نجحت روابط الأولتراس المصرية منذ تصديرها إلى مصر بعد أن انتشرت الظاهرة فى جميع دول العالم قادمة من إيطاليا - مسقط رأسها - فى لفت الأنظار إليها بأساليب التشجيع المبتكرة التى قضت على طرق التشجيع التقليدية وزينت شكل المدرجات بلوحة فنية مبهرة صنعها أفراد الأولتراس بأجسادهم. ولأن السياسة تأبى إلا أن تدس أنفها فى كل شىء فتفسده، فقد حرص السياسيون وجماعاتهم وأحزابهم وحركاتهم منذ الظهور الأول للأولتراس فى مصر عام 2007 على محاولة استقطاب الأولتراس بعد أن سال لعابهم لما يمتلكه الأولتراس من قدرة رهيبة على الحشد بإمكانيات بشرية مفعمة بالحماس ناهيك عن نجاحهم فى الاكتفاء الذاتى إضافة إلى التنظيم والانضباط الذى يتمتعون به وتفتقده تلك الأحزاب والحركات السياسية.
الاستقطاب كان بأساليب متنوعة تارة بالترغيب وتارة بالترهيب مستخدمين عصا الأمن وذراعه.
محاولات الساسة «لجر رجل» الأولتراس لعالمهم لم تتوقف برغم فشل معظمها، وكان أبرز المحاولات الفاشلة من قبل رموز الوطنى «المنحل» وقيادات النظام البائد صوب أولتراس النادى الأهلى الأكثر شعبية بفرعيه «أهلاوى ممثل القاهرة وديفلز ممثل المحافظات» وأولتراس «وايت نايتس» المنتمى للغريم التقليدى الزمالك، فى انتخابات البرلمان 2010 المزورة والتى كانت المسمار الأخير فى نعش النظام السابق، وحينها رفضت المجموعتان الاشتراك فى أى أعمال تخص تلك الانتخابات، وكان العرض الأبرز من قبل النظام للأولتراس الأهلاوى يتضمن عمل دخلة خلال إحدى المباريات بصورة جمال مبارك نجل رئيس الجمهورية السابق والذى كان يعد كوريث لحكم مصر، بمبلغ خيالى قدره مليون جنيه دعم للمجموعة، بالإضافة إلى نصف مليون جنيه لقيادات المجموعة، وهو ما أعلنوه مؤخرا، وكانت جماعات الأولتراس فى مصر على درجة عالية من الوعى ورفضوا الانزلاق إلى عالم السياسة»، والذى تحظر قوانين ومبادئ الأولتراس العمل به ولكن الأمر لم يستمر كثيرا.
وكان قيام ثورة 25 يناير عام 2011 التى غيرت وجه مصر إيذانا بانطلاق الأولتراس فى العمل السياسى بعد أن شكلوا إحدى جبهاتها متجاهلين تحذيرات الأمن وتهديداته وكان لهم الفضل فى نجاحها بعد أن أسقطوه فى جمعة الغضب مستخدمين عصارة خبراتهم فى مواجهات الملاعب التى ذاقوا فيها ألوانا من الإهانة والتنكيل والاعتداء وزج بقياداتهم فى السجون قبل المباريات، مستخدمين أسلحة التشجيع «الشماريخ والباراشوت والألعاب النارية وقنابل الدخان» للدفاع عن الثورة.
وجاء التحول بعد أن تنفس أفراد الأولتراس الحرية وتذوقوا لذة الشعور بالذات ونفضوا عن كاهلهم الإحباط الذى أصاب شباب مصر، انغمسوا أكثر فى عالم السياسة واندمج الكثير منهم فى أحزاب وحركات وجماعات سياسية شاركت فى الثورة بعد أن جمعهم ميدان الثورة وعلى رأسهم حركة 6 أبريل التى انفردت بأكبر عدد من أفراد الأولتراس المشاركين فى السياسة.. لم يكبح الأولتراس جماح رغباتهم فى الظهور والتعبير عن النفس «بحكم أعمارهم» خاصة بعد أن أدركوا قوتهم ومن موقعة الجمل إلى محمد محمود مرورا بأحداث سياسية عدة شارك فيها الأولتراس تارة بصفتهم وشكلهم الذى لاتخطئه عين وتارة كأفراد من الفصيل الثورى للشعب المصرى، ونشأت فى الظل بعض مجموعات الأولتراس التى ارتبطت بأسماء بعض السياسيين مثل أولتراس برادعاوى وأولتراس شفيق وأولتراس حازم صلاح إلا أن تواجدهم لم يتعد عالم الفيس بوك فى مقابل مجموعات أولتراس أخرى نجحت فى ترجمة جهودها وصنع تواجدها على أرض الواقع وهى أولتراس حرية وعدالة التابع للذراع السياسية للإخوان المسلمين وهو أول أولتراس سياسى من نوعه يليه أولتراس أبوالفتوح ثم أولتراس نهضاوى الذى تولى دعم الرئيس مرسى أثناء الانتخابات الرئاسية وصنعوا أكبر سلسلة بشرية بطول المدن التى زارها.
