وزير الدفاع يشهد مناقشة البحث الرئيسى للأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية    الحبس عقوبة استخدام التخويف للتأثير على سلامة سير إجراءات الانتخاب    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 9 ديسمبر 2025    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر    تراجع سعر اليورو اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    تفاصيل اجتماع وزير العمل مع مسئولي البنك الدولي    أسعار البيض اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر    جيش الاحتلال يعلن قصف بنى تحتية تابعة لحزب الله في لبنان    دبلوماسي أسبق: استقرار السودان ينعكس مباشرة على أوضاع ليبيا ومصر    13 خرقا إسرائيليا جديدا فى اليوم ال 60 لهدنة غزة    مدير الصحة العالمية يدين الغارات على روضة أطفال ومستشفى كالوجى بجنوب كردفان    روسيا تعلن إسقاط 121 مسيرة أوكرانية    الزمالك دون الدوليين في مواجهة كهرباء الإسماعيلية بكأس عاصمة مصر    موعد مباراة العراق والجزائر في كأس العرب والقنوات الناقلة    مروان حمدي مهاجما.. تشكيل منتخب مصر المتوقع أمام الأردن    اللجنة المشرفة على الجمعية العمومية في الزمالك تعلن فتح التسجيل    استعدادات مكثفة للشتاء.. محافظ البحر الأحمر يوجّه بخطة لصيانة مصارف الأمطار    الكلاب الضالة في مصر.. ما أسباب تفاقم الأزمة وهل تستطيع خطة الدولة السيطرة عليها؟    اليابان ترفع تحذيرات تسونامي بعد زلزال قوي شمال شرق البلاد    هندوراس تطالب بتنفيذ أمر اعتقال الرئيس السابق هيرنانديز بعد عفو ترامب    متحف اللوفر بين الإصلاحات والإضرابات... أزمة غير مسبوقة تهدد أشهر متاحف العالم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    التعليم: عقد اختبار تجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي في مادة البرمجة عبر منصة كيريو    الحكم على 10 متهمين بخلية هيكل الإخوان الإداري بالتجمع اليوم    مواعيد القطارات المتّجهة من أسوان إلى الوجهين القبلي والبحري الثلاثاء 9 ديسمبر 2025    لقاءات دينية تعزّز الإيمان وتدعم الدعوة للسلام في الأراضي الفلسطينية    تعرف على سعر سلندرات الألومنيوم في السوق المحلي اليوم الثلاثاء    للعلماء وحدهم    وزير المالية الأسبق: لا خلاص لهذا البلد إلا بالتصنيع.. ولا يُعقل أن نستورد 50 ل 70% من مكونات صادراتنا    العطس المتكرر قد يخفي مشاكل صحية.. متى يجب مراجعة الطبيب؟    الخشيني: جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتستنكر قرارات سلوت    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    فلوريدا تصنف الإخوان وكير كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    أحمديات: مصر جميلة    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الغناء العشوائى!

آفة العشوائيات التى هاجمتنا فى بداية السبعينيات بشكل ملحوظ وأتت بها الريح المحملة بسموم عصر الانفتاح الذى عكس الأوضاع المجتمعية فيما أطلق عليه الهرم المقلوب لم تصب فقط الشوارع والبيوت، بل امتدت وتخطت حاجز الحجر إلى البشر لتصيبهم فى عقولهم وأذواقهم وسلوكياتهم التى انهارت جميعها تحت مظلة الفن الاستهلاكى وتحديداً الغناء الذى انتشر بشكل عشوائى وبلغة أكثر عشوائية وسوقية أصابت المجتمع فى مقتل لم ينج منها بعد أن زادت الأمور تعقيداً والأنظمة فساداً فحققت الثلاثون عاماً الماضية أعلى معدلات العشوائية الغنائية.


