لأول مرة تجد أن الإعلام الغربى بحق يتحدث فى صلب القضية، وأنه إعلام غير مضحوك عليه، فقط يرصد واقعا حاول الإخوان - كتيار حاكم - الالتفاف حوله، وتصوير غليان الشارع باعتباره «قلة مقموصة» لتطبيق الشريعة، فيما أجمعت الصحف الغربية كلها تقريبا على أن «مصر» ترفض سياسة مرسى جملة وتفصيلا، وترفض سرقة الإخوان والتيار الإسلامى لعملية كتابة الدستور مما أدى إلى خروج إجماع الشعب عليه إلى ميدان التحرير فى ثورة لا تقل زخما عن ثورة 25 يناير. المشهد المصرى طيلة الأسبوع الماضى كان محور المتابعات الإخبارية العالمية، الغريب أن الأمر تعدى الصحف الكبرى إلى الإصدارات المحلية، والكثير منها أفرد مساحات لتدوينات القراء وتعليقاتهم، ما يجعلنا نقول فعلا لا مجازا أن ثمة قلقا حقيقياً ربما على مستوى الشارع الغربى إزاء ما يحدث فى مصر الآن. صحيفة مثل «بييرا ستار» الأمريكية الصادرة فى إلينوى، على موقعها الإلكترونى تغطية مصورة من نحو أربع وعشرين صورة من الميدان ومظاهرات الغضب تحت عنوان «المصريون يواجهون قوات الأمن احتجاجا على خطف الرئيس للسلطة»، الصور أظهرت بوضوح الحشود المتوافدة على ميدان التحرير عقب إعلان مرسى الدستورى والتصعيد مع القضاء، ومنها صور جنازة شهيد الحرية «جابر صلاح»، والصدام بين المتظاهرين وقوات الأمن، ووصول الرموز السياسية للانضمام إلى المتظاهرين، وقدرت الصحيفة العدد المبدئى لتجمعات الميدان عقب أزمة الإعلان الدستورى بنحو مائتى ألف متظاهر مشيرة إلى تزايدهم المستمر بأعداد كبيرة، التغطية التى صادفت تعليقات مثيرة للقراء دفعت أحدهم إلى قوله إن ما يحدث فى مصر الآن هو نتيجة مباشرة للعبة الأمريكية القديمة والسياسة الخارجية الخاطئة التى تركن إلى تصعيد الإسلاميين إلى مقاعد الحكم ثم إرسال قوات عسكرية أمريكية لمحاربتهم وإسقاطهم، وواصل القارئ قائلا إنه لن تمر أيام بعد استقرار الإسلاميين فى مصر بدعم بلاده حتى تجد جيش الولاياتالمتحدة يحاربهم فى مصر، فقد تحققت آمال وأحلام «هيلارى كلينتون» وكبير مساعديها المفضل عضو جماعة الإخوان المسلمين - مستشارتها «هيوما عابدين» - بفضل أوباما والناتو، وقريبا نرسل السفن التى تشحن جنودنا لتحارب نفس العصابات الجهادية التى دعمتها سياستنا الخارجية قصيرة النظر». جريدة فيرست بوست أشارت إلى ما أسمته ب«عمق الغضب»، حيث قالت إن الأزمة التى تشهدها مصر الآن مرجعها إلى اعتراض الشعب والقوى السياسية على حيازة مرسى لجميع السلطات مما يجعل من نظامه نظاما ديكتاتوريا، الخطوة التى قال عنها مرسى حسبما أشارت الصحيفة أنها ضرورية من أجل الديمقراطية. أشارت التغطية أيضا إلى أن الإعلان قصد به فى إحدى قراءاته السيطرة على القضاء، الجهة التى قال عنها محررو الفيرست بوست أنها بحاجة إلى إصلاح بالفعل منذ 25 يناير، وهى النقطة التى تتفق بشأنها الحكومة والمعارضة غير أن الأخيرة ترفض أسلوب مرسى تماما على هذا الصعيد. «الاحتجاجات فى مصر بشأن أمور أبعد مما تظن»، العنوان الذى تصدر موقع «بوليسيمايك» الإخبارى الدولى، الموقع قدم رصدا للحراك الاحتجاجى فى مصر مؤكدا أنه يعود إلى السنوات الأخيرة قبيل خلع مبارك، ويشير التحليل المتعمق نسبيا الذى قدمه الموقع الإلكترونى للمشهد إلى أن هذه المظاهرات والاحتجاجات ليست كلها لأمر واحد، فهناك أحداث عارضة قد تظهر فى الأفق تستوجب الاعتراض كالإعلان الدستورى، بينما يظل السبب الحقيقى هو استعادة الحرية والكرامة التى سلبت من هذا الشعب لعقود، فمادام ظلت قضايا مهمة على حالها كفساد التعليم، والفقر والقمع كلها على حالها فلا يبدو ثمة تهدئة فى الأفق. إن إرادة الشعب المستعد للموت - يضيف التحليل - من أجل التغيير هى مؤشر على تكريس المعارضة نفسها لما يستحقه هذا الشعب ليس