قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إنه رغم كون رئيس مصر «د. محمد مرسى» من منتقدى الولاياتالمتحدة فى الوقت الحالى، فإنه قد يكون حليفا لها يوما ما، وأشارت إلى أن مرسى انتقد سياسة أمريكا فى الشرق الأوسط ووصف الإسرائيليين بالمغتصبين وشكك فى وصف منفذى هجمات 11 سبتمبر بالإرهابيين، وبالتالى قد يراه البعض كابوسا أمام المصالح الأمريكية فى المنطقة.
لكن رغم ذلك نقلت الصحيفة عن محللين أعربوا عن حالة من التفاؤل يشوبها الحذر فى إمكانية إقامة علاقة راسخة بين واشنطن ومرسى السياسى المخضرم فى جماعة الإخوان المسلمين - بحسب وصف الصحيفة.
وأوضح محللون أن هناك منفعة مشتركة لكلا الطرفين تتطلب حسن العلاقة دون التركيز على الاعتراضات الفكرية، فمرسى بحاجة لاستقرار الأوضاع فى مصر حتى يتعافى الاقتصاد مجددا، وهو أمر لن يكون مؤكدا دون تعاون مع الولاياتالمتحدة.
ورأى شادى حامد من مركز بروكينجز الدوحة أن مرسى سيحتاج إلى مليارات الدولارات فى صورة استثمارات من الولاياتالمتحدة وأوروبا من أجل تحقيق انتعاش طويل المدى للاقتصاد، ما يعنى أن الولاياتالمتحدة سيكون لها نفوذ على جماعة الإخوان.
ونقلت الصحيفة عن جهاد حداد المتحدث باسم حملة «د. محمد مرسى» قوله: «أتوقع أن نعمل رغبة فى إرساء علاقات راسخة استراتيجيا مع واشنطن، لأنها علاقة ستسد الهوة بين البلدين، لكن الصحيفة قالت إن هناك شكوكا حول مدى ثقة المسئولين الأمريكيين بمرسى باعتباره حليفا لها على المدى الطويل، مؤكدة أن المهم هو الصلاحيات التى سيحصل عليها بعد حجب المجلس العسكرى الحاكم بعضها ومدى استمرار ولائه لجماعة الإخوان وتأثير ذلك على قراراته».
ويأمل المسئولون الأمريكيون فى استغلال المعونة الأمريكية التى تقدمها لمصر والتى تبلغ مئات الملايين من الدولارات كوسيلة تعزيز النفوذ الأمريكى وبناء جسور ثقة بينهم وبين إدارة مرسى من خلال استشراف مصالح مشتركة بين الطرفين.
فى صحيفة «كويستيان ساينس مونتور» أعد دان ميرفى تقريرا نشرته تحت عنوان «مصر لديها رئيس جديد: فلتبدأ حملة التخويف». استهله بالإشارة إلى أن أول رئيس مصرى منتخب هو مرشح الإخوان د. محمد مرسى.
ويشير التقرير إلى أن الإخوان هم مؤسسو الحركات الإسلامية الحديثة، ويضيف التقرير أن لتلك الجماعة جذورا تضرب أوصالها إلى ما قبل 84 عاما، ورغم أنهم تخلوا عن العنف كوسيلة تظل الجماعة مثيرة للجدل، ويشير التقرير إلى أن كثيرا من المصريين يخشون من أن الإخوان سيسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بدلا من القانون، فشعار الجماعة الرئيسى هو «الإسلام هو الحل»، لكن التقرير يشير من جانب آخر إلى أن للجماعة تاريخا من «البراجماتية».
وبحسب التقرير.. فإن السياسة التى تتبناها مصر قد تغيرت مع قدوم د. مرسى إلى السلطة، خاصة أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس هى أحد فروع جماعة الإخوان التى سيطرت على مقاليد السلطة فى مصر، وأصبح لها جيش، ولكن من جانب آخر يشير التقرير إلى أن مصر حريصة على عدم القيام بأية تحركات استفزازية تقوض من اتفاق السلام المبرم بينها وبين إسرائيل.
وأعد كل من إريك شميت وهيلين كوبر تقريرا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «البيت الأبيض يتلقى نتائج انتخابات مصر بقبول حذر»، ذكر فيه أن إدارة الرئيس أوباما أعربت يوم الأحد الماضى عن شعورها بالراحة من أن مرشح الإخوان سيكون رئيس مصر المقبل، وشعرت بتفاؤل حذر من أن هذا الاختيار سيتمكن من إبقاء الانتقال الديمقراطى المتقلب فى مصر على المسار الصحيح.
ويشير التقرير إلى أن الإعلان عن نتائج الانتخابات بدد المخاوف التى ساورت الإدارة الأمريكية بشكل متزايد من أن تتلاعب لجنة الانتخابات الرئاسية بالنتائج وتعلن فوز القائد السابق فى سلاح الطيران المصرى، الفريق أحمد شفيق، حيث خشى المسئولون الأمريكيون من أن هذه الخطوة قد تثير موجة من الاحتجاجات العنيفة بين آلاف المصريين الذين تجمعوا فى ميدان التحرير للمطالبة بأن يتنازل الجيش عن السلطة كاملة لحكومة مدنية كما تعهد من قبل.