مؤشرات الغناء العشوائى كانت تصعد على استحياء بين الحين والآخر منذ بداية القرن العشرين وتحديداً فى عشرينيات القرن الماضى عندما أصابت أذن المستمع المصرى كلمات كانت غريبة عليه من نوعية «ارخى الستارة اللى فى ريحنا.. لحسن جيرانا تجرحنا» وهى أغنية بها تورية جنسية غنتها «منيرة المهدية» فى نفس الفترة ظهرت أيضاً أغنية «هات الإزازة واقعد لاعبنى.. دى المزة طازة والحال عاجبنى» ل«نعيمة المصرى»، وإذا كانت عشوائية أغنية «منيرة المهدية» فى المعنى، فإن عشوائية أغنية «نعيمة المصرى» فى المعنى واللفظ وقد تكون المرة الأولى التى تظهر فيها ألفاظ غنائية بهذه الفجاجة والتى صدمت جمهور المستمعين، وهى تقريباً نفس الصدمة التى صدمتهم بها أغنية «عبدالعزيز محمود».. «ياشبشب الهنا.. ياريتنى كنت أنا» فى مطلع الخمسينيات ضمن فيلم «منديل الحلو» مع «تحية كاريوكا»، إلا أن ما يشفع لهذه الأغنية فى فجاجة ألفاظها أنها جاءت لضرورة درامية ضمن سياق أحداث الفيلم. الأغنية انتشرت بشكل كبير فيما بعد كأغنية فردية ومع تكرار إذاعتها وصلت لأن تكون من أشهر أغانى «عبدالعزيز محمود» الأغانى العشوائية القليلة هذه لم تشكل أبداً ظاهرة حتى بداية السبعينيات ويبدو أن المجتمع كلما ازداد عشوائية ازدادت أيضاً عشوائية فنونه والتى تتماشى مع تراجع المجتمع، ففى السبعينيات زحفت علينا كلمات جديدة فى الأسلوب، سوقية فى اللفظ، غريبة فى المعنى، مثل نوعية «السح إدح إمبو» و«سلامتها أم حسن» إلا أن الصوت الذى يؤديها شهد له كبار الموسيقيين والمطربين من أمثال «محمد عبدالوهاب» و«عبدالحليم حافظ» و«فريد الأطرش» بحلاوته ولكن «أحمد عدوية» استغل هذه الحلاوة فى الغناء العشوائى وقد يكون له عذره فى ذلك بعد أن وجد من الصعوبة اختراق الوسط الغنائى فى وجود أسماء بحجم «أم كلثوم» و«عبدالحليم» و«وردة» و«شادية» و«فريد الأطرش» و«نجاة» و«صباح» وغيرهم فراح يبحث عن الشىء الغريب غير المألوف للفت الانتباه كما ساعده فى ذلك بداية عصر الانفتاح الذى قلب الأوضاع المجتمعية وحول المعقول إلى اللامعقول وأصبح أستاذ الجامعة فى قاع المجتمع والسباك والزبال من علية القوم وأصبحت لغة المال هى المتحكمة فى مجريات الأمور وعلى رأسها أذواق الناس، عشوائية غناء «عدوية» استقبلها الناس فى البداية بنفور وفتور ورقص، إلا أنهم مع سياسة الإلحاح من خلال تشغيل أغانيه فى الشوارع عبر أجهزة الكاسيت والاسطوانات وترديدها فى كل مكان اضطر للاستجابة لها كلون جديد عليهم، خاصة بعد أن أحدث ثورة فى سوق الكاسيت والاسطوانات وحقق رقماً قياسياً عالمياً فى عالم المبيعات لم يصل إليه من قبل إلا موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب» وهو رقم المليون نسخة مما جعل كبار المطربين يحاولون الاستفادة من جماهيريته بعد أن أثنوا على حلاوة صوته وتحديداً «عبدالحليم حافظ» الذى ذهب إليه فى الملهى الليلى الذى يغنى فيه - كنوع من الدعاية لنفسه - ليتبادل معه غناء أغانيه، فغنى له «السح الدح إمبو» فى الوقت الذى غنى له «عدوية» «خسارة».. «عدوية»، رغم وجود مطربين شعبيين كبيرين قبله بحجم «محمد عبدالمطلب» و«محمد رشدى» يعتبر هو المطرب الشعبى الذى يحصل على هذه الصفة خالصة ليحتل نفس المكانة من بعده وبنفس الدرجة التى بدأ بها «عدوية» مشواره إن لم يزد قليلاً «شعبان عبدالرحيم» وإلى هنا والغناء الشعبى يحافظ على ثوب الحياء- الذى يرتديه- إلى حد ما دون أن يدخل مرحلة الفجور ولا الفجاجة أو الوقاحة والكارثية التى وصل إليها الآن، وتحول من غناء شعبى إلى غناء عشوائى صريح بعيدا عن الشعبية