بدأت القوات الفرنسية التى كانت فى أفغانستان بالانسحاب من هناك وسينتهى فى نهاية 2012، وذلك بعد الهجوم الانتحارى الذى أودى بحياة أربعة جنود فى ولاية كابيسا «شمال شرق أفغانستان» مما رفع عدد العسكريين الفرنسيين الذين قتلوا هناك إلى 87 منذ 2001 حيث كان ينتشر فى أفغانستان حوالى 3500 جندى فرنسى خاصة فى كابول وشرق البلاد، الإجمالى هناك 130 ألف جندى أجنبى من خمسين دولة منتشرين فى البلاد، بينهم 90 ألف أمريكى.
فى تحقيق نشرته مجلة « فى أس دى» الفرنسية قالت إن هؤلاء الجنود لا يعودون مباشرة إلى فرنسا بعد الانسحاب.. لكن يأخذون فترة تأهيل واستجمام اختاروا لها قبرص قبل عودتهم إلى الحياة العادية فى باريس وذلك بعد قضائهم شهورا طويلة فى الحرب فى أفغانستان وحالة الخوف والضغوط النفسية والعصبية التى كانوا يعيشون فيها وهم يرون زملاءهم يتساقطون أمام أعينهم يوما بعد يوم بنيران طالبان.
ويقول الطبيب النفسى الفرنسى العسكرى بمستشفى «فال دو جراس» فى باريس د.بواسو فى أفغانستان: المجندون وضعوا تحت ضغوط صعبة ومستمرة مما أثر عليهم نفسيا، ولم يعودوا هم أنفسهم مثلما خرجوا من فرنسا إلى أفغانستان لذلك أنشأنا فى قبرص منتجعا للاستجمام منذ 2009 وجاء هذا القرار بعد الحادث فى أوزبون والذى أودى بحياة عشرة فرنسيين مرة واحدة.
رحلة الاستجمام تبدأ بعد الحرب للمجند الفرنسى أولا من خلال عودته من مكان توزيعه داخل أفغانستان إلى قاعدة باجرام الأمريكية حيث يقيم مجندو التحالف؛ وبعد ستة شهور كاملة يقضيها المجند الفرنسى فى أفغانستان يتم تأهيله لعودته إلى الحياة الطبيعية، فبعد أن يقوم بتسليم سلاحه والذخيرة المتبقية معه إلى قائده يبدأ فى شراء الهدايا التذكارية لأسرته من خلال أحد المحلات المقامة لذلك فى قاعدة باجرام ويركب الطائرة ويذهب إلى قبرص، هذا الوضع يتم لكل الفرنسيين الذين يتم تجنيدهم فى أى منطقة حروب سواء كانوا قادة أو مجندين فى الجيش الفرنسى.
لدى وصولهم إلى قبرص - بحسب المجلة الفرنسية - يتم تسكينهم جميعا أولا فى أحد الفنادق الفخمة التى تطل على البحر، ويقول الطبيب الفرنسى بواسو: إن أحد المجندين الفرنسييسن قال له يوما: أنا لست فى حاجة إلى المعرفة ولكنى فى حاجة للمساندة والدعم، مساندة من الأمة والدعم من الجيش عامة أنا فى حاجة لمعرفة ماذا يقولون عنا.
الهدف الأول من الذهاب إلى قبرص هو محاولة طى صفحة الحرب فى ذهن كل من شارك فيها، حيث يقول بواسو إنهم لا يستطيعون أن يقوموا بطى صفحة الحرب بمفردهم ولكن لابد من مساعدتهم على ذلك، حيث يجلس معهم الأخصائيون النفسيون بالجلوس كمجموعات للاستماع لهم فقط، ومعظمهم يتحدثون عن الستة شهور التى قضوها واقتسموها سويا فى ميدان المعركة والضغوط والخوف الذى تعرضوا له خلالها.
أحد المجندين أشارت له المجلة الفرنسية بحرف «س»، قال: إن كل ما يريده منهم الأخصائيون هو أن يتحدثوا لهم بكل صراحة ويخرجوا كل ما يمكن أن يكون كامنا بداخلهم حيث يعقب بعد ذلك بواسو على كلامه بأن هذه الطريقة متعارف عليها لأن الحروب تقوم بتغيير الحالة النفسية والمزاجية للمحارب، وفى الوقت نفسه يتم تقويم أى حالة عنف دفينة بداخله لكى يستطيع العودة للعمل بشكل طبيعى فى بلاده بعد عودته وهذا هو الهدف الرئيسى من الرحلة إلى قبرص قبل العودة إلى فرنسا.
برنامج التأهيل النفسى يعتمد على الكثير من الأشياء منها جلسات تقنية التفاؤل، والاسترخاء الذهنى الذى يتم من خلال تمرينات فى حمام السباحة وجلسات الساونا والجاكوزى الإجبارية والسير بجوار المياه على البحر وركوب المراكب والتجديف، بالإضافة إلى التسوق والذهاب إلى الأماكن السياحية، وكل ذلك من أجل أن يشعر المجند بالأمان مرة أخرى بعيداً عن أصوات الرصاص وطلقات المدفعية التى اعتادوا عليها طيلة الستة شهور من الحرب، حيث إن المجند لو عاد بشكل مفاجئ إلى بلده بدون تلك المقدمات يصاب بنوبات عصبية من أقل صوت ممكن أن يسمعه ويشعر بالغربة من أسرته وحتى أولاده.
ومن خلال دراسة أجريت على بعض الجنود العائدين من مناطق حروب وجدت أن 7% منهم لايزالون يعانون من جراح نفسية حتى بعد عودتهم إلى بلادهم، والباقون تظل أفغانستان عالقة فى أذهانهم ويكون الطريق طويلا معهم جميعاً للعودة إلى حياة طبيعية مرة أخرى.■