كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 04 - 12 - 2010 - هل يظهر حزب جديد باسم «الاستقلال» يضم المستقلين ويقود المعارضة في البرلمان؟ - الوفد يرتكب نفس خطأ سنة 90 ويُضَيع فرصة تاريخية للعودة من جديد - الانسحاب إنذار ببيات شتوي طويل ولذلك ترك الحزب الباب مواربًا - هل تحدثُ مفاجأة وينجح بعض الوفديين في الإعادة مثل لكح وشردي وبدراوي؟ - دوائر وفدية تؤكد بطلان الانسحاب وأحقية الناجحين في الاستمرار في الوفد - هل كان الوفد يتوقع أن يحصل علي النصيب الأكبر من «كعكة» المحظورة؟ - في انتخابات «قاض علي كل صندوق» لم يحصل الوفد إلا علي مقعدين «رغم النزاهة» - «الوطني» رسم خطة حصار المحظورة ديمقراطيا ولم يستهدف أبدا ضرب الوفد - قرار الانسحاب أشبه بمأزوم قرر الإضراب عن الطعام.. حتي الموت! يرتكب حزب الوفد اليوم نفس الخطأ التاريخي القاتل الذي وقع فيه سنة 1990، عندما قرر مقاطعة انتخابات مجلس الشعب، احتجاجا علي عدم توفير الضمانات الكافية لتحقيق نزاهة الانتخابات، ومنذ ذلك التاريخ لم يعرف الحزب طريقه إلي مجلس الشعب إلا بعدد قليل من الأعضاء يعد علي أصابع اليد الواحدة، وقبل المقاطعة كان يحرز 35 مقعدا في انتخابات 1987. كانت الآمال معقودة علي أن يتجاوز الحزب صدمة النتيجة في انتخابات الجولة الأولي، وأن يتعامل معها بصراحة وعقلانية، لكنه «عام علي عوم» المضارين الذين لم يحالفهم التوفيق، وأخذوا الحزب في نفس الطريق المسدود، بعد ثورة الغضب والتشنج والانفعال التي انتصرت للصوت العالي علي العقل الهادئ. -- أولاً: أضاع الوفد علي نفسه فرصة العودة القوية لزعامة المعارضة في البرلمان نجح للوفد نائبان وله في الإعادة ثمانية، وكانت المعارضة في البرلمان توشك أن يكون لها طعم ومذاق مختلف، عندما يقود لواءها حزب تاريخي له سوابق وتقاليد برلمانية عريقة، وكانت الدماء ستعاود التدفق من جديد في عروقه بعد سنوات جفاف طويلة فقد فيها بريقه البرلماني والجماهيري. أضاع الحزب علي نفسه فرصة عودة الظهور في ثوب جديد يصحح صورة المعارضة في مجلس الشعب خاصة أنها تجيء في أعقاب «برلمان المحظورة» التي أفسدت القواعد والتقاليد البرلمانية، بممارسات نواب الأحذية والشتائم والتجمهر والسباب، وكان حزب الوفد هو البديل الشرعي المهيأ لاقتناص هذا الدور. علينا أن نعترف أن الخسارة مزدوجة، لحزب الوفد وللبرلمان أيضا، وأن المصلحة كانت تقتضي أن يتجرد الحزب من «عقدة التزوير» وتوابعها، وأن يرتفع إلي روح المشاركة والاقتحام، خصوصا أن جهودا كبيرة قام بها مسئولون كبار، مع قيادات الوفد لإثنائه عن قرار المقاطعة، في مقابل توفير كل الشروط والضمانات التي يطلبها لتوفير نزاهة الانتخابات، إلا أنها باءت بالفشل في اللحظات الأخيرة. -- ثانياً: مازالت الآمال معقودة علي أن يراجع الوفد نفسه في الساعات المقبلة صحيح أن التصويت في المكتب التنفيذي جاء لصالح الانسحاب بأغلبية ساحقة، لكن كان هناك كثير من الأعضاء يطالبون بالاستمرار خصوصا أنصار المرشحين الذين لهم فرص حقيقية في الإعادة، وبذلوا جهودا كبيرة في دوائرهم وتحملوا نفقات باهظة، وكانوا قاب قوسين أو أدني من دخول البرلمان. قد تحدث مفاجأة، وينجح للوفد أربعة أو خمسة رغم الانسحاب، وتعود الفرصة من جديد للتفكير العقلاني الهادئ الذي يُغلب مصلحة الحزب والوطن، ويُعلي قيمة المشاركة بدلا من المقاطعة والانسحاب. ترك الحزب هذا الباب مواربا، وهو ذكاء سياسي للسيد البدوي، ويُبطل مفعول انشقاق جديد، لأن بريق البرلمان قد يغري عددا من أعضائه الفائزين للاستقالة والاتجاه إلي صفوف المستقلين، وأعلن ذلك حتي الآن