وعن الغناء من أصله، والذى انهارت قواعده مع مجىء «سعد الصغير» وأعوانه مثل «ريكو»، فهذه النوعية من الأغانى يجب أن تقدم أصحابها إلى ساحات المحاكم ليس لكون معظمهم سوابق ومسجلين خطر، وإنما بتهمة خدش الحياء والذوق العام، هذه النوعية من الأغانى وأصحابها يسيئون إلى الغناء، لأنهم سواء رضينا أم أبينا أصبحوا محسوبين على المنظومة الغنائية فى المجتمع، بصرف النظر عن أشكالهم ونوعية أغانيهم، التى ابتعدت عن القيم والأخلاقيات والعادات والتقاليد وحتى الأعراف الغنائية التى تعودنا عليها من قبل فى أغانى «عبدالمطلب» مثل «ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين»، وأغانى «محمد رشدى» مثل «تحت الشجر يا وهيبة» و«كعب الغزال» و«عدوية»، أما أغانى هذه الأيام والتى طفحت علينا فى غفلة من الزمن فأصبحت تتغزل فى الحشيش والبانجو والبيرة والنسوان مثل «أنا شارب سيجارة بنى.. حاسس دماغى بتاكلنى.. قاعد فى الحارة باسقط والغسيل عمال بينقط والشارع اللى ورايا قدامى.. والكلام على طرف لسانى.. باجى أتكلم باتخبط.. يا عم ولع.. يا سيدى ولع» ل«محمود الحسينى»، ويبدو أن الشرب وقع عقدا مع «الحسينى» فبعد أن غنى لشرب الحشيش غنى لشرب البيرة «أنا شارب تلاتة ستلا.. أنا راجل قوى مش قلة»، الغريب أن هذه الأغانى لم يتفاعل معها أبناء المناطق العشوائية والذين تجدهم يتسابقون فى تقديمها فى أفراحهم عبر ال«دى جى» ولا مانع من التعاقد مع مطربيها إذا كان صاحب الفرح مقتدرا ماديًا أو تاجر خردة أو مخدرات وما شابه، بل الأغرب أن هناك من الصغار ومن الشباب سواء من الطبقات الراقية أو المتوسطة، أصبحوا يتفاعلون معها أيضا مما يشكل خطورة عليهم والخوف من تسميم عقولهم بعد أن راحت هذه النوعية تغزو المجتمع بشكل واضح وتتطاير مع الهواء الذى نتنفسه وتطاردنا فى وسائل الإعلام المرئية وتحديدًا الخاصة وبشكل ملح مما جعل لها تأثيرها السلبى المباشر علينا.. الخطورة الأكبر أن هذه الأغانى أصبحت تميمة للأعمال الدرامية سواء السينمائية أو التليفزيونية وهو ما يسمح لها بالدخول إلى كل بيت، فرأينا الكثير من الأفلام والمسلسلات تستعين بهذه النوعية للاستفادة من جماهيريتها للتأثير الإيجابى سواء فى الترويج أو الإيرادات خاصة السينمائية التى ترتبط بشباك التذاكر، والتى بدأها «سعد الصغير» واعتمدت عليها أفلامه اعتماداً كبيرًا، والأكثر من ذلك أنه زاد عليها حركاته الخليعة، وهى الصورة التى رأيناها فى «علىّ الطرب بالتلاتة» فى أغنيته «بحبك يا حمار» التى ضرب بها كل القواعد الغنائية والفنية والأخلاقية أغنية «هاتى أطة» فى «شارع الهرم»، ويقول فيها «أبوسها عشرة على عشرة.. هزيها يا بت كمان هزة، طريها ويا بخت الأرض اللى بتمشى عليها».. وفى فيلم «لا تراجع ولا استسلام» استعان «أحمد مكى» بأغنية «الدنيا زى المرجيحة يوم تحت وفوق»، الأغنية العشوائية تحديدا خلال العامين السابقين انتشرت انتشارًا واسعًا وشهدت الساحة ظهور أكثر من 50 مطربًا شعبيًا معظمهم سوابق ورد سجون ومسجلين خطر، هذه النماذج كانت سببًا فى نكبة الأغنية الشعبية، خاصة أنهم اعتمدوا على كلام رخيص يكتبه أرباع مؤلفين ليس لهم سعر فى سوق التأليف واللحن يجتهد فيه المغنى نفسه أو من يستعين به من نفس شاكلة المؤلفين والنتيجة أغنية ب 3 مليم ويقوم بتسجيلها فى استوديو لا يزيد فيه سعر ساعة التسجيل على 80 جنيها فلو احتاج 5 ساعات يكون إجمالى المبلغ المصروف 400 جنيه، خلاصة ذلك أن 1000 جنيه من الممكن أن تكون لدينا أغنية عشوائية جاهزة تطاردنا فى الشوارع والميكروباصات وتلوث أسماعنا وأخلاقنا.