كمسلمين ولا مسيحيين ولا حتى كعرب أو مصريين، ولكن كشعب. على موقعها الإلكترونى أفردت ال«دويتش فيله» الألمانية ملفا كاملا لرصد الأحداث فى مصر، وهو الملف الذى انحاز صراحة إلى حقيقة تجمع قوى اليسار وتيارات المعارضة العلمانية وتحالفها مع الإرادة الشعبية فى مسيرات ضخمة اعتراضا على حكم الإخوان المسلمين فى مصر. وفيما يحلو للبعض مقارنة الوضع الحالى بالثورة الينارية الأولى، فإن الصحيفة تؤكد أن ثمة تباينا، فالزخم على نحو أوسع حسبما اتضح من سؤال مراسلها لعدة تجمعات عما إذا كانت تلك هى مرتهم الأولى إلى التحرير، فوجد أن نحو ثلثى المجموعات أجابت بنعم. ويشير المراسل إلى خطاب أحد المتظاهرين بالتحرير إلى الجموع المحتشدة وأغلبها من أعلى الطبقة المتوسطة التى رفض أغلبها النزول للتحرير فى المرة الأولى، حيث يقول المتظاهر «نعتذر لكم إذ كنا قد أطلقنا عليكم «فلول» فى السابق، لكننا كنا نعنى رموز نظام مبارك الكبار ولم نكن نعنيكم، وأهلا بكم إلى ثورتنا جميعا». وفى تغطيتها الموضوعية من قلب الميدان، تقول ال«دويتش فيله» إنه ثمة محاولة ليبرالية لحث غير المتأسلمين على الانضمام للثورة، وفيما كانت المطالب تتراوح بين سحب الإعلان الدستورى وتحصين قرارات مرسى، والدعوة إلى حل الجمعية التأسيسية التى يسيطر عليها الإسلاميون تماما، ورفض التمكين الإخوانى من القضاء ومن الدستور، فيبدو أن الاتجاه العام الشعبى فى الميدان كان فى مجمله رافضا للإخوان المسلمين وضد حكم الإخوان ككل. فى قراءته للمشهد يقول «رونالد مايناردس» - رئيس فرع القاهرة لمؤسسة فردريش ناومان السياسية الألمانية - إن الوضع كله لا يؤمن التنبؤ به، فيما يرى كذلك أن مرسى ليس ضعيفا كمبارك، بل هو مدعوم بقوة جماعة الإخوان المسلمين، كما أن الوضع الاقتصادى لمصر الآن منهار ولمصر مشاكلها بالفعل، وعلى ذلك فإنه لا يتوقع سقوط حكم مرسى هكذا ببساطة كما حدث مع مبارك، بل إن الوضع سيكون أصعب وهو يتصور أن يكون السيناريو الأرجح احتمالا هو «تمرير» بعض المواءمات حتى تهدأ الاحتجاجات وتنتهى استعدادا للانتخابات البرلمانية فى العام القادم، فصراع حقيقى فى رأيه من شأنه أن يقضى على شعبية الإخوان. أما التى جاءت قراءتها أكثر سخرية ومرارة على الاطلاق فكانت صحيفة ال«نيوز تريبيون»، حيث جاء العنوان لاذعا «مرسى يتحول لطاغية إنقاذا للديمقراطية»، الأسوأ أنه كان مصحوبا بكاريكاتير يرتدى فيه مرسى قلنسوة فرعون ويمسك بصولجانه ويخاطب تمثال رمسيس وقد كشر ملامحه قائلا «لم ينته الأمر»!! فى سياق موح ومخجل فى آن، فالصحيفة كتبت تتساءل «هل انتهت الديمقراطية فى مصر قبل أن تبدأ»؟، وواصلت الصحيفة بنبرة ساخرة من قرارات مرسى التى تدعى حماية الديمقراطية بالديكتاتورية فيقول محررها «نوا فلدمان» «إن ثمة مبالغة فى المخاوف، فهو ليس ذلك المشهد من الفيلم الذى يكشف فيه الزعيم الإسلامى الديمقراطى المنتخب عن نفسه باعتباره ديكتاتورا إسلاميا»، ساخرا من كل التجارب الإسلامية المماثلة. الخطاب الساخر يستمر حتى فى تحليل الصحيفة لتعاطى مرسى مع الأزمة التى صنعها بنفسه ووضع فيها مصر بأكملها على المحك، فيقول «فلدمان» إن مرسى قد «عدَّى» فى إعلانه فيما فسره على نحو قاصر للغاية، ويفعل ذلك كله من أجل الحفاظ على الديمقراطية الانتخابية، وهو ما يراه داعيا لفهم قلق المعارضة، فالانتخابات تعنى ما هو أبعد من مجرد عملية انتخابية، وعلى أولئك المنتخبين من قبل الشعب الالتزام بمعايير دستورية، وألا يتخذوا من حقيقة انتخابهم مبررا للحكم دون قيد أو شرط. خطاب مرسى الأخير أيضا لم يحظ بردود فعل أفضل من خطاب ال«حارة المزنوقة» إياه أمام الاتحادية، ولم يكن نصيبه من التعليق الإعلامى الغربى بأفضل حالا من تعليقات الفيسبوك والتويتر.