أنا من جيل يتعامل مع أهل بلده على أنهم مصريون ولا يسأل أبدا عن ديانة المواطن قبل وأثناء وبعد التعامل معه. جيل يؤمن أننا مواطنون لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات وأن التاريخ والطبيعة مزجا بيننا فى الصفات التشريحية والملامح الشكلية، بحيث إننى أتحدى أن يعرف أحدا أن من يتعامل معه مسلم أم مسيحى من الشكل، ولكنه سيعرف حتما من حديثه بسبب إقحام كلمات معينة لكل طرف. وفوق كل ذلك أفضل أن أتعامل وأتخالط وأتشارك مع من يحمل صفات أخلاقية إنسانية مثل الصدق والأمانة والإتقان والإخلاص فى العمل بغض النظر عن ديانته، لذلك لن يتهمنى أحد بالتحيز خاصة أن كتاباتى عن بعض الأحداث الطائفية كانت تقف دائما فى صالح الجانب المسيحى ضد التشدد والتزمت أو حتى التشكك. لذلك ليسمح لى المسيحيون هذه المرة أن أختلف معهم فيما حدث من مظاهرات وأحداث عنف فى العمرانية بمحافظة الجيزة بسبب إيقاف البناء فى مبنى خدمات تابع للكنيسة وليس تعطيل بناء كنيسة كما يدعى البعض. من حق المسيحيين أن يطالبوا ببناء كنيسة فى أى مكان فى أرجاء الوطن مصر بنفس اليسر والسهولة التى يبنى بها المسلمون مسجدا. ولكن من واجبهم أيضا أن يتلزموا بالقرارات المنظمة للبناء حتى تصدر قانون «البناء الموحد لدور العبادة». لذلك من المؤسف أن يتورط رجال دين بالإدلاء بتصريحات كاذبة عن أن المبنى لكنيسة وأن لا أحد تحدث معهم وأنه لم يتم لاتفاق مع رجال محافظة الجيزة على تأجيل الأمر كله، ومن المخجل أن يتعامل الشباب مع الحكاية وكأنها معركة دينية يحملون فيها الصليب ويهتفون «بالروح والدم نفديك يا صليب» وأن تصرح إحدى الفتيات فى التليفزيون «فين أمريكا تحمينا» وأن يصر الشباب على البناء بأيديهم للقبة فوق المبنى وكأنهم فى حرب مقدسة يلقون فيها قوات الأمن التى تمنعهم من البناء بالطوب والحجارة. بالطبع أنا لا أعفى قوات الأمن من التعامل العنيف مع المتظاهرين رغم أنها كانت تدافع عن نفسها، ولكن قوات الأمن تعاملت مع الموضوع على أنه أحداث عنف وهو نفس التعامل مع أى مظاهرة يقوم بها مسلمون، لذلك فليس فى الأمر شبهة تعامل طائفى على الإطلاق. لقد عرفت أن المهندس سيد عبدالعزيز محافظ الجيزة والدكتور مصطفى الخطيب رئيس المجلس الشعبى قد اجتمعا برجال كنيسة السيدة العذراء فى العمرانية أكثر من مرة لشرح الموقف وعرض تصريح البناء المقدم كان يخص مبنى خدمات تابع للكنيسة التى هى موجودة بالفعل، وقدم المحافظ عرضا بتسهيل الإجراءات وتسريعها فى حالة تقديم طلب جديد بإقامة كنيسة فلا أحد ضد بناء أى دور عبادة يذكر فيها اسم الله، وتكرر الاجتماع مرة أخرى فى مكان الأحداث واستمر حتى الرابعة صباحا وصفق الحاضرون لكلمات المحافظ ورئيس المجلس الشعبى وهتفوا «يحيا الهلال مع الصليب» وشعر الجميع أن الأزمة قد انتهت، إلا أنه بعد ساعات اندلعت المظاهرات وحدث ما هو معروف للجميع ووقعت إصابات ووفيات كنا فى غنى عنها لو تم التعامل معها بالحكمة التى يطالب بها مطران الكنيسة الآن بعد أن نسيها واختفى بحجة السفر. وبدلا من أن يستغل المسيحيون الأجواء الإيجابية لجأوا إلى العنف دون أن يدركوا أن ذلك لا يصب فى مصلحتهم، وأن من يتصيدون لهم الأخطاء سيجدون المبررات القوية فى اتهامهم بالاستقواء بالخارج والاستقواء ضد النظام، وهو ما ظهر بالفعل فى مطالبهم بالإفراج عن المتهمين مقابل إنهاء الأزمة. لقد أخطأ المسيحيون هذه المرة بتحديهم للقانون واستخدام العنف والقوة، دون أن يدركوا بذكائهم المعروف أنهم بذلك قد انضموا إلى المتشددين من المسلمين الذين تظاهروا ضد الكنيسة بسبب قضيتى إسلام وفاء وكاميليا، وأنهم أحرجوا كل من يدافع عنهم من الكتّاب والمثقفين والمعتدلين والليبراليين.. وعليهم أن يصححوا الخطأ بالاعتذار فالعودة إلى الحق ليس عيبا بل على العكس. وإذا كان هناك من يزال يؤمن بالمواطنة مثلى ومثل جيلى، فالمطلوب فى المقابل أن تعود الكنيسة إلى التمسك بالقانون والمواطنة حتى لا يحدث ما نندم عليه جميعا.