يطل بأنفه فى كل شئون البلاد والعباد.. ولا تسكت حنجرته عن نهش أى منتقد لأداء الجماعة.. ويصم أذنيه لأى كلمة نصح أو إرشاد! هكذا هى لعبة الكراسى الموسيقية فى السياسة.. تتبدل الأدوار ولا تتبدل الأفكار.. يظل الكرسى هو صاحب القرار يحتفظ بكل مكونات الاستبداد وتنتقل عدواه للجالس عليه فورا وتسكن خلاياه.. مخطئ من يظن أن شيئا تغير فى البلاد بعد 25 يناير.. مصر مثل الساعة الرملية تأخذ دورتها كاملة ليصبح الأعلى أسفل والعكس، ويبقى الرمل رملا!
الحالة الضبابية فى إدارة شئون البلاد، والتماهى بين ما هو رسمى وما هو موازٍ، وترك الأمر على ما هو عليه سمح للقيادى الإخوانى د. «محمد البلتاجى» - أستاذ الأنف والأذن والحنجرة - أن يطل بأنفه فى كل شئون البلاد والعباد.. ولا تسكت حنجرته عن نهش أى منتقد لأداء الجماعة.. ويصم أذنيه لأى كلمة نصح أو إرشاد!
رسميا هناك متحدث باسم الرئاسة تمت تسميته ويمارس مهامه.. وكذا هناك متحدث رسمى لجماعة الإخوان المسلمين، وكذا متحدث آخر للجنة التأسيسية للدستور.. لكن ظل «البلتاجى» متحدثا موازيا لكل هذا وأكثر.. يمكن للإعلام أن يستنبط أخبارا ويحصل على انفرادات من لسان الرجل قبل أن تعلم بها مؤسساتها أصلا.. فهو متجاوز الحدود والمسافات والرسميات!
لعب دورا بارزا فى توطيد أركان جماعته فى ميدان التحرير.. زرع أتباعه مكان الأشجار، وأمسك فرشاته فى تلوين الثورة المصرية بالصبغة الإسلامية عندما قام بتأمين وتحضير زيارة «القرضاوى» للميدان ومنع صعود الثوار أنفسهم وحتى «ممدوح حمزة» الذى تكفل بمصاريف المنصة ليصعد عليها الشيخ العجوز!
الشباب الثائر فطن للعبة متأخرا بعد أن ترك الإخوان الميدان وشركاء النضال وراحوا يبحثون عن ثمرة الثورة التى سقطت فى حجرهم، وكان «البلتاجى» هو رسول الإخوان للميدان فى زيارات حاول وجماعته ألا يتركوه لأى قوى سياسية أو ثورية فكان الرد هو رفع الحذاء تكرارا فى وجهه ولولا أنصاره ما خرج حيا!
يصنف د. «محمد البلتاجى» داخل جماعته كثورى، وربما هذا لا يرضى كثيرين فى مكتب الإرشاد عنه أو عن مواقفه، خصوصا أنه قبل تقدم الشاطر ومرسى للترشح للرئاسة كان يرى أن أبوالفتوح - الإخوانى المنشق- أفضل من يتولى المنصب الرفيع فى البلاد!
ولولا إفادته وهباته شبه الثورية وحماسته المفرطة فى الدفاع عن الجماعة بالباطل لتخلصوا منه عند أول محطة، ولأنه يعلم ذلك جيدا يجيد التلاعب على كل الأحبال، وصنع من لسانه منصة صواريخ تقصف بالكلمات الثقيلة والاتهامات بعيدة المدى كل من يخالف الإخوان رأيًا.
فى سترته كبسولات الاتهامات الجاهزة «أنت فلول»، «أنت الثورة المضادة»، «أنت متستر على الفساد»، قالها فى وجه مصطفى بكرى عندما اختلفا تحت قبة البرلمان المنحل، ويكررها كثيرا إعلاميا فى كل طلة له تعليقا لأى منتقد أو معارض!
«البلتاجى» أو «البلطاجى» - كما يطلقها عليه نشطاء الفيس بوك- مجدّ ومتفوق من يومه، كان ترتيبه السادس على الجمهورية فى الثانوية الأزهرية ومنها التحق بطب الأزهر ليتخرج الأول على دفعته، والتحق بالجيش لمدة عام واحد فقط كضابط احتياط، حيث جرى تعيينه نائبا بمستشفى الحسين الجامعى.
