة للخارج، كان لديهم أمل فيمن جاءوا مع الثورة، لكن اختفت الآمال وسط صراعات الساسة على الكراسى.. وسط ذلك كشف (إبراهيم عبد الكريم ) رئيس جمعية الشفافية الليبية فى حوارنا معه قبل عودته لبلاده بساعات أن نظام القذافى يخفى 30 مليار دولار فى البنوك والعقارات والشركات المصرية !؟ وقف عبدالكريم الأسبوع الماضى أمام المستشار فريد تناغوا رئيس محاكم القضاء الإدارى ليطالب بإصدار حكم قضائى فى الدعوى القضائية التى أقامها أمام المحكمة يلزم فيها النائب العام المصرى بإصدار قرار بتجميد جميع الأموال الليبية المهربة إلى مصر عن طريق أشخاص وشركات تم حصرها فى القانون الليبى رقم 36 لسنة 2012 الصادر من المجلس الوطنى الانتقالى الليبى المعدل بالقانون رقم 47 لسنة 2012 والذى تضمن حصرا دقيقا لهذه الشركات وهؤلاء الأشخاص تمهيدا لإعادة هذه الأموال للشعب الليبى، وقبل أن يتحدث عبدالكريم أمام المحكمة سارع المستشار فريد تناغو بإصدار قرار بتأجيل القضية إلى 12 مارس القادم لرد النائب العام المصرى.
∎ سألنا (عبدالكريم ): ماأهمية هذا الحكم بالنسبة لكم فى صراعكم لاستعادة الأموال الليبية المهربة؟
حتى لا يستخدمها رموز النظام السابق فى زعزعة الأمن الليبى فهم يقومون الآن بشن فوضى ويدفعون مبالغ باهظة للبلطجية والمرتزقة لتصفية الشخصيات الوطنية من ثوار 17 فبراير الذين يريدون تطهير أجهزة الدولة ومؤسساتها من النظام السابق.
∎ مادليلك؟!
- بالمنطق.. هناك فراغ فى الدولة الليبية سواء فى القضاء أو الجيش وهم يستغلون هذا لترتيب صفوفهم من جديد ثم بعد ذلك يدخلون الحياة السياسية بوجوه مختلفة وجديدة ليعود نظام القذافى من جديد، لهذا طالبنا الحكومة الليبية والحكومة المصرية بتفعيل اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد واسترداد الأموال الليبية فى الخارج، وإصدار قانون مكافحة الفساد وإدارة أموال وممتلكات بعض الأشخاص.
- بالفعل القانون حدد أسماء 234شخصية ليبية على رأسهم معمر القذافى وأبناؤه وزوجته وأولاد أعمامه وزارؤه ورجال أعماله بالإضافة إلى سبع شركات وهى «يوسف سالم شكوته وشركة الشرارة لتسويق النفط وشركة الوطن الخالد للمقاولات والاستثمارات المساهمة وشركة المستقبل للدعاية والطباعة والإعلام وشركة أجاويد للإنتاج الفنى والإعلامى ومصرف الوفاء ومصرف الأمان».
∎ وهل طبق هذا القانون فى ليبيا؟
- بالفعل بدأ تطبيق هذا القانون وتولى حارس قضائى حصر أموال من شملهم القانون وأزواجهم وأبنائهم وأقيمت ضدهم دعاوى قضائية مدنية ودعاوى تجارية ضد شركاتهم للحصول على أحكام بوضع أموالهم تحت الحراسة ومازالت المحاكمة الليبية تنظر هذه القضايا وبعد صدور الأحكام نستطيع بها أن نحصل على أموال هؤلاء فى أوروبا وأمريكا.
∎ وماذا عن أموالهم فى الدول العربية؟
- الحكومة الليبية قالت للشعب الليبى أنها تقدمت للنائب العام المصرى لتجميد أموال هؤلاء فى مصر، وعندما سألنا النائب العام المصرى قال الحكومة الليبية لم تطلب، فتقدمت أنا بصفتى رئيس جمعية الشفافية وأطالب النائب العام المصرى بالبحث فى سجل الشركات المصرية عن الشركات الموجودة فى مصر التى تحمل ذات الأسماء الموجودة فى الكشف المرفق فى القانون الصادر فى ليبيا وتجميد ما يعثر عليه منها تمهيدا لإرجاعها للحكومة الليبية. والبحث فى جميع وسائل إثبات الملكية الخاصة وهى الشهر العقارى والضرائب العقارية والضرائب العامة وجميع البنوك والتحريات عن الأسماء الليبية المرفقة بالقانون وبحث فيما إذا كانت تمتلك أموالا سائلة فى البنوك أو أراضى أو عقارات أو منشآت أو سيارات وتجميدها تمهيدا لإعادتها للحكومة الليبية.
∎ ماذا حدث فى هذا البلاغ؟
لم يرد علينا النائب العام منذ أكتوبر الماضى فاضطررنا عن طريق مركز النزاهة والشفافية فى مصر لإقامة دعوى قضائية ضد النائب العام أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة المصرية للحصول على حكم يلزمه بتجميد أموال هؤلاء الليبيين فى مصر، خاصة أن مصر وليبيا موقعتان على اتفاقية مكافحة الفساد الصادرة عن الأممالمتحدة، وهذه الاتفاقية تعطى الحق للدول الموقعة عليها فى إرسال طلبات التجميد والمصادرة ما بين الدول الأطراف فيها، ومن ثم رد هذه الأموال إلى الدولة الأصل طالبة الاسترداد.
∎ هل لديكم إحصائية بقيمة الأموال الليبية المهربة إلى مصر وباقى الدول العربية؟
- فى مصر القيمة المبدئية 30 مليار دولار فى شكل ودائع فى البنوك وعقارات واستثمارات، أما باقى الدول العربية فلا نعرف القيمة، لكننا نعلم أن كثيرا من رموز النظام السابق لهم ودائع واستثمارات فى تونس والجزائر والمغرب والإمارات. ونحن فى طريقنا إلى مطالبة هذه الدول بتجميد أموال الليبيين فيها.
وعلى العموم نحن نعتمد الآن على الليبيين المتواجدين فى الدول العربية ليمدونا بمعلومات عن الأموال الليبية المهربة، وقتها ستتم مطالبة هذه الدول بتجميد أموال الليبيين فيها.
∎ وماذا عن أموال رموز النظام الليبى السابق فى البنوك الليبية؟
- الجميع يعلم أن أى مسئول فاسد يستولى على أموال بلده لا يضعها فى بنوك بلده وإنما فى بنوك بالخارج، ولهذا لم يجد الليبيون أموالا كثيرة للنظام السابق ورموزه فى البنوك الليبية.
ولكن وجدنا أن بعض مؤيدى القذافى وعشيرته فى مدينة سرت يخزنون سبائك ذهب ودولارات أسفل منازلهم وأعيدت هذه الأموال والسبائك إلى الدولة.
∎ لماذا هذا القلق الذى يشاهده العالم فى ليبيا من خناقات ومعارك فى «بنى وليد» وغيرها؟!
- معظم «بنى وليد» من أنصار القذافى وتم الإعلان عن تحرير ليبيا، ولم يتم الإعلان عن تحرير بنى وليد وجاءت مشكلة بنى وليد مع مصراتة لأن الذى قام بالقبض على معمر القذافى أحد أبناء مصراتة، وقامت بنى وليد بخطف هذا الشخص وعذبته ومات فأرادت مصراتة أن تنتقم من بنى وليد وهنا بدأت المناوشات بين بنى وليد ومصراتة.
∎ وأين ثوار 17 فبراير الحقيقيون من هذه الصراعات؟
- ثوار 17 فبراير دفعوا فى هذه الثورة 50 ألف شهيد ومصاب ومفقود، وهم الآن لا يريدون أن يلقوا بأسلحتهم لأنهم يشعرون بأنه لم يحدث أى تغيير ولم تكتمل أهداف الثورة بالقضاء على الفساد، فمازال حتى الآن رموز النظام الليبى السابق من الفاسدين موجودين فى المناصب السيادية والمواقع المهمة فالمواطنون والثوار يشعرون أن نظام القذافى لم يمت ومازال موجودا فى الحكم.
ففى الحكم الآن حزب العدالة والبناء محسوب على التيار الإسلامى والجبهة الوطنية وهم المعارضون بالخارج وتحالف القوى الوطنية وهؤلاء معظمهم كانوا من نظام القذافى ورئيسه الآن محمود جبريل وكان رئيس المجلس الوطنى للتطوير الاقتصادى أيام نظام القذافى وهو مرتبط بمحمود البغدادى رئيس وزراء القذافى ولم يقم جبريل بعمل أى برنامج للقضاء على الفساد ومساءلة المسئولين الفاسدين من نظام القذافى.
∎ معروف أنه ليس كل من عمل مع الأنظمة قبل الثورة فاسدا فهناك بالتأكيد شرفاء لماذا إذن هذا الخوف؟
- خوف الثوار والمواطنين جاء من عدم محاكمة رموز ومعاونى النظام السابق من الفاسدين حتى الآن، فمثلا رئيس الوزراء الليبى فى عهد القذافى ورئيس المخابرات وسيف الإسلام ابن القذافى لم يحاكموا حتى الآن ولا أحد يعرف السبب ولدى الخوف من طمس الحقائق وأدلة اتهامهم مثلما حدث فى مصر وتم طمس أدلة قتل الثوار فى ثورة 25 يناير المصرية.
وتأكد الخوف لدى المواطنين فى ليبيا لأنه عندما تم القبض على رئيس المخابرات الليبية فى موريتانيا وعند نزوله فى مطار طرابلس ابتسم فسألوه لماذا الابتسامة؟ فقال: «لأن كل من أراه الآن وجوه مألوفة لى منذ حكم القذافى»، فنحن الآن فى حاجة إلى تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين.
وعندما يقول الليبيون للحكومة: نحن نريد أن نشعر بتحسن فى الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية يقولون انتظروا علينا شهرا وشهرين، سنة والآن مرت سنة ونصف السنة ولم نشعر بشىء فى ملف مكافحة الفساد وتطبيق العدالة.
∎ إذن ماذا ترى ليبيا الآن؟
- شايف ليبيا إذا لم تتم محاسبة النظام السابق وكل من سرق المال العام وتم تهريبه للخارج وإذا لم يتم تجميد هذه الأموال وفتح ملفات الفساد ومحاسبتهم فإن ليبيا لن تستقر.
فلابد من تطبيق العدالة الانتقالية ومحاسبة كل من سرق أموال الدولة وقتل المواطنين الأبرياء.
وعلى العموم أنا لا أتمنى أن تكون كل ثورات الربيع العربى مثل ثورة رومانيا التى قامت عام 1989 وتمكن الشعب الرومانى من خلع الدكتاتور الطاغية شاوشيسكو فأطاحوا به ولم يطيحوا بنظامه وبعد عام ونصف العام عاد النظام القديم مرة أخرى وتمت تصفية الثوار واعتقالهم، وبالتأكيد إذا لم نحاكم الأنظمة السابقة ستعود مرة أخرى.
وأقول إننا بدأنا نرى فى ليبيا عودة الأمن تدريجيا من خلال الجيش الليبى والاهتمام بملفات الفساد واسترداد الأموال الليبية المنهوبة من خلال المؤتمر الوطنى العام.