وسط حالة من الشد والجذب، كان أن أعاد فتح باب التحقيق حول مصرع «المشير عبدالحكيم عامر» باب الجدل من جديد بين الناصريين وتيار الإسلام السياسى، إذ اعتبر الناصريون أن هذا الأمر متعمد لتشويه الزعيم الراحل، الذى كانت تعتبره جماعة «الإخوان» عدوها الأول. لكننا- أيا كانت الأسباب الحقيقية لتحريك القضية، وخلال السطور التالية- نكشف عن حقيقة «السر التاريخى لرحيل المشير عامر»، الذى كان أقرب إلى «تراجيديا» من نوع خاص!
ففى الوقت الذى طالبت خلاله أسرة عامر بإعادة التحقيق فى وفاة الرجل، إنقاذا لسمعة العائلة، قال عدد منهم: إن التقارير الطبية التى بحوزتهم تؤكد أن المشير توفى جراء إعطائه حقنة سامة «قسرا».. بدليل وجود 3 جروح وخزية بمناطق الحقن فى الوريد، مما يدل على أنه كان يقاوم أخذ الحقنة بكل الطرق.. أى جريمة مكتملة الأركان مع سبق الإصرار والترصد. وتشير التقارير إلى أن جسد عامر كان خاليا من أى نوع من المواد المخدرة والسموم التى تؤخذ عن طريق الفم.. إذ توفى جراء تعاطى مادة «الأكونتين» شديدة السمية عبر لصق هذه المادة على جسده.. وهذه المادة لو لمست طرف لسانه كفيلة بأن تقلته. ويؤكد أبناء وأشقاء عامر أن المكان الحقيقى الذى دفن فيه المشير عامر غير معلوم يقينا، إذ إن المشير لم يدفن بعد وفاته فى مقابر أسرته كما أشيع، لكنه دفن بالقرب من الجندى المجهول.
الدكتور إحسان كميل كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعى «الحالى» كان قد أحال له النائب العام الدكتور المستشار عبدالمجيد محمود ملف المشير عامر منذ ثلاثة أشهر متضمنا التحقيقات والتقارير الطبية السابقة لإعداد تقرير طبى شرعى جديد عن أسباب وفاة المشير عامر.
الدكتور كميل قال لنا إنه أنهى التقرير فى أكثر من 80 صفحة منتهيا بعبارة تشكك فى احتمال وفاة عبدالحكيم منتحرا- بحسب كميل.. وتم التوصل إلى هذه النتيجة بعد الاطلاع على ملف القضية والتقارير الطبية الصادرة من أطباء ومعامل القوات المسلحة بالمعادى التى قامت بإجراء تحاليل للمشير قبل وبعد وفاته.
وأضاف كميل: استعرضنا أنواع الوفاة الجنائية إما بالضرب بالنار أو الإصابة أو السم.. وجميع الأوراق التى قدمت للمصلحة تؤكد أنه توفى بالسم.. ولكن المشكلة هل مات منتحرا بالسم أم قتل؟!.. إلا أن التحاليل أوضحت أنه لم يتناول السم.. والأوراق تؤكد أن الوفاة كانت بسم الأكونتين.. وهذا السم لا يظهر فى التحاليل.. موضحا أنهم بذلك انحازوا نحو الشك فى وفاته انتحارا.
فبحسب الأوراق، فإن الضابط المرافق للمشير عامر أكد أنه كان فى حالة سعال ثم قىء أثناء نقله، فى حين يقال إنه تناول لفافة أفيون.
ولو كان المشير قد تناول الأفيون ما كان يجب أن يسعل لأن أى دواء سعال لابد أن يحتوى على مادة الأفيون لتهدئة الصدر.. وبالتالى استبعدنا الوفاة بالأفيون.. وعلى ذلك فرواية الانتحار غير مقنعة بما يكفى!
سألنا د. كميل: هل هذا يعنى أنه قتل؟
فقال لنا: أولا أنا لا أنشئ سيناريو عن القتل.. فبحثى يعتمد على ورق ومستندات وتقارير.. وانتهينا إلى الشك فى أمر الانتحار، إلا أن هذا لا يعنى أنه توفى مسموما، لأن هناك خمسة احتمالات للوفاة منها الضرب بالنار أو الإصابة بآلة حادة أو بالسم، فضلا عن الوفاة المرضية.
وأنا أستبعد الانتحار فقط.. وهذا يعنى أن هناك أربعة أسباب أخرى لم يتم البحث فيها لأنه لم يطلب منى الرأى.. وعلى العموم الحالة الصحية للمشير عامر قبل الوفاة ليست واضحة، إذ لم يجر له مثلا أية أشعة أو رسم قلب قبل الوفاة!
وتابع كميل: وحتى لو أخرجنا الجثة الآن.. فهذا لن يجدى، إذ يقال إنه قتل بالسم وهذا لا يظهر بعد كل هذه السنوات.. لكن يمكن أن تتم مناظرة الجثة لمعرفة وجود إصابات.. وهذا قد لا يكون موجودا، لأن الأوراق والملف المقدم إلىَّ لم تقل إنه أصيب.
سألناه: هل يمكن أن يكون الدكتور عبدالغنى سليم البشرى رئيساً مصلحة الطب الشرعى عام 1967قد كتب تقريرا «مغايرا» للحقيقة عن الوفاة؟!
قال كميل: أشك لأن الدكتور البشرى كان رئيساً للمصلحة عندما التحقت بها.. وهو شخصية كانت قوية جدا.. وصعب أن يتم الضغط عليه ليغير التقرير.
∎∎
الدكتور أيمن فودة رئيس مصلحة الطب الشرعى السابق بين لنا هو الآخر، أنه بعد هذه المدة الطويلة من الوفاة من الصعب جدا- بل من المستحيل- فى حالة استخراج جثة المشير عبدالحكيم عامر إثبات وجود مواد سمية فى العظام.. وبالتالى من الصعب التكهن بالسبب الحقيقى للوفاة.
فلو استخدمت مادة سامة من المعادن الثقيلة مثل الزيبق أو الزرنيخ، فمن الممكن أن نجد بعض الآثار الموجودة فى العظام أو الأسنان.
أما السموم القلوية مثل الأكونتين أو مواد الأتروبينات، فمن الصعب أن نتعرف عليها.. ومن الصعب أن نعرف أيضا هل دُس له أم أخذه بإرادته.
وأوضح فودة أن قضية وفاة المشير تحتاج إلى عالم سموم طب شرعى ليقرأ التحقيقات من جديد، لأن هذه القضية بها موضوعات وحقائق كثيرة، معروفة وغير معروفة، ولا نعرف مدى الشفافية فيها.. هذا بالإضافة إلى أن المعامل الطبية وقت وفاة المشير كانت بدائية ولا نستطيع أن نقول هل هذه التحاليل صحيحة 100٪ أم لا.
∎∎
الدكتور فخرى صالح رئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق قال لنا: أنا عينت بمصلحة الطب الشرعى قبل وفاة المشير عبدالحكيم عامر بيوم أى يوم 13 سبتمبر عام 67وعادة عندما تأتى جثة لتشريحها فى المصلحة لمعرفة أسباب الوفاة تتم قراءة مذكرة النيابة الآتية مع الجثة وأوراق العلاج ثم نبدأ بالكشف الظاهرى على الجثة للكشف عن آثار إصابة وساعة وتاريخ الوفاة ثم أخذ عينات من أحشاء ومعدة المتوفى لتحليلها.
وأردف: من الصعب أن تكون هناك إصابات أو طعنات خارجية ولا تتم كتابتها فى التقرير، لكنى فى الوقت نفسه، أشعر جيدا بشعور أبناء وأشقاء المشير عامر.. إذ إن الانتحار مرفوض فى مجتمعنا دينيا.. وبالتالى فمن الأكرم أن يموت مقتولا!.. وعادة فإن القضايا الغامضة تظل مفتوحة لسنوات للتحقيق فيها مع ظهور أى دليل جديد، خاصة إذا كانت قضايا سياسيين أو وزراء أو جواسيس ويدخل فى مثل هذه القضايا أطراف كثيرة.. ولهذا لابد من قراءتها بعناية. د. أحمد سعد نجيب مدير مركز السموم بجامعة عين شمس قال هو الآخر: كان من الممكن أن يظهر سم الأكونتين فى التحليل الذى أجرى للمشير عامر وكونه لم يظهر فى التحاليل هذا يعطى لنا احتمالين: الأول أن وسائل التكنولوجيا لم تكن فى مصر فى هذا الوقت لأن تحليل الأكونتين معروف عالميا منذ الحرب العالمية الثانية.
والاحتمال الثانى: أن التحليل لم يجر من الأصل.
ولمعرفة الحقيقة، لابد أن نعرف كيف أخذ عينة التحليل من الأنسجة، أو الدم أو البول.. والوقت الذى أخذت فيه العينة بعد تناوله لها لتحديد هل أخذت العينة وحللت أم لا؟! كما أننا لابد أن نؤكد أن الأكونتين يؤثر على عضلة القلب من دقيقة إلى عشر دقائق من تناوله.. وبالتالى لابد أن نعرف كيف تم الكشف والتشريح وماذا قالت الأوراق. فتحاليل السموم فى الطب الشرعى لا تستنتج إن كان مات مسموا أم منتحرا والتأكد من وجود السم فى الجسد إما منتحرا أم مسموماً، فهذا يستلزم قراءة الوقائع والقضية من جديد.. ومعرفة كل الحقائق.
لهذا أنا أنصح أبناء المشير عبدالحكيم عامر بأنه لابد من معرفة كل الحقائق بدقة أولا ولابد من معرفة ظروف تشريح الجثة وأخذ عينات التحاليل ووقتها وكيفية تحليلها لأن هذه القضية دخل فيها صراعات السلطة ولم يسمح فيها لأى أحد أن يتدخل وبالتالى المعلومات المتوافرة قد لا تكون كافية فى وقتها ويمكن إعادة قراءة القضية من جديد لمعرفة الحقائق والوصول إلى الحقيقة العلمية.
وبدون معرفة الحقائق، أعتقد أنهم لن يصلوا إلى حقيقة كيفية قتل عبدالحكيم عامر لأنها قضية من مصلحة بعض الأطراف أن تظل سراً مدفوناً لأنها لو فتحت لابد أن يعرف من فعل هذا ومن المسئول لأنها قضية مثل القضايا الكبرى التى مازالت غامضة مثل قضية وفاة الملك فاروق ووفاة نابليون بونابرت فالاثنان منذ وفاتهما والكثيرون يقولون إنهما توفيا مسمومين.. ولا أحد يعرف الحقيقة حتى الآن.