الآن وقد انتهى السباق السنوى للطعام المعروف بموائد رمضان ودخولنا إلى أيام العيد، كل عام وأنتم بخير.. يمكن أن نتحدث عن الطعام الصحى، فكان لا يمكن أن أحدثكم عن صحة وأهمية طعام الفراعنة، وقد شاهدت زحام الناس غير الطبيعى على شراء المأكولات المصنعة والتى سيصنعونها، وطوابير عربات محلات السوبر ماركت المحملة بها.. ومحلات المخبوزات والأفران المكتظة بعجائن الحلوى الرمضانية الشهية! وكان لا يمكن أن أحدثكم عن أغذية العصر الحجرى التى ينادى بها علماء التغذية الآن لأنها الطعام السليم، حتى لا يدعو أحد على «بسدة النفس» وهذا لا ينقصنى.. فقد كانت لى تجربة سابقة فى الكتابة عن أهمية الطعام فى «طبق القطة» حتى لا يأكل الفرد أكثر من اللازم، وواجهت انتقادات شديدة لأنى تحدثت عن طبق القطة فى أول رمضان! * أطعمة الفراعنة فى كتابه الجديد تحدث الزميل الكاتب الصحفى عبدالفتاح عنانى المهتم بأمور العلم وهموم التغذية والبيئة عامة عن صيحة عالية فى العالم الآن للعودة إلى أطعمة القدماء لأنها غذاء وشفاء.. كما كتب عنوان كتابه «أطعمة الفراعنة غذاء وشفاء» ومن مقدمة كتابه: «نحن الآن أمام الهجمة الشرسة لمختلف الأوبئة أحوج ما نكون إلى الأغذية الفرعونية وأهم هذه الأغذية. البقول والثوم والبصل باعتبارها مضادات حيوية طبيعية يستخدمها العالم كله الآن لمقاومة الميكروبات والفيروسات، لدرجة أن الفراعنة كانوا يتناولون الثوم يوميا لإمدادهم بالنشاط والحيوية ومقاومة الأمراض.. فالمصرى القديم كانت صحته أفضل لأن طعامه كان بسيطا خاليا من الدهون - طازجا. غير معقد ولا مسبّك ولا مقلى. كان يكثر من تناول الخضراوات والفاكهة والأسماك ويتجنب الدهون والأكلات الدسمة، وكان يعشق السمك.. حتى إن بردية هاريس سجلت أن كميات وفيرة من الأسماك كانت توزع كطعام فى معابد «طيبة» و«منف».. ولهذا كله تمتع الفراعنة بصحة جيدة». منذ آلاف السنين عرف المصرى القديم أن الكثير من الأغذية تحتوى على عناصر مفيدة لمساعدة المرضى على الشفاء وتحفظ صحة الأصحاء، وأغذية تقاوم الميكروبات، فقد عرف بذكائه ضرورة تقوية جهاز المناعة.. هذا الجهاز الذى عرفه العالم الطبى الحديث فى جسم الإنسان. وكان الخبز أهم شىء على مائدة المصرى القديم، وكان يصنع من دقيق القمح أو الشعير أو الذرة الرفيعة.. وقد عرف القيمة الغذائية للقمح الكامل بدون تقشير.. والردّة الغنية بالألياف والمعادن والفيتامينات خاصة فيتامين «ه» الذى يقوى جهاز المناعة ويقاوم الأمراض ومنذ آلاف السنين والخبز على قمة الأطعمة للمصريين فانتبهوا له! * قبل الزمن بزمان حدثنا عبدالفتاح عنانى عن المؤتمر العلمى الذى عقدته الجمعية الطبية الملكية البريطانية والذى دعا فيه علماء الغذاء إلى العودة إلى تناول الأغذية التى كان يتناولها إنسان العصر الحجرى.. فقد كان يأكل اللحوم الخالية من الدهون والفواكه والخضراوات التى تنمو فى الطبيعة.. كان طعام إنسان العصر الحجرى بسيطا لا ابتكار فيه.. من المقليات والمحمرات بالسمن والزيوت، وكلها دهون تضاف إلى جسم الإنسان بدون فائدة بل تسبب له الأمراض. * يا نخلتين فى العلالى.. يا بلحهم دوا كلمات من أغنية مصرية جميلة.. تعود إلى تعاليم من المصرى القديم، فقد كان النخيل من أقدم الأشجار التى زرعها المصرى القديم، والبلح غذاء طيبا لعامة الشعب، وكلمة «أمهات» التى تطلق الآن