فى شوارع بيروت.. عيون حائرة تارة مع حب الحياة وعشق الحرية، وتارة مع الغلاء وارتفاع الأسعار والمشاكل الاقتصادية، وتارة مع الانقسامات والخلافات السياسية التى تهدد حياة اللبنانيين، وربما تنفجر بين لحظة وأخرى، ووسط هذه التناقضات يحاول الشعب اللبنانى تجاوز الصعوبات، لتجاوز آلام الحاضر ومرارة الماضى وأوجاع الانقسامات والصراعات!! منذ أن وطأت قدمى أرض بيروت، كنت ألاحظ معاناة الناس من ارتفاع الأسعار بداية من حوارات سائقى التاكسى والعاملين فى المطاعم والمحلات، الكل يشكو، وسعر لتر البنزين يصل إلى ما يقرب من 7 جنيهات مصرية، وهذا الارتفاع الكبير ترك بصماته على كل شىء فى لبنان خاصة الغذاء، والفاكهة والخضروات واللحوم وكل شىء لأن هذه السلع تنقل بالسيارات إلى أنحاء لبنان، وارتفاع تكلفة النقل يضاف إلى ثمن السلع والمنتجات والخدمات، وأصعب شىء يمكن أن تواجهه فى لبنان هو جشع سائقى التاكسى، حيث لا يوجد عداد فى التاكسى وتستمر المساومات على السعر قبل ركوب التاكسى، حيث يطلب السائق أرقاماً فلكية، وفى النهاية تضطر للركوب، ولكن فى نهاية الرحلة تبدأ المساومة من جديد للركوب، ويطلب أموالاً زيادة عن الاتفاق ويصر عليها، ونحن فى المنطقة الشرقية طلبنا من سائق تاكسى أن نذهب إلى مغارة جعبتة طلب منا 150 دولاراً، وفى النهاية اتفقنا على 100 دولار وبعد العودة أصر على الحصول على 140 دولاراً رغم الاتفاق وانتهت المساومات بالحصول على 120 دولاراً، هكذا تمضى كل التعاملات مع سائقى التاكسى فى لبنان. ربما يحدث ذلك لأن الناس فى بيروت تحاول الحياة وتجاوز الصعوبات فى ظل الظروف الصعبة وغلاء الأسعار وارتفاع أسعار الوقود وارتفاع نسب البطالة ووسط تناقضات كبيرة حيث إن الاقتصاد اللبنانى يعتمد على السياحة والزراعة فى الأساس وبعض الصناعات إلا أنها اقتصاد صغير، ولبنان مكبلة بديون خارجية تقدر ما بين 45 - 50 مليار دولار، ورغم ذلك مستوى المعيشة مرتفع والسيارات الحديثة والفارهة تملأ الشوارع، ويبرر بعض اللبنانيين هذا التناقض بالأموال التى يرسلها اللبنانيون العاملون فى الخارج وهى التى تحقق التوازن فى لبنان، والأرقام لا تكذب ولا تتجمل، فقد أظهر تقرير رسمى لبنانى أن مستوى تضخم الأسعار فى لبنان بين شهرى يوليو وأغسطس 2010، سجل ارتفاعاً قدره 8,0% كما سجل مستوى تضخم الأسعار فى أغسطس ارتفاعاً قدره 4,3%، وأشار بيان للإحصاء المركزى اللبنانى الرسمى إلى أن عدداً من المتاجر الكبرى فى مختلف المناطق اللبنانية لجأ إلى تقديم عروض كبيرة على المواد الغذائية، وعلى فترة امتدت لأكثر من أسبوعين، وهذا الأمر أدى إلى مواجهة لارتفاع الأسعار فى أغسطس الماضى، وأظهر الإحصاء أن المواد الغذائية سجلت ارتفاعاً فى الأسعار 6,2% مع الإشارة إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت منذ بداية العام الحالى بنسبة 6,20%، وارتفعت الملابس والأحذية بنسبة 8,6%، وارتفعت أسعار السكن ب2,11%، وأسعار الأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة المستمرة للمنازل ارتفعت بنسبة 2,2%، وارتفعت تكاليف العلاج 7,0% وارتفعت أسعار النقل منذ بداية العام الحالى بنسبة 5,18%. وفى تقرير «الفقر والنمو واللامساواة فى لبنان» الذى أعدته وزارة الشئون الاجتماعية اللبنانية والبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، أن هناك ما بين 300 ألف نسمة ومليون نسمة فى لبنان لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، حيث يحتاج الفرد من هؤلاء 72 دولاراً شهرياً لتلبية الحد الأدنى من حاجاته الغذائية وهم لا يصلون إلى هذا الرقم ويتركز أغلب الفقراء فى عدة مناطق، طرابلس وعكار والمنية والضنية وجزين صيدا، والهرمل بعلبك، ويشير التقرير إلى أن 65% من الفقراء أميون وحاصلون على التعليم الابتدائى، وكلما ارتفع مستوى التعليم انخفضت نسبة الفقر حيث تصل معدلات بطالة الشباب بين من يعانون الفقر المدقع 15%، وعند الفقراء 8,8% وعند غير الفقراء 6,7%، ويؤثر نوع الجنس على معدلات البطالة، فالنساء فى الأسر الفقيرة هن الأكثر تضرراً وربع النساء فى الأسر الفقيرة عاطلات عن العمل، وينتمى الفقراء فى لبنان بحسب التقرير إلى أسر كبيرة الحجم، إذ يصل الفرق فى حجم الأسر بين الفقراء وغير الفقراء إلى 22 شخصاً للأسرة. وسط هذا المناخ تطالب الاتحادات العمالية بضرورة تصحيح أوضاع الأجور، واتباع سلة متكاملة من سياسات اقتصادية سليمة لحماية المستهلك اللبنانى والإنتاج الوطنى، خاصة أن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار المتواصل منذ سنوات طويلة فمثلاً جمعية المستهلك فى لبنان رصدت ارتفاعاً للأسعار فى عام 2008 وحدها ب30% عن عام 2007، ووقتها تراجعت القوى الشرائية للمواطنين بنسب تراوحت ما بين 10% و15% وهذا التراجع مستمر حتى الآن.