اللافت أيضا أن أسماء غريبة بدأت تظهر مع ظهور عالم الأغنية العشوائية فوجدنا «هوبا» و«سمسم» و«شحتة» و«شيكو» و«أوكا» و«أورتيجا» فى أغنيات أكثر غرابة مثل «تحية للمنحرفين» و«هاتى بوسة يا بت.. هاتى حتة يا بت»، الغريب أن الأغنية العشوائية تخطت حدود المغنين العشوائيين سواء بأغانيهم الفردية أو أغانيهم التى يتم إقحامها فى الأفلام والمسلسلات إلى نجوم تمثيل لهم أسماؤهم اتجهوا إلى هذه النوعية من الغناء للتخديم على أعمالهم مثلما فعلت «يسرا» فى فيلم «جيم أوفر» فى أغنية «حقى برقبتى» وتقول فيها «يا ولية يا زنانة.. ودماغك تعبانة.. على نارك خليكى.. والغيرة تاكل فيكى.. آه يا بت يا مزة.. راح أهزك هزة».


مؤشرات الغناء العشوائى كانت تصعد على استحياء بين الحين والآخر منذ بداية القرن العشرين وتحديداً فى عشرينيات القرن الماضى عندما أصابت أذن المستمع المصرى كلمات كانت غريبة عليه من نوعية «ارخى الستارة اللى فى ريحنا.. لحسن جيرانا تجرحنا» وهى أغنية بها تورية جنسية غنتها «منيرة المهدية» فى نفس الفترة ظهرت أيضاً أغنية «هات الإزازة واقعد لاعبنى.. دى المزة طازة والحال عاجبنى» ل«نعيمة المصرى»، وإذا كانت عشوائية أغنية «منيرة المهدية» فى المعنى، فإن عشوائية أغنية «نعيمة المصرى» فى المعنى واللفظ وقد تكون المرة الأولى التى تظهر فيها ألفاظ غنائية بهذه الفجاجة والتى صدمت جمهور المستمعين، وهى تقريباً نفس الصدمة التى صدمتهم بها أغنية «عبدالعزيز محمود».. «ياشبشب الهنا.. ياريتنى كنت أنا» فى مطلع الخمسينيات ضمن فيلم «منديل الحلو» مع «تحية كاريوكا»، إلا أن ما يشفع لهذه الأغنية فى فجاجة ألفاظها أنها جاءت لضرورة درامية ضمن سياق أحداث الفيلم. الأغنية انتشرت بشكل كبير فيما بعد كأغنية فردية ومع تكرار إذاعتها وصلت لأن تكون من أشهر أغانى «عبدالعزيز محمود» الأغانى العشوائية القليلة هذه لم تشكل أبداً ظاهرة حتى بداية السبعينيات ويبدو أن المجتمع كلما ازداد عشوائية ازدادت أيضاً عشوائية فنونه والتى تتماشى مع تراجع المجتمع، ففى السبعينيات زحفت علينا كلمات جديدة فى الأسلوب، سوقية فى اللفظ، غريبة فى المعنى، مثل نوعية «السح إدح إمبو» و«سلامتها أم حسن» إلا أن الصوت الذى يؤديها شهد له كبار الموسيقيين والمطربين من أمثال «محمد عبدالوهاب» و«عبدالحليم حافظ» و«فريد الأطرش» بحلاوته ولكن «أحمد عدوية» استغل هذه الحلاوة فى الغناء العشوائى وقد يكون له عذره فى ذلك بعد أن وجد من الصعوبة اختراق الوسط الغنائى فى وجود أسماء بحجم «أم كلثوم» و«عبدالحليم» و«وردة» و«شادية» و«فريد الأطرش» و«نجاة» و«صباح» وغيرهم فراح يبحث عن الشىء الغريب غير المألوف للفت الانتباه كما ساعده فى ذلك بداية عصر الانفتاح الذى قلب الأوضاع المجتمعية وحول المعقول إلى اللامعقول وأصبح أستاذ الجامعة فى قاع المجتمع والسباك والزبال من علية القوم وأصبحت لغة