ثلاثة أعضاء بالوفد. -- ثالثاً: الانسحاب صراع بين تيارين داخل الحزب التيار الأول: أراد أن يحفظ ماء وجهه أمام ناخبيه بعد الفشل في الجولة الأولي، واستخدم نفس الأساليب القديمة وهي تعليق الفشل علي شماعة التزوير رغم أنهم متأكدون من عدم حدوث تزوير، وأن الذين رسبوا هم ليسوا من أبناء الوفد الأصليين. التيار الثاني: هو «الحالمون بالبرلمان»،ولكنهم خافوا من الجهر برغبتهم، حتي لا تطاردهم اتهامات العمالة والارتماء تحت أقدام النظام، وغير ذلك من عبارات التخوين السياسي التي تستخدمها الأحزاب بإسراف ودون ضوابط. السيد البدوي كان مع الاستمرار وعدم المقاطعة، ولكن كان من الصعب عليه أن يقف في وجه تيار الغضب والانفعال، حتي لا يتكرر النزاع الدامي بين «جمعة - أباظة» الذي مازال ماثلا في الأذهان، ولو عاد من جديد فلن يخرج الوفد من هذا النفق المُظلم قبل سنوات طويلة. -- رابعاً: قرار الانسحاب باطل ومطعون عليه قيادات وفدية كثيرة تؤكد أن قرار الانسحاب كان يجب أن يصدر من الجمعية العمومية للوفد، وليس من المكتب التنفيذي، فالجمعية هي صاحبة قرار المشاركة، وبالتالي يجب أن تكون صاحبة قرار الانسحاب، وهي السلطة العليا في الحزب المخول لها اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة. يلقي مثل هذا التفسير استحسانا لدي المعتدلين داخل الحزب، وعلي رأسهم المجموعة التي تدخل الإعادة، حيث يكون من حقهم أن يحتفظوا بعضوية البرلمان وبعضوية الوفد في آن واحد، ولكن يكونون مضطرين إلي الاستقالة من الوفد وأن يصبحوا مستقلين. الثلاثي رامي لكح ومحمد مصطفي شردي وفؤاد بدراوي، وآخرون لهم فرصة في الفوز رغم قرار الانسحاب، وسوف يراجعون أنفسهم جيدا إذا فازوا في الإعادة، رغم أنهم أعلنوا التزامهم بقرار الحزب، لأنها فرصة لن تجيء إلا بعد خمس سنوات. -- خامساً: الوفد هو العمود الفقري للمعارضة انتعشت الحياة الحزبية كثيرا بعد عملية الإصلاح التي شهدها الوفد في الشهور الأخيرة، وفتحت شهية الأحزاب الأخري لإعادة تصحيح أوضاعها بانتخابات ديمقراطية، تحيي الآمال في النفوس المحبطة داخل أحزاب المعارضة نفسها، والتي لا تري أي أمل في التغيير، وبدأ الوفد يجني ثمار هذه الإصلاحات، رغم أنه لم يمر عليها سوي شهور قليلة. قام الوفد بتصحيح صورته أمام الرأي العام، والظهور في ثياب زعامة المعارضة، ورغم ضيق الوقت إلا أنه نجح في إعداد خطط سريعة يخوض بها الانتخابات، ولكنها لم تكن كافية لتعويض سنوات الحروب الداخلية التي شهدها الحزب وأدت إلي تفككه وانهياره، ورغم ذلك فقد كان الحزب علي وشك أن يحرز عددا من المقاعد لم يحققه منذ سنة 1995. إذا كان البرلمان هو قبلة الأحزاب، فقد حكم الوفد علي نفسه أن يظل في السنوات الخمس المقبلة بعيدا عن المسرح السياسي الحقيقي الذي يصدر القوانين ويدافع عن مصالح المواطنين ويتبني قضاياهم، ويمنح البرلمان أعضاءه حصانة وسلطة وبريقا، تجعلهم أكثر قدرة وفاعلية علي التواجد الحقيقي بين الناس. -- سادساً: صدمة الوفد غير مبررة هل كان الوفد - مثلاً - يتوقع نتيجة أكثر من التي حصل عليها وهي الأفضل في ال 5ا سنة الأخيرة، وهل كان يتوقع أن يحصل علي «كعكة المحظورة» وأن يحتل مكانها، وهل حدث فعلا تزوير في الانتخابات حرم الوفد من أصوات ومقاعد كان يستحقها؟ في انتخابات «قاض علي كل صندوق» سنة 2005 التي يطالب الوفد بعودة نظام الإشراف القضائي لم يحصل سوي علي مقعدين فقط، أما في انتخابات 2010 فقد كان متوقعا أن يحصل علي خمسة أضعاف هذا العدد، فأين هو التزوير الذي يشكو منه ودفعه إلي اتخاذ هذا القرار الانفعالي العشوائي؟ في انتخابات سنة 1995 لم يفز الوفد سوي علي ستة مقاعد من إجمالي 182 مرشحا، بما يعني أن النتيجة التي تحققت في الانتخابات الحالية هي الأفضل، رغم حروب الاستنزاف الطويلة التي استهلكت طاقات الحزب، وشقت صفوفه، وهزت صورته كثيرا أمام الرأي العام. -- سابعاً: الانسحاب انتحار سياسي الانتخابات معركة ديمقراطية، وفي المعارك لا ينسحب المنتصرون وإنما المنهزمون الذين فشلوا في تحقيق الأهداف التي حاربوا من أجلها، خصوصا إذا كانت الأسباب واهية ولا تسندها أدلة أو براهين قاطعة، ووقع حزب الوفد في شباك المحظورة. قرر الوفد أن يرقص مبكرا علي طبول التزييف التي تدقها المحظورة «قبل الهنا بسنة» لأنها أحست وتوقعت أن يكون الفشل هو نصيبها، بسبب خطة الحصار الديمقراطي التي يفرضها الحزب الوطني حولها، فأرادت أن تخفف عن نفسها الحصار بأسطوانة التزوير المشروخة. نسي الوفد أن المحظورة أرادت أن تبتلع الوفد عام 1984 وأن تهضمه وتحتل المواقع القيادية فيه، ولكن خبرة وحنكة وتجارب فؤاد سراج الدين جعلته «يتغدي» بهم قبل أن «يتعشوا» به، وأخرجهم من التحالف بعد أن نزع عنهم ثياب الحماية القانونية التي جعلتهم يخوضون الانتخابات تحت راية الوفد. هل يرقص الوفد علي دقات طبول المحظورة التي كانت تنطلق من فوق قاعدة ال 88 نائبا في البرلمان السابق، ولم تكن تتصور أبدا أنها ستفقد كل هذا في لحظة واحدة؟ ثامناً: الوطني خطط لضرب المحظورة وليس الوفد لا أكشف سرا إذا قلت إن مسئولين كبارا لم يتوقعوا أن تحرز المحظورة فشلا بهذا الشكل الذي تحقق، والذي أظهر حجمهم الحقيقي، حيث لم يحصلوا إلا علي أصوات مؤيديهم فقط، وحرمتهم الترشيحات الثنائية والمتعددة للحزب الوطني من الأصوات التي كانت «تُرمي» عليهم، ثم ذهبت إلي أصحابها الحقيقيين. انسحبت المحظورة لأنها فقدت كنز الأصوات الذي كانت تملأ بطنها به، وانكشفت أمام الجماهير، وأدركت أن الظروف التي حققت لها ال «88» مقعدا في انتخابات سنة 2005 غير الظروف التي تحقق فيها «الصفر» في الانتخابات الحالية، وتعلم جيدا أن إرادة الدولة ماضية نحو تصحيح الأوضاع وعدم السماح للفوضي بأن تقضي علي الحياة السياسية في مصر، فأرادت المحظورة أن تحمي نفسها من كل ذلك بقنبلة الانسحاب الدخانية. الوفد حالة مختلفة، وكان طريقه للعودة إلي الجماهير مفروشا بآمال كبيرة عن طريق المشاركة في الانتخابات ودخول أجواء المنافسة، وإكساب الحياة السياسية مزيدا من الزخم والحيوية، ولكنه أضاع علي نفسه وعلي الحياة السياسية هذه الفرصة الذهبية. -- تاسعاً: العودة إلي برلمان ما قبل 2005 البرلمان الجديد بلا محظورة، ويشكل فيه المستقلون أغلبية المعارضة، بينما تلعب الأحزاب علي الهامش بتمثيل ضعيف وتأثير أضعف، بعد أن حكمت علي نفسها بدخول فترة بيات شتوي طويلة، وسيصبح المستقلون هم قوة المعارضة الضاربة في البرلمان. سوف تظهر في صفوف المستقلين شخصيات ونجوم وأسماء بارزة تقود مسيرة المعارضة، بالأداء الفردي وليس الحزبي، وقد تستقر الأوضاع لظهور حزب جديد تحت اسم «الاستقلال» يضم المستقلين في مجلس الشعب وينظم معارضتهم تحت راية واحدة، تصلح ما أفسده الوفد بتسرعه وتعجله، وأن يكون هذا الحزب المنتظر هو الأمل في حياة حزبية بعيدة عن المتاجرة والمزايدة؟ ربما لا يتذكر أحد أن الوفد قد انسحب من انتخابات 1990 وبعد أيام قليلة لن يتذكر أحد - أيضا - أن الوفد قد انسحب من انتخابات 2010، لأن ذاكرة الأمة لا تهتم إلا بالمقاتلين أصحاب المواقف الصلبة والمشاركة الفعالة، أما المنسحبون فقد اختاروا لأنفسهم دخول دائرة النسيان. -- الملخص: انسحاب الوفد مثل مأزوم اتخذ قرارا بالإضراب عن الطعام.. حتي الموت! كرم جبر