نفس الرجل الذى أنصفه القضاء وقت النظام السابق وأنقذ مستقبله بحكم الإدارية العليا بأحقيته فى التعيين كمدرس مساعد بعد أن تعطل 4 سنوات بسبب الاعتراضات الأمنية عليه، هو نفسه - يا للعجب - من اتهم القضاء ويخرج ليل نهار يسب فيه ويمارس «صحاف الإخوان» الإرهاب الفكرى، لم يتركوا هيئة قضائية إلا استباحوها من أول الدستورية مرورا بالجنائية انتهاء بالإدارية.
ليلة الحكم فى موقعة الجمل تفرغ للتنقل من فضائية لأخرى ليكيل الاتهامات فى كل الاتجاهات بداية من القضاة للنيابة وللمتهمين وحتى الإعلاميين وعاونه فيها «العريان» و«سلطان» ولم يكن هذا لوجه الله أو لحق الشهداء.. وإنما كانت فرشة إعلامية تهييجية للتشويش على جمعة الحساب، واستعدادا لخطوة إزاحة النائب العام.
اللافت أن الرجل الذى كان مناهضا لمظاهرات محاسبة الرئيس على مرور 100 يوم من حكمه واعتبرها خروجا عن النص وأنه لا يجوز التظاهر إلا بتصريح، هو نفسه من حشد جماعته للتظاهر ضد حكم براءة المتهمين فى موقعة الجمل وتأييد قرار الرئيس بإقالة النائب العام، وكلها كانت قنابل دخان لإفشال مليونية الحساب بالاعتداء السافر على المتظاهرين سلميا فى الميدان، وهو نفسه الرجل الذى تنصل من نزول الإخوان واعتبره خطأ وقع فيه مكتب الإرشاد!
مساحات من الغموض تحيط بأدوار البلتاجى من وجوده فى موقعة الجمل وقصة لقائه مع اللواء «الروينى» فى الميدان يومها، والتى كانت كاشفة لها المحكمة وكلام عن تورطه وجماعته فيها، وقبلها عندما تم القبض عليه على سفينة «مرمرة» التركية لفك الحصار على غزة وتدخل النظام السابق للإفراج عنه فورا، وأخيرا علاقته ب«نخنوخ» وكانت سببا فى القبض على الأخير الذى هدد بكشف علاقته بالبلتاجى!
فى برلمان 2005 وعند مناقشة مد قانون الطوارئ تحت القبة كان أن ارتدى ال 88 نائبا إخوانيا وشاحات «لا للطوارئ» وملأوا الدنيا صياحا واعتراضا تسبب فى إغماءة للنائب- حينها- د. «البلتاجى»، استدعت نقله إلى المستشفى .. فى 2012 وبعد أن وصل الإخوان للحكم يحاولون اليوم إقرار قانون للطوارئ أشد من سابقه، ولما وجدوا مدا مناهضا حاولوا الآن الالتفاف عليه بما أسموه مشروع قانون حماية مكتسبات الثورة، وكان «البلتاجى» داعما ومبررا لتلك القوانين التى رفضها فى الماضى!
لا أحد حقق رقما قياسيا فى الظهورات الإعلامية بقدر ما حققها «البلتاجى» منذ قيام أحداث يناير، حتى مل الناس، ويديرون وجوههم عن الشاشات فى كل مرة يحل ضيفا أو يكتفى بمداخلة لابد أن تنتهى بتجريح أحدهم والتطاول عليه، إلى حد مهاجمة الإعلام نفسه واتهامه مؤخرا بأنه يمارس إرهابًا على أعمال اللجنة التأسيسية للدستور بصفته رئيس لجنة الحوار والمقترحات، ولا نعلم بأى حق حصل على هذا الامتياز فى غياب أساطين القانون الدستورى، ونسى دورنا الرقابى فى تقويمه ومراقبة أداء التأسيسية قبل أن تنجرف لصالح تيار بعينه.
راح زمن الكلام المعسول، بل وصل الأمر مداه أن يقول إنه لا يشرفه أن يكون صديقا لكل من يهاجم الإخوان ونسى ماضيه وحديثه عن الجماعة الوطنية والتكامل والتفاهم وقبول الآخر، وكلها كانت مجرد شعارات للاستهلاك السياسى انتهت صلاحيتها بمجرد ركوب صهوة السلطة فى البلاد ولم يحسب وجماعته أن السقوط وارد.
لا ينقص وجهه عبوس، أو رطرطة فى الكلام، أو تزييف الوقائع، والدفاع المستميت المغلوط عن جماعته، وعن بطولتها الوهمية.. ربما فقط هى البزة العسكرية التى يفتقدها حتى يصبح فعليا صورة طبق الأصل من «الصحاف» بتصريحاته النارية التى انتهت إلى غير صدى!∎