ولكن سرعان ما دفع الأولتراس ضريبة مشاركته فى السياسة بعد أن سقط أول شهيد من أولتراس وايت نايتس الزملكاوى قبل أن يزج بعدد من قيادات المجموعة وعلى رأسهم «شبرا» و«طبلة» فى السجن فى قضية سياسية نالوا البراءة فيها تلتها قضية «شيكا عمران» الذى اختطف من ميدان التحرير وتم الإفراج عنه مؤخرا.
ولم يكتف الأولتراس الأهلاوى بمشاركته فى لعبة السياسة خارج المدرجات، بل زاد أن نقلها إلى مدرجات الكرة وفوجئ النظام ولأول مرة بهتاف مدوٍ «يسقط يسقط حكم العسكر»'' ليأتى الرد سريعا ومفاجئا فى خسة بوقوع الفاجعة التى هزت كيان مصر وأذهلت العالم بمقتل 74 شهيدا من الأولتراس الأهلاوى فى مباراة المصرى «مذبحة بورسعيد» ليدفع الأولتراس الثمن الأغلى لانزلاقه فى عالم السياسة «القذر» ووقوفه ضد طغيان النظام.
وكان الأديب الكبير توفيق الحكيم محقا عندما قال: «لهذا الحد تعبث السياسة عندنا بالعدالة والنظام والأخلاق، أعوذ بالله !.. شىء مخيف».
ويبدو أن مجزرة بورسعيد وشهداءها كتبت على الأولتراس الاستمرار فى السياسة من أجل القصاص لهم، نفض الأولتراس الأهلاوى عن نفسه الغبار مدعوما بمساندة الوايت نايتس وغيره من مجموعات الأولتراس وأزاحوا الستار عنهم مطالبين بقوة وعنف أحيانا بحقوق إخوانهم وأصدقائهم الذين قتلوا على أيديهم، وبات الاقتحام كلمة السر لإقرار الواقع لديهم، بعد أن فقدوا الأمل فى العدالة.. وساندهم فى مواقفهم القوى الثورية وعلى رأسها حزب الدستور بقيادة البرادعى والتيار الشعبى المشارك فيه رموز ثورية مثل حمدين صباحى الوصيف فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وبمجرد علم جماعة الإخوان المسلمين وذراعهم السياسية حزب الحرية والعدالة بذلك هبوا من سباتهم بعد أن تذكروا أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب خشية أن تنجح القوى الثورية فى استخدام قدرات الأولتراس الخاصة فى دعمها للحصول على أغلبية، وهو ما يعنى نكسة الجماعة، بداية من مغازلة المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد للأولتراس إلى الحد الذى وصل فيه إلى مهاجمة صحيفة الحزب بحجة هجومها على الأولتراس، تبعتها لقاءات مكثفة من قبل قيادات فى الحرية والعدالة مع قيادات أولتراس أهلاوى وعلى رأسهم رئيس لجنة الشباب بمجلس الشورى لكسب ود الأولتراس والتأكيد على دعمهم وحمايتهم.
وعلمت روزاليوسف أن جماعة الإخوان وحزبها يعدون العدة من خلال الدستور الجديد للانقضاض على الأولتراس والقضاء على الظاهرة بعد الاستفادة منهم فى حسم الانتخابات البرلمانية بعد أن انهالت سهام النقد نحوهم ونحو الرئيس مرسى بصفته منتميا إلى الجماعة بسبب عدم محاسبة الأولتراس خاصة الأهلاوى على خرقهم المتكرر للقانون واقتحاماتهم المتكررة بدءا من اتحاد الكرة والنادى الأهلى ونهاية بمدينة الإنتاج الإعلامى، برغم تحرير عدد من المحاضر بحق قيادات الأولتراس الأهلاوى، وهو ما يثير علامات الاستفهام حول عدم تحريك تلك المحاضر واتخاذ إجراءات حاسمة حيالها.. من خلال القانون الخاص بالجمعيات الأهلية والذى يعد حاليا وسيجبر كل الجماعات والحركات على الاندراج تحت طائلته وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والكشف عن مصادر التمويل وحجمه وهو ما يضع كل أنشطة الأولتراس القادمة وميزانيتهم المالية الضخمة تحت المراجعة، وهو ما يتعارض مع مبادئ جماعات الأولتراس التى ترفض الإعلان عن حجم أو مصدر تمويلها، وبالتالى تضييق الخناق عليهم كما صرح لنا أحد المصادر الخاصة بنا.
وفى المقابل تنبه أولتراس ديفليز الأهلاوى إلى خطورة العمل بالسياسة ويتبنى حاليا الاتجاه نحو الالتزام بالتشجيع فى المدرجات فقط وتجرى الآن مفاوضات حثيثة بين أبناء الأولتراس لتعميم هذا التوجه وفقا لتصريح أحد قادتهم.
وما بين ما يفرضه صراع الأولتراس للحصول على القصاص العادل من التلوث بالسياسة وبين ما يجب عليهم من العودة للمدرجات وتفويت الفرصة على من يحاولون استغلالهم أتذكر مقولة عالم السياسة.. المفعم بالغموض والكذب والحيل، العالم الذى لا دين له ولا وطن، ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا السابق الذى قال ساخرا:
رأيت وأنا أسير فى إحدى المقابر ضريحا كتب على رخامته:
(هنا يرقد الزعيم السياسى والرجل الصادق..) فعجبت كيف يدفن الاثنان فى قبر واحد!