ومع زوال هذا الخطر على الأقل فى الوقت الراهن، دعا البيت الأبيض د. محمد مرسى إلى «تعزيز الوحدة الوطنية من خلال التواصل مع جميع الأطراف والجهات والتشاور معهم حول هيئة الحكومة الجديدة»، كما أعرب بيان البيت الأبيض الذى وجه أيضا إلى القادة العسكريين الحاكمين الذين قرروا حل البرلمان ذى الأغلبية الإسلامية، عن تطلعه إلى «إتمام عملية الانتقال إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا»، وينقل التقرير عن روبرت مالى مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن رسالة البيت الأبيض لكلا الجانبين هى توخى الحذر لكى لا يبوء الانتقال الديمقراطى بالفشل.
وقد وضعت الأزمة الجارية فى مصر الرئيس أوباما الذى هاتف كلا من الدكتور مرسى والفريق شفيق يوم الأحد فى موقف محرج، بين المدافع عن الخصم القديم للولايات المتحدة، والناقد لحليفها القديم مبارك، فمن خلال مناشدة الجيش المصرى بتسليم السلطة فى أقرب وقت إلى حكومة مدنية منتخبة، واصلت إدارة أوباما دفاعها عن الشارع العربى، وبالتالى عن جماعة الإخوان التى دعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتحالفت مع الجماعات المتشددة.. وفى الوقت نفسه كانت الإدارة الأمريكية توجه انتقادات للجيش المصرى الذى عمل من قبيل المفارقة طوال 30 عاما على حماية أحد أهم مصالح الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط: معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل.
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» افتتاحية تحت عنوان «مصر تخطو ببطء إلى الأمام»، استهلتها قائلة: إن مصر اتخذت خطوة أخرى بطيئة على مسار الديمقراطية وتجنبت فوضى عارمة كانت من الممكن أن تجتاح البلاد، فمن خلال الإعلان عن فوز د. محمد مرسى فى جولة إعادة انتخابات رئاسة الجمهورية، تفادى المجلس العسكرى الحاكم صراعا داخليا ضاريا وموجها من الانتقادات الدولية التى كان سيواجهها إذا حاول التلاعب بنتائج الانتخابات أو إبطالها.
ومع ذلك فقد أصبح لمصر رئيس منتخب بحرية للمرة الأولى فى تاريخها، وتشير الصحيفة إلى أن احتمال ما إذا كان هذا التطور سيصبح الأساس لبناء نظام ديمقراطى أو مقدمة لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار فى أكبر دولة من حيث عدد السكان فى العالم العربى يتوقف على قدرة كل من المؤسسة العسكرية والإسلاميين على التوصل إلى تسوية تستند إلى المبادئ الديمقراطية، ولكن للأسف لم يظهر أى من الجانبين حتى الآن رغبة كافية للقيام بذلك، فقد سعت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة إلى السيطرة على البرلمان الجديد والجمعية التأسيسية لصياغة الدستور والسعى للسيطرة على الرئاسة، على الرغم من تعهداتها السابقة بعدم فعل أى من ذلك.
وعلى الجانب الآخر فشل المجلس العسكرى فى إعادة الأمن فى أعقاب سقوط حسنى مبارك أو حماية الأقليات، كما أساء إدارة الشئون الاقتصادية للبلاد ومارس القمع ضد الليبراليين العلمانيين بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية الممولة من الولاياتالمتحدة.
ومع اقتراب جولة إعادة انتخابات رئاسة الجمهورية، أصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا مكملا لتجريد الرئيس من صلاحياته، فى حين أمر القضاة الذين عينهم مبارك بحل البرلمان المنتخب حديثا، وخشى كثير من المصريين أن يكمل المجلس العسكرى انقلابه المحتمل ضد الثورة من خلال منح منصب الرئاسة لرئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، على الرغم من وجود أدلة واضحة تؤكد فوز الدكتور مرسى فى الجولة التى جرت فى 16 و17 يونيو.
ويشير عدم تحقق هذه المخاوف إلى احتمال التوصل إلى اتفاق خلال المفاوضات السرية التى جرت بين كلا الجانبين، كما أسهمت إدارة أوباما فى ذلك بشكل إيجابى من خلال حث الجيش على احترام نتائج الانتخابات والإشارة إلى احتمال تعليق المساعدات الأمريكية.
وترى الصحيفة أنه يجب على الولاياتالمتحدة الآن الضغط على المجلس العسكرى لتسليم السلطة كاملة إلى حكومة الدكتور مرسى الجديدة فى الثلاثين من يونيو، كما تعهدت من قبل، بالإضافة إلى الامتناع عن تقليل فترة ولايته. وتختتم الصحيفة الافتتاحية قائلة: إنه لا تزال هناك فرصة لكى تكمل مصر انتقالها الديمقراطى، ولكنها ستحتاج إلى سلوك سياسى أكثر نضجا من جميع الأطراف، إلى جانب دعم قوى من الولاياتالمتحدة.