انتظرنا نحن النقاد السينمائيين فى الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائى الدولى فى فبراير الماضى أن تنجح محاولات إدارة المهرجان لدى السلطات السويسرية، لكى يحضر رومان بولانسكى عرض فيلمه «الكاتب الشبح» فى مسابقة المهرجان، لكن السلطات السويسرية أصرت على أن يبقى تحت الإقامة الجبرية بناء على طلب أمريكا لصدور حكم ضده منذ ثلاثين عاما لاتهامه باغتصاب فتاة فى الثالثة عشرة من عمرها.. وحتى عندما فاز بجائزة الدب الفضى كأحسن مخرج لم يشفع له هذا بالحضور لتسلم جائزته. منذ عشر سنوات أو تزيد قليلا أخرج رومان بولانسكى فيلما عنوانه «القرصان» وكان فيلما تونسيا أوربيا مشترك الإنتاج، وفوجئت فى دورة مهرجانه السينمائى الدولى سنتها بأن السفينة التى بناها بولانسكى لتكون ديكورا واقعيا للفيلم ومشاهده تقف فى مرفأ «كان» فى مواجهة قصر المهرجان، وتصبح مزارا لكل الصحفيين، خاصة وقد دعا بولانسكى مصورى الصحافة والتليفزيون للقاء إعلامى معه ومع نجوم فيلمه على سطح السفينة.. كان رومان بولانسكى قد أصبح واحدا من مخرجى العالم المعروفين، وكان واعدا بالكثير من التفوق السينمائى منذ قدم أفلامه الأولى «طفل روزمارى»، والمدينة الصينية الذى قام ببطولته النجم الكبير «جاك نيكلسون».. وفى تلك الفترة تعرض بولانسكى لحادث مؤلم، عندما اغتالت جماعات «الهيبز» الشهيرة فى الولاياتالمتحدة زوجته الممثلة شارون تيت والتى كانت بطلة فيلمه «طفل روزمارى» الذى يصنف على أنه واحدا من أشهر أفلام الرعب فى العالم.. على أن اغتيال زوجته شارون تيت لم يقف كثيرا فى طريق تفوقه كمخرج، فقدم واحد من أفضل كلاسيكيات السينما، فيلمه «تيس».. بعدها أقام أوساط السينما العالمية، وأقعدها بفيلم «عازف البيانو» الذى رشح لجائزة أوسكار أحسن فيلم ولم يفز، وإن فاز بالأوسكار رومان بولانسكى نفسه كأفضل مخرج عام 2002، ولم يذهب إلى حفل الأوسكار لتسلم جائزته فقد كان مطاردا وممنوعا من دخول الولاياتالمتحدة للحكم عليه بالسجن إذا اتهم باغتصاب وإقامة علاقة غير شرعية مع فتاة فى سن الثالثة عشرة.. بل إن الولاياتالمتحدة قد طالبت دوليا باعتقاله، وقد حدث هذا فى سويسرا بالفعل فى سبتمبر عام 2009 فى مدينة زيورخ السويسرية، وأصبح رهن الاعتقال. لقطات من الكاتب الشبح تجمع بين بيرس بروسنان وايوان ماكجويجر وكيم كاترال * «الكاتب الشبح» صور فى برلين فى دورة مهرجان برلين السينمائى الدولى فى فبراير 2010، كان آخر أفلام رومان بولانسكى «الكاتب الشبح» بين الأفلام المتسابقة على جوائز المهرجان، وتابعت مع مجموعة من نقاد السينما العالميين المحاولات المبذولة من إدارة المهرجان لدى السلطات السويسرية بأن تسمح لرومان بولانسكى بحضور عرض الفيلم فى المهرجان، لكن المحاولات فشلت. - رغم أن بولانسكى قد صور الفيلم كله فى العاصمة الألمانية واستعاض فى مشاهده بتحويل أحد شوارع برلين المعروفة، شارع «شارلتين ستراشا» إلى شارع رئيسى فى لندن بوضع لافتات إرشادية بالإنجليزية، واستخدام أوتوبيسات لندن ذات الطابقين، واستبدال جزيرتى سليت ويوزدوم بجزيرة مارثازفنيارد الأمريكية لاستكمال مشاهد الفيلم، ولم يشفع تصوير الفيلم فى العاصمة الألمانية برلين لرومان بولانسكى ليحضر عرضه فى المهرجان وبقى فى سويسرا حبيسا للإقامة الجبرية آدم لانج مع زوجته يراجع مذكراته * جائزة الدب الفضى لبولانسكى - عندما أعلنت جوائز مهرجان برلين السينمائى الدولى الأخير فى فبراير 2010 كانت هناك مفاجأتان.. أولاهما فوز بولانسكى بجائزة الدب