بعد عرض مقاطع من فيلم (براءة المسلمين) أدان المسلمون براءتهم بأنفسهم من حيث لا يشعرون بتصرفاتهم غير المحسوبة، والتى أعطت اهتماماً وفضولاً للعالم أن يسأل عن الفيلم الذى أثار المسلمين؟، فالعالم قد لا يعرف الكثير عن العقائد لكنه يتأثر بردود أفعالنا، وبالرغم من ردود أفعالنا فلن تنتهى الطعون الموجهة للإسلام من خلال أفلام أو كتب أو رسوم. فلماذا علينا بين فترة وأخرى أن نمر بمثل هذه الأحداث ؟ ومن هو صاحب المنفعة من إثارة الناس ؟ وما ذنب السفارات وموظفيها ؟ وهل قتل سفير أو حرق سفارة وممارسة كل هذا العنف يعتبر دفاعا عن النبى عليه الصلاة والسلام ؟، كما أن قيام البعض بحرق الإنجيل يعتبر أمرا مرفوضا وخروجا على مبادئ الإسلام وقيمه الأخلاقية.
وما يحدث لنا يحدث لغيرنا مع الفارق فى التعبير عن الغضب، فمنذ عدة أعوام صدرت رواية شفرة دافنشى والتى تحولت لفيلم سينمائى، والقصة تتحدث عن المسيح وتنزع عنه صفة الألوهية حتى أن الرواية والفيلم أحدثا هزة عالمية، لكن سلطة حرية التعبير كانت أقوى من سلطة المنع الدينى، رغم أن القصة تمس صلب الديانة وتشكك بصدق العقيدة الدينية المسيحية. إن فيلما لم تشاهده شعوب دول الربيع العربى أثار غضبهم، فى نفس الوقت لم تغضبهم مشاهد عشرات الآلاف من الشهداء فى سوريا، ولم يثر غضبهم استباحة بيوت الله وقصف مآذنها وحرق مصاحفها هناك.
ولم نسأل أنفسنا لماذا ينتقد الآخرون الإسلام؟ وهل السبب فى أن الإسلاميين يعتدون على الآخرين ويصفونهم بأبناء القردة والخنازير؟ وأيضا يطالبون المسيحيين بدفع الجزية استنادا إلى روايات وتفاسير خاطئة.
فإن قيل إن الإسلام شىء والمسلمين شىء آخر، فهذا يعنى أن الإسلام دين نظرى لا يرتبط بواقع المسلمين الذى يناقض قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس..) آل عمران 11، ولم نسأل أنفسنا من أين جاء الحاقدون باتهاماتهم للنبى عليه الصلاة والسلام بأنه شهوانى؟ وأنه يطوف على نسائه فى الليلة الواحدة ويشتهى الأجنبيات ويطلب منهن أن يهبن له أنفسهن؟ والحقيقة أننا إذا بحثنا فى الروايات فسوف نجد ما سبق من اتهامات ومنها رواية أنس: (كان النبى يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة). فقيل لأنس: (أو كان يطيقه؟ قال : كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين..)، فالرواية تعتبر أن اهتمام النبى كان فى الطواف على كل نسائه فى ساعة واحدة، وكان اهتمام أصحابه فى متابعته والتفاخر به.
مع أن الله تعالى يخاطب النبى عليه الصلاة والسلام فى المدينة : (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك..) المزمل 02، وفى سياق الآية أنه عليه الصلاة والسلام يقضى النهار فى الجهاد وتبليغ الدعوة وإقامة أركان الدولة، ويقضى ليله فى القيام للصلاة والعبادة ومعه أصحابه، فهل نصدق حديث القرآن أم نصدق تلك الروايات؟. فى حين أن الروايات تؤكد على عدم الصبر على الابتعاد عن النساء حتى فى المحيض، منها رواية منسوبة لأم المؤمنين السيدة عائشة: (كنت أغتسل أنا والنبى من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرنى فأتزر فيباشرنى وأنا حائض).
فهل كان عليه الصلاة والسلام يباشر نساءه فى المحيض؟ مع أن الله تعالى قال له : (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222، فالاعتزال مع التحذير (ولا تقربوهن) لأنه تعالى (يحب التوابين ويجب المتطهرين) والنبى عليه الصلاة والسلام إمام المتطهرين، فهل نصدق حديث القرآن أم نصدق تلك الروايات؟!.
كما تزعم الروايات الخلوة بالنساء الأجنبيات، ومنها رواية : (كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته وجعلت تفلى رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك فقالت: وما يضحكك يا رسول الله؟..)، فالنبى فى هذه الرواية المزعومة تعود الدخول على هذه المرأة فى غيبة زوجها إذ كان ينام بين يديها وتفلى له رأسه ثم بعد الأكل والنوم يستيقظ النبى وهو يضحك ويدور حديث طويل بينهما.