المال هى المتحكمة فى مجريات الأمور وعلى رأسها أذواق الناس، عشوائية غناء «عدوية» استقبلها الناس فى البداية بنفور وفتور ورقص، إلا أنهم مع سياسة الإلحاح من خلال تشغيل أغانيه فى الشوارع عبر أجهزة الكاسيت والاسطوانات وترديدها فى كل مكان اضطر للاستجابة لها كلون جديد عليهم، خاصة بعد أن أحدث ثورة فى سوق الكاسيت والاسطوانات وحقق رقماً قياسياً عالمياً فى عالم المبيعات لم يصل إليه من قبل إلا موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب» وهو رقم المليون نسخة مما جعل كبار المطربين يحاولون الاستفادة من جماهيريته بعد أن أثنوا على حلاوة صوته وتحديداً «عبدالحليم حافظ» الذى ذهب إليه فى الملهى الليلى الذى يغنى فيه - كنوع من الدعاية لنفسه - ليتبادل معه غناء أغانيه، فغنى له «السح الدح إمبو» فى الوقت الذى غنى له «عدوية» «خسارة».. «عدوية»، رغم وجود مطربين شعبيين كبيرين قبله بحجم «محمد عبدالمطلب» و«محمد رشدى» يعتبر هو المطرب الشعبى الذى يحصل على هذه الصفة خالصة ليحتل نفس المكانة من بعده وبنفس الدرجة التى بدأ بها «عدوية» مشواره إن لم يزد قليلاً «شعبان عبدالرحيم» وإلى هنا والغناء الشعبى يحافظ على ثوب الحياء- الذى يرتديه- إلى حد ما دون أن يدخل مرحلة الفجور ولا الفجاجة أو الوقاحة والكارثية التى وصل إليها الآن، وتحول من غناء شعبى إلى غناء عشوائى صريح بعيدا عن الشعبية وعن الغناء من أصله، والذى انهارت قواعده مع مجىء «سعد الصغير» وأعوانه مثل «ريكو»، فهذه النوعية من الأغانى يجب أن تقدم أصحابها إلى ساحات المحاكم ليس لكون معظمهم سوابق ومسجلين خطر، وإنما بتهمة خدش الحياء والذوق العام، هذه النوعية من الأغانى وأصحابها يسيئون إلى الغناء، لأنهم سواء رضينا أم أبينا أصبحوا محسوبين على المنظومة الغنائية فى المجتمع، بصرف النظر عن أشكالهم ونوعية أغانيهم، التى ابتعدت عن القيم والأخلاقيات والعادات والتقاليد وحتى الأعراف الغنائية التى تعودنا عليها من قبل فى أغانى «عبدالمطلب» مثل «ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين»، وأغانى «محمد رشدى» مثل «تحت الشجر يا وهيبة» و«كعب الغزال» و«عدوية»، أما أغانى هذه الأيام والتى طفحت علينا فى غفلة من الزمن فأصبحت تتغزل فى الحشيش والبانجو والبيرة والنسوان مثل «أنا شارب سيجارة بنى.. حاسس دماغى بتاكلنى.. قاعد فى الحارة باسقط والغسيل عمال بينقط والشارع اللى ورايا قدامى.. والكلام على طرف لسانى.. باجى أتكلم باتخبط.. يا عم ولع.. يا سيدى ولع» ل«محمود الحسينى»، ويبدو أن الشرب وقع عقدا مع «الحسينى» فبعد أن غنى لشرب الحشيش غنى لشرب البيرة «أنا شارب تلاتة ستلا.. أنا راجل قوى مش قلة»، الغريب أن هذه الأغانى لم يتفاعل معها أبناء المناطق العشوائية والذين تجدهم يتسابقون فى تقديمها فى أفراحهم عبر ال«دى جى» ولا مانع من التعاقد مع مطربيها إذا كان صاحب