على نوع من البلح الرطب ترجع إلى الكلمة المصرية القديمة «أمت» وأقبل المصرى القديم على تناول البلح فى وقت الأزمات والكوارث.. ويعتبر التمر منجما غذائيا لاحتوائه على العديد من المعادن والسكريات والبروتينات والفيتامينات، ويتميز البلح والتمر بأن الكثير من عناصره لا تحتاج للهضم، فالسكريات الموجودة تمد الجسم بالطاقة الحرارية فى وقت قصير.. كما يتميز التمر باحتوائه على نسبة عالية من الأحماض الأمينية اللازمة لبناء خلايا الجسم وإصلاح ما تلف منها وأيضا غنى بالحديد. * أهمية غذاء بناة الأهرام يحدثنا عبدالفتاح عنانى عن البقول أنها كانت من الأغذية الرئيسية لقدماء المصريين.. مثل الفول والعدس وهما من الأطعمة الشعبية منذ عصور الفراعنة وكانا يقدمان قربانا للآلهة.. وقد أكد علماء الأغذية فى العالم الآن أهمية البقول لأنها غنية بعناصر غذائية ضرورية لجسم الإنسان ويحدثنا عن أهمية البصل والثوم.. فالبصل له فاعلية كبيرة ضد الميكروبات ويحتوى على مركبات لها فاعلية المضادات الحيوية.. والثوم يحتوى على مركبات فعالة أيضا لمقاومة الأمراض ويقوى جهاز المناعة، وقد نقشه أو رسمه المصريون القدماء على معابدهم، وأثبت العلم حديثا أن الثوم يخفض ضغط الدم المرتفع والكوليسترول ويفيد مرضى السكر ومنذ القدم قد حافظ الثوم على سمعته كدواء حتى وصف بأنه بنسلين إلهى. ويذكر لنا ما يحتويه الثوم والبصل من فيتامينات وأملاح معدنية ويعملان على تقوية جسم الإنسان، حتى إن أطباء الفراعنة نصحوا بتوزيع فصوص الثوم والبصل على العمال مع الغذاء أثناء عملهم. * الخس والجرجير كنا نسمع من البائعين الذين كانوا يتجولون ببضاعتهم فى طرقات مصر المحروسة نداء منغما جميلا.. عن.. الخس والجرجير.. فقد كانت شهرتهما عظيمة لفوائدهما الصحية. وكانت زراعتهما وافرة وسعرهما فى متناول كل المصريين على السواء.. وبالرغم من أن زميلنا العزيز عبدالفتاح عنانى قد حذرنا منهما عندما ابتلت هذه الزراعات الورقية بآفات من المكروبات إلا أنه لم يبخل عليهما بوضعهما فى قائمة الخضراوات التى تحدث عنها من أطعمة الفراعنة. فالخس كان أحد النباتات ذات المكانة المقدسة عند قدماء المصريين، واعتبروه رمزا للخصوبة والإنجاب. وتؤكد الدراسات الغذائية الحديثة احتواء الخس على مواد مهدئة طبيعية تحقق الهدوء والراحة للجسم، وبه فيتامينات وأملاح معدنية.. وأوراقه الخضراء مهمة للجهاز الهضمى وتنشيط الأمعاء، والجرجير كذلك.. ومعظم الخضراوات الورقية الطازجة لها مثل هذه القيمة الغذائية للخس والجرجير.. وجميعها غنية بفيتامين «ج». * العودة للطبيعة خبراء الأغذية فى العالم يحذرون الشعوب من التمادى فى تناول الأغذية المصنعة.. والثقيلة على الهضم والمسببة للأمراض وانتشار زيادة الوزن فى معظم الشعوب الغنية.. وينادون بمكافحتها خصوصا للأطفال.. وعبدالفتاح عنانى يساهم بإصدار كتب للتوعية بتغذية سليمة، وفى كتابه هذا قد أشبعنا بالكثير من الأغذية الصحية لقدماء المصريين على رأسها الأسماك والبقول - ثم انتقل إلى أغذية لم تذكر فى حضارات العالم القديم ولها أهمية فى حياة الإنسان لكننا ركزنا على أطعمة الفراعنة على أن نعود إليها فى توعية غذائية أخرى. إنه كتاب يستحق القراءة وتنفيذ ما تقرأه لصحة بدنك وأعصابك وعواطفك.. وكأنه يقول لعشاق الطعام الدسم والمصنّع.. انتبهوا.. بدون أن ينكد علينا..!