الفضى كأحسن مخرج عن فيلمه الأخير «الكاتب الشبح»، والثانية فوز الفيلم التركى «جامع العسل»، وأعاد إلى ذاكرتنا ما كان يحدث لأفلام المخرج التركى الشهير يلماظ جوينى، الذى كانت أفلامه قد فازت ببعض جوائز مهرجان برلين، وهو رهين السجن فى بلده.. كان له نشاط يسارى معروف، وكان يدير عملية إخراج وإنهاء أفلامه، وهو رهين السجن، يشرف على أن يقوم فريقه الفنى بتصوير الفيلم، ويتم مونتاجه داخل سجنه بعد أن سمح له السجن بدخول معدات الإنتاج لإنهائه وإرساله للتنافس على الجوائز فى برلين أو غيره من مهرجانات السينما العالمية. كاتب المذكرات الذي لا يعرفه القراء مع أسرة آدم * «آدم لانج» هو «تونى بلير»! فيلم «الكاتب الشبح»، المعروض الآن فى القاهرة، مأخوذ عن رواية الكاتب روبرت هاريس، الذى لم يخف أن بطل روايته آدم لانج هو رمز لرئيس وزراء بريطانيا السابق تونى بلير الذى اعتزل منصبه السياسى فى بلده بعد أن ارتبط اسمه بالرئيس الأمريكى جورج بوش، وانقياده التام له فى الحرب على العراق، دون شرعية عالمية لهذه الحرب أو صدق الادعاءات بوجود أسلحة الدمار الشامل فى العراق التى برر بها بوش وبلير غزو العراق.. وقد أكدت محطة «بى. بى. سى» البريطانية التطابق بين الشخصيتين بعد صدور رواية هاريس قائلة «آدم لانج مستوحاة بالتأكيد من شخصية تونى بلير». يروى فيلم «الكاتب الشبح» عن استقالة آدم لانج رئيس الوزراء فى إحدى الدول، وانتقاله للحياة مع زوجته فى الولاياتالمتحدة للإقامة الدائمة، ويعلن آدم لانج عن عزمه فى كتابة مذكراته فتسعى إليه إحدى دور النشر للتعاقد على نشر هذه المذكرات، وتدفع له عشرة ملايين دولار مقدما.. وكعادة دور النشر الكبرى فى أمريكا، لجأ الناشر إلى اختيار كاتب غير معلن عنه لكتابة مذكرات لانج، ولا يوافق لانج على هذا «الكاتب الشبح» مرة بعد مرة، حتى يستقر فى النهاية على كاتب يمكن أن يأتمنه على الأسرار والقضايا التى يثيرها فى مذكراته، التى يتردد فيها اتهامه بمخالفة القانون الدولى وارتباطه بجرائم حرب، وتكشف تعرض حياته للخطر.. وهذا كله يتطابق وما حدث لرئيس وزراء بريطانيا السابق تونى بلير حين انسحب من الحياة السياسية فى بلده. وقد اختار رومان بولانسكى لدور آدم لانج الممثل البريطانى الشهير بيرس بروسنان، الذى اشتهر بأدوار جيمس بوند فى أفلام «الغد لا يموت»، و«مت فى يوم آخر»، ومثل - صوتا فقط - شخصية الأسد أصلان فى سلسلة أفلام «نارنيا» وكان بطلا لمجموعة أفلام قدمتها هوليوود وقدمتها السينما البريطانية. واختار للشخصية الرئيسية فى الفيلم كاتب السيرة الذاتية أو «الكاتب الشبح» الذي يحمله الفيلم الممثل «إيوان ماكويجر» الذى تابعه الجمهور من خلال ثلاثية «حرب الكواكب» وأفلام «سقوط البلاك هوك»، و«السمكة الكبيرة».. هذا إلى جانب الممثل جون بيرنسال والممثلة كيم كاترال. ولم يبق عندى إلا أن أشير إلى أن رومان بولانسكى قد رشح ثلاث مرات لجائزة أوسكار أحسن مخرج عن أفلامه «طفل روزمارى» و«المدينة الصينية»، و«تيس» وفاز بالأوسكار فى المرة الرابعة عن فيلمه «عازف البيانو» عام 2002، وهو مولود لعائلة يهودية بولندية فى 18 أغسطس 1933. وعند احتلال النازى بولندا، اعتقلت أمه فى معسكر أوسشفايتس وماتت فيه بينما استطاع والده الهرب بصعوبة بعد أن سلمه إلى عائلة من الفلاحين البولنديين، وكان عليه أن ينام فى حظيرة الأبقار خوفا من اعتقال النازيين له، وعمل بولانسكى كممثل فى بداية الخمسينيات ثم تحول إلى مخرج لكى يكتب تاريخا حافلا على الساحة السينمائية العالمية.