هل نحن على أعتاب صراع أجيال بسبب الإنترنت والفضائيات؟ إنه السؤال الذى أرجأت الإجابة عنه منذ الأسبوع الماضى.. والآن أقول: إن الأطفال هم بالفعل مرآة أى مجتمع، ففيهم يستطيع المجتمع، أى مجتمع، أن يرى كيف يمكن أن تكون عليه صورته مستقبلاً، ولا شك أن التليفزيون قد أصبح اليوم أداة مهمة ذات تأثير بالغ فى التنشئة الاجتماعية للطفل.. فالصور الحية كاملة الألوان والقريبة جداً من الواقع التى تصورها شاشة التليفزيون هى قطعاً أشد تأثيراً بكثير من كلمات القصص التى كنا نستمع إليها ونحن صغار.. ولكن ماذا يتعلم صغارنا من التليفزيون الذى يكتظ بقنوات فضائية توالدت كالأرانب بعد الطفرة الحالية فى صناعة الاتصالات وتكنولوجيا الأقمار الصناعية سوى كل ما ينتمى لثقافة الآخر؟! إن نظرة عابرة على محتوى هذه المحطات - التى بدأت محطاتنا الوطنية تنافسها فى شكل العروض ومضامينها - تجدها تفرض على صغارنا ظروفاً تدعم اتجاهاً معيناً من السلوك يقترب بهم من عالم الكبار وينفى عنهم تلك السذاجة التى تؤجل اصطدامهم بالعالم المتناقض إلى حين يكونون مؤهلين لذلك، أما أثر ذلك فخطير للغاية. يولد الطفل عضواً فى الجنس البشرى بخصائص وراثية تكشف عن ملامح خاصة كثيرة، ويبدأ فى الحال فى الحصول على ذخيرة من السلوك فى ظروف الدعم التى يتعرض لها باعتباره فرداً.. ومعظم هذه الظروف والطوارئ يرتبها أناس آخرون، وهذه الظروف هى ما يقال لها «ثقافة».. وعلى ذلك فإن تغير طريقة أولادنا فى التفكير وميلهم للتخلى طوعاً عن تلك الحماية المجانية التى توفرها لهم البراءة أو السذاجة من مخاطر عالم الكبار المشحون بالخبرات، هى أهم دليل على تحولات الثقافة حول أطفالنا، ووجود ثقافة جديدة تختلف عن تلك التى نشأنا فيها ونحن فى مثل أعمارهم وظروفهم، ثقافة تغذيها التطورات التكنولوجية فى البث التلفزيونى وفى إنتاج البرامج التى تعلم أطفالنا كيف يتفاعل الكبار بالخير والشر.. بالحنان والقسوة.. بالحب والكره.. بالتسامح أو العنف، ومع الإفراط فى تعرض صغارنا لألعاب الفيديو وأفلام الرسوم المتحركة الغربية المنشأ والتى تكرس فى غالبيتها قيم ثقافتهم هم.. تتوغل مفاهيمهم فى عقول الصغار، ويتجهون للتقليد أولاً.. ثم التوجه إلينا باللوم على أننا لسنا مثل نماذج الكبار فى العالم الذى تشكل عندهم! الأمر نفسه سنجده فى عالم المراهقين - الكائنات التى تدور أعمارها فى خانة العشر الثانية من العمر - وهنا نقول: كيف يمكن لنا أن نتصور عالماً تختفى منه سذاجة الصغار وطيش المراهقين؟.. كيف يمكننا العيش فى عالم يكبر فيه أطفالنا بسرعة بسبب ما تحويه تكنولوجيا البث التليفزيونى من حقائق تعجل بنموهم الذهنى وتبعدهم عن الخيال الساذج الذى يمتعنا أن نحياه معهم؟ إنه الأمر الذى يشركنا جميعاً شرقاً وغرباً فى المسئولية عن تداعيات القبول السريع للتكنولوجيا بدون حساب تداعيات الآثار الجانبية، التى نتصور أيضاً أن أبرز ما سيكون منها تلك الأعراض التى تبدأ بإدمان التكنولوجيا وتنتهى بصراع الأجيال.. ويعكف الغرب حالياً على دراسات موسعة حول أثر إدمان الإنترنت على الصغار والمراهقين على تكيفهم الاجتماعى وتقبلهم للقيم الاجتماعية السائدة فى مجتمعاتهم، ولكنهم لايتوقعون صراعاً حاداً بين أجيالهم لافتقادهم لأهم محفزات هذا الصراع.. وهو التعصب! لكن من جانبنا نحن، نرى أن احتمالات الصراع بين الأجيال فى مجتمعاتنا بسبب الإنترنت واردة، فالسيناريو المتوقع للصدام لن يكون معناه نشوب حرب أهلية بين الناس وأبنائهم، ولكنه سيتمثل فى تحول سيكولوجى تدريجى فى سلوك الصغار من مدمنى التلفزيون وألعاب التكنولوجيا الرقمية والإنترنت يعجزون من خلاله عن تغيير الاتجاهات عندما تكون المضامين القيمية لديهم مغايرة تماماً لقيم مجتمعاتنا العربية الأصيلة، وعندها سيختارون العزلة بالتمادى فى الإغراق فى التكنولوجيا.. وستكون الهوة الفكرية والقيمية - ومن ثم الاجتماعية - بينهم وبين آبائهم كبيرة للدرجة التى تباعد بين أجيالنا فى غضون 50 عاماً من اليوم إذا ما استمر المحتوى التكنولوجى غريباً عن قيمنا العربية التى تعمق مفاهيم الميراث الحضارى الذى يشكل وجداننا جيلاً بعد جيل. ها قد بلغت، اللهم فاشهد..