الفرصة الأخيرة    محافظ الغربية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي الجديد    «القومي للإعاقة» و«شباب القادة» يبحثان إطلاق برنامج قومي للتدريب على البرمجة    «حافظ على نفسك»    هل يوم الخميس عطلة رسمية بمناسبة السنة الميلادية؟    وزير التعليم العالي: إنشاء قاعدة بيانات متكاملة للعلماء المصريين بالخارج    وزارة الزراعة تطلق حملة قومية لمكافحة "الزمير" لحماية إنتاجية القمح    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء    شعبة المواد الغذائية: البندق يتصدر أسعار ياميش رمضان متجاوزًا الكاجو والفستق    عام الأمل والأمانى    معرض مجانى لتوزيع الأثاث المنزلى والأجهزة الكهربائية بقرى مركز الحسينية    الاستثمارات الخاصة في العام المالي 2024/2025 تسجل أعلى مستوى في 5 سنوات    «التموين»: معارض أهلًا رمضان 2026 بتخفيضات تصل إلى 30%    نموذج للتعاون الاقتصادى    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاحتلال يقتحم قرية المغير وبلدة الرام ويطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطى    4 مصابين جراء اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة جبع شمال الضفة    الزمالك يقبل اعتذار أحمد عبد الرؤوف ويكلف دونجا بقيادة الأبيض    أمم إفريقيا - كاف يقرر تغريم قائد بوركينا فاسو بسبب تصريحاته ضد الحكام    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    بتروجت يواجه البنك الأهلي في صدام قوي بكأس عاصمة مصر    تفاصيل فشل انتقال حامد حمدان لصفوف النادي الأهلى    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    قتل بلا شفقة.. النيابة تروى لحظات النهاية المروعة لأطفال فيصل    «الأرصاد» تناشد بارتداء الملابس الشتوية في احتفالات رأس السنة    «التعليم»: افتتاح 10 مدارس يابانية جديدة العام الدراسي المقبل    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب أتوبيس بمحور الأوتوستراد    الداخلية تضبط عصابات سرقة السيارات والمواقع تحت الإنشاء بالقاهرة    محافظ المنوفية يشدد برفع درجة الاستعدادات بكافة القطاعات والمرافق الحيوية    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة 2026.. عام الفنانين المعاصرين    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    خالد الصاوي: 2025 سنة التحول في حياتي    أم كلثوم.. محطات الرحلة بين سيرة الحب وسيرة الست    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    القاصد: مستشفيات جامعة المنوفية تقدم خدماتها ل2.48 مليون مستفيد    صحة بني سويف ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال الاحتفالات رأس السنة وعيد الميلاد    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    الليلة... نجوم الطرب في الوطن العربي يشعلون حفلات رأس السنة    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للجزائر وغينيا الاستوائية في لقاء اليوم    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    «ماء الموز» موضة غذائية جديدة بين الترطيب الحقيقي والتسويق الذكي    الإمارات تستجيب لطلب السعودية وتنهي وجودها العسكري باليمن    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    اليوم.. نظر ثاني جلسات محاكمة المتهم بقتل أسرة اللبيني    تجديد حبس عاطلين قتلا مالك كافيه رفض معاكستهما لفتاة في عين شمس    دميترييف يسخر من تمويل أوروبا المتحضرة للمنظمات غير الحكومية لغسل أدمغة الناس    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد بهاء الدين وأيام الشباب
نشر في صباح الخير يوم 21 - 12 - 2010

نزلة برد سخيفة ورذيلة داهمتني فمنعتني من تلبية دعوة كريمة لحضور حفل افتتاح «مركز أحمد بهاء الدين الثقافي» في قريته «الدوير» بأسيوط يوم الخميس الماضي.
الحفل أقيم برعاية وعناية جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين التي تأسست سنة 1996 وتهدف إلي حفظ تراث هذا الكاتب والمفكر الذي يندر أن يتكرر.
لقد أسعدني الحظ وشاءت الظروف أن أعرف الأستاذ «بهاء» وأن أحاوره وأن أنشر خلاصة حواراتي معه علي صفحات «صباح الخير» بتشجيع وحفاوة وتقدير من الأستاذ الكبير والأخ والصديق الرائع «لويس جريس» رئيس تحرير مجلة صباح الخير وقتها، وصاحب الفضل الصحفي والإنساني النادر علي كل أبناء جيلي.
وأعود إلي «أحمد بهاء الدين» والذي مهما طال الكلام عنه فهو قليل، وأتأمل حياة ومشوار شاب مصري في مقتبل العمر وماذا كانت أحلامه وطموحاته.
في مقال عنوانه «معني القانون» نشره أحمد بهاء الدين علي صفحات مجلة «العربي» الشهيرة والتي كان يرأس تحريرها منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي كتب يقول:
كل إنسان يتفتح وعيه لأول مرة علي شيء مختلف، هكذا الحياة لو كانت زهورها بلون واحد، وأشجارها بطول واحد لفقدت جمالها بل لصارت جحيماً، ونفس الحال في البشر، لو كانوا علي شاكلة واحدة ونمط واحد لفقدت الحياة مذاقها بل وربما مغزاها والإخوة في البيت الواحد كثيراً ما يتباينون رغم كل عوامل الوراثة الواحدة والتربية الواحدة!!
بالنسبة لي.. لا أذكر مهما حاولت التذكر أن أمراً استبد بي منذ البداية أكثر من تلك القضية: الحق والواجب، الظلم والعدل وبالتالي الأداة في كل هذا وهي «القانون» وكانت ترجمتها في سن المراهقة هي الشغف الهائل بحضور القضايا الكبري والاستماع إلي المرافعات الرنانة، وكنت إذا قرأت عن محاكمة سياسية كبري حدثت منذ عشرات السنين ذهبت إلي دار الكتب، وطلبت مجلدات صحف تلك الفترة لآخر القضايا والمرافعات ومناقشات المحكمة كاملة بالتفصيل.
وكان كل تاريخ مصر الوطني في الفترة السابقة في يد المحامين وكانت المحاكم إحدي أهم ساحات الكفاح، وكنت أري نفسي وأنا صبي في شتي الأدوار داخل تلك الحلبة الرائعة: قاعة المحكمة، أحياناً ذلك القاضي الجالس علي عرشه، أو ذلك المحامي بصوته المدوي، وأحياناً المتهم الواقف في قفص الاتهام في ثبات بوصفه بطلاً وسبب تلك الدراما كلها.
واستقر رأيي علي أن أكون قاضيا، فهذه الهيبة والرهبة، وهذه الدقة والمتابعة واليقظة ثم أخطر وأصعب شيء: حين يخلو إلي نفسه وقد سمع أقوي الحجج من الجانبين، وعشرات الشهود المتناقضين وكيف يمسك من وسط هذا كله بخيط الحقيقة وتصدر من فمه كلمة حاسمة ونهائية.
علي إنني حين دخلت كلية الحقوق فعلاً دخلت في الواقع الجامعة بأكملها وتفتحت أمامي مع سنوات الشباب كل فروع المعرفة وكنت أحضر محاضرات كلية الحقوق وكلية الآداب وأحياناً غيرهما، وتلك ميزة الجامعة، إنها تعطيك كل المفاتيح، هذا ما يفرقها عن المدرسة، وحين يقرأ المرء الأدب والفلسفة ومذاهب الفكر المتلاطمة يجد أن العثور علي الحقيقة ليس سهلاً بل إنه يكاد يكون مستحيلا! هذه مجالات تعلمك أن لكل رأي ألف وجه، وأن كل موقف له ألف تفسير، وأن المذنب قانونياً قد يكون هو البرئ فكرياً أو اجتماعياً أو حتي فلسفياً، ووجدت أن مهنة القضاء صارت لا تناسبني، إنها مهنة مستحيلة، أي عذاب وأرق وألم يكابد المرء حتي يقول: هذه هي الحقيقة!
مستحيل إنها ضد طبيعتي، عمل كل الموازنات وحساب كل الاعتبارات سوف يفضي بي إلي الشلل. واتجه ذهني إلي ذلك المترافع البليغ، إنه يأخذ جانباً واحداً ويحاول إثباته، وهذا أمتع وأسهل وأفخم، حتي لو كان يدافع عن قاتل فقد قرأت أيامها - فيما قرأت من كتب المحامين الكبار كلمة لمحام إنجليزي كبير يقول: حين يقف المتهم في القفص مجرداً من كل سلاح، محروماً من أي صديق والعالم كله يشير إليه بأصبع الاتهام هنا لابد أن يقف إلي جانبه شخص، هذا الشخص هو «المحامي» وفي هذا الموقف يكمن دوره المقدس!!
ولكني حين تخرجت في كلية الحقوق وفي الجامعة كلها لأنني مرة أخري كنت أشعر أنني طالب بالجامعة كلما أستمع إلي عبد المنعم بدر يدرس القانون كما أستمع إلي «يوسف مراد» يدرس الفلسفة أكتشفت أن مهنة المحاماة هي آخر ما يناسبني، علي الأقل ذلك النوع من المحاماة، فليس من طبيعتي الانطوائية أن أواجه الجمهور وأتحدث كأنني علي خشبة مسرح!! ثم إنني كنت أقل من السن القانونية لممارسة المحاماة!! ثم إن الكلمة المكتوبة صارت أوسع انتشاراً من أعظم كلمة تقال في قاعات المحاكم!!
وكان حظي من ممارسة القانون أصعب جوانبه بالنسبة لي: وكيل نيابة مهمتي أن أضيق الخناق علي المتهم وأن أثبت جريمته بدلا من أن أثبت براءته، ومرة أخري جريمة بالمعني القانوني التي قد يكون في نفسي ألف سبب ضد اعتبارها جريمة!!
كان هذا بعض ما يشغل شاب مصري اسمه «أحمد بهاء الدين» في تلك الأيام، ولم يكن ذلك فقط هو ما يشغله!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.