الفرح مقتدرا ماديًا أو تاجر خردة أو مخدرات وما شابه، بل الأغرب أن هناك من الصغار ومن الشباب سواء من الطبقات الراقية أو المتوسطة، أصبحوا يتفاعلون معها أيضا مما يشكل خطورة عليهم والخوف من تسميم عقولهم بعد أن راحت هذه النوعية تغزو المجتمع بشكل واضح وتتطاير مع الهواء الذى نتنفسه وتطاردنا فى وسائل الإعلام المرئية وتحديدًا الخاصة وبشكل ملح مما جعل لها تأثيرها السلبى المباشر علينا.. الخطورة الأكبر أن هذه الأغانى أصبحت تميمة للأعمال الدرامية سواء السينمائية أو التليفزيونية وهو ما يسمح لها بالدخول إلى كل بيت، فرأينا الكثير من الأفلام والمسلسلات تستعين بهذه النوعية للاستفادة من جماهيريتها للتأثير الإيجابى سواء فى الترويج أو الإيرادات خاصة السينمائية التى ترتبط بشباك التذاكر، والتى بدأها «سعد الصغير» واعتمدت عليها أفلامه اعتماداً كبيرًا، والأكثر من ذلك أنه زاد عليها حركاته الخليعة، وهى الصورة التى رأيناها فى «علىّ الطرب بالتلاتة» فى أغنيته «بحبك يا حمار» التى ضرب بها كل القواعد الغنائية والفنية والأخلاقية أغنية «هاتى أطة» فى «شارع الهرم»، ويقول فيها «أبوسها عشرة على عشرة.. هزيها يا بت كمان هزة، طريها ويا بخت الأرض اللى بتمشى عليها».. وفى فيلم «لا تراجع ولا استسلام» استعان «أحمد مكى» بأغنية «الدنيا زى المرجيحة يوم تحت وفوق»، الأغنية العشوائية تحديدا خلال العامين السابقين انتشرت انتشارًا واسعًا وشهدت الساحة ظهور أكثر من 50 مطربًا شعبيًا معظمهم سوابق ورد سجون ومسجلين خطر، هذه النماذج كانت سببًا فى نكبة الأغنية الشعبية، خاصة أنهم اعتمدوا على كلام رخيص يكتبه أرباع مؤلفين ليس لهم سعر فى سوق التأليف واللحن يجتهد فيه المغنى نفسه أو من يستعين به من نفس شاكلة المؤلفين والنتيجة أغنية ب 3 مليم ويقوم بتسجيلها فى استوديو لا يزيد فيه سعر ساعة التسجيل على 80 جنيها فلو احتاج 5 ساعات يكون إجمالى المبلغ المصروف 400 جنيه، خلاصة ذلك أن 1000 جنيه من الممكن أن تكون لدينا أغنية عشوائية جاهزة تطاردنا فى الشوارع والميكروباصات وتلوث أسماعنا وأخلاقنا.


اللافت أيضا أن أسماء غريبة بدأت تظهر مع ظهور عالم الأغنية العشوائية فوجدنا «هوبا» و«سمسم» و«شحتة» و«شيكو» و«أوكا» و«أورتيجا» فى أغنيات أكثر غرابة مثل «تحية للمنحرفين» و«هاتى بوسة يا بت.. هاتى حتة يا بت»، الغريب أن الأغنية العشوائية تخطت حدود المغنين العشوائيين سواء بأغانيهم الفردية أو أغانيهم التى يتم إقحامها فى الأفلام والمسلسلات إلى نجوم تمثيل لهم أسماؤهم اتجهوا إلى هذه النوعية من الغناء للتخديم على أعمالهم مثلما فعلت «يسرا» فى فيلم «جيم أوفر» فى أغنية «حقى برقبتى» وتقول فيها «يا ولية يا زنانة.. ودماغك تعبانة.. على نارك خليكى.. والغيرة تاكل فيكى.. آه يا بت يا مزة.. راح أهزك هزة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.