وفى رواية أخرى: (خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبى صلى الله عليه وسلم أجلسوا ها هنا ودخل وقد أتى بالجونية فأنزلت فى بيت فى نخل فى بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبى صلى الله عليه وسلم قال هبى نفسك لى قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد أكسها رازقيتين وألحقها بأهلها).
مع أن الله تعالى يقول له عليه الصلاة والسلام : (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن..) الأحزاب 25، فالخطاب واضح بأنه عليه الصلاة والسلام لا يمكنه الزواج بغير زوجاته ولا حتى إبدالهن بغيرهن، فهل نصدق حديث القرآن أم نصدق تلك الروايات؟.
فصياغة الرواية تسىء للنبى عليه الصلاة والسلام وهو الذى وصفه تعالى : (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم 4، فهل نصدق حديث القرآن أم نصدق تلك الروايات؟ وما فائدة التمسك بتلك الروايات المسيئة والتى يتخذها الحاقدون مبررا للطعن والتشكيك فى الإسلام ؟. وهل كان لدى النبى عليه الصلاة والسلام الوقت ليكون كما وصفته الروايات شخصا لا اهتمام له إلا بالجماع وصحبة النساء ؟، ولنتذكر كيف كان مسئولا عن إقامة دولة ونشر دعوة وتكوين مجتمع فى العشر سنوات الأخيرة من حياته.
وتأكيدا على مناقضة تلك الروايات للقرآن الكريم، قال تعالى : (يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) الأحزاب 82-92، فقد أرادت زوجاته التمتع بحقوقهن من حلال الدنيا وكانت النتيجة أن الله أمر بتخييرهن بين تحمل البقاء والصبر على الحياة الشاقة والتمتع فى الآخرة أو أن يتم تطليقهن، ولو كانت الروايات صحيحة فى وصفها له لاستجاب لمطالب زوجاته وتمتع معهن.
لقد كان الحياء من أخلاقه عليه الصلاة والسلام حتى أنه كان يتحرج من منع من كانوا يدخلون بيته بدون إذن، فجاء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم..)، (.. إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق..)، (.. وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) الأحزاب 35، ومع أن حرمة البيت المادى للنبى قد انتهت إلا أن حرمة البيت المعنوى للنبى بعدم الإساءة إليه وعدم إيذائه لا تزال قائمة.
فالذى لا يطيع هذه الأوامر والنواهى يكون ممن يؤذون النبى عليه الصلاة والسلام، فكيف يحافظ المؤمن على صلته بالنبى وهو يتمسك بالروايات التى تطعن فى حقه عليه الصلاة والسلام وفى حق زوجاته أمهات المؤمنين ؟.
فلماذا لا نتبرأ من الروايات المسيئة إلى النبى عليه الصلاة والسلام ؟ وهى تناقض القرآن الكريم وثوابت العقل والمنطق، فالروايات تعتبر صادقة بقدر ما فيها من الحق وبما يتفق مع القرآن الكريم.
ولماذا يتم توجيه الاتهام بالتآمر على هدم السنة الشريفة عند التعرض لنقد بعض الروايات التى تخالف كتاب الله تعالى وتطعن فى السيرة النبوية، وذلك بدلا من التوجيه لدراسة الروايات دراسة موضوعية؟، ومن المستفيد من إرهاب الباحثين عن حقيقة الروايات المسيئة، وذلك من خلال المسارعة باتهامهم بإنكار السنة والعمل على هدمها ؟.
وهل الذى بالقرآن الكريم وسنة النبى عليه الصلاة والسلام يقول بصحة الروايات المسيئة ويؤمن بها كإيمانه بكتاب الله تعالى؟، أم هو الذى يقول بعدم صحتها ؟.
وبالطبع فإن أى محاولة للإساءة إلى النبى عليه الصلاة والسلام مرفوضة، والدعوة إلى تقديم الاعتذار واجبة والمطالبة بفرض قوانين دولية تجرم الإساءة إلى المعتقدات والأديان لا يتعارض مع مبدأ حرية التعبير التى ينادى بها الغرب، مثال لذلك القوانين التى تصدر فى أوروبا حول تجريم مجرد التشكيك فى أعداد اليهود الذين تم حرقهم فى أفران الغاز على يد النازى فيما يسمى بالهولوكوست،والتى طالت عددا من المفكرين الغربيين.
إن القول بصحة الروايات المسيئة هو إساءة للإسلام وللسنة الشريفة وللسيرة النبوية فى حين أن القول بعدم صحة هذه الروايات هو انتصار للإسلام وللسنة الشريفة وللسيرة النبوية، مما يؤدى إلى زيادة وعى المسلمين بالمفاهيم الصحيحة وتمسكهم بمكارم الأخلاق ويمنعهم من الاعتداء على الآخرين، تطبيقا لقوله عليه الصلاة والسلام : (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم).