صدق من قال إن أرواح المحبين تتلاقي في شهر رمضان.. وإن أصحاب البصيرة وحدهم يشاهدون أقطاب الصوفية مثل الحلاج وابن عربي.. وهم يرددون أشعارهم في الحب الإلهي.. كما يشاهدون أرواح كُثَيِّر مع عزة.. وجميل مع بثينة.. وقيس مع ليلي. ونجيب محفوظ في مقهي «علي بابا».. وتوفيق الحكيم في ندوة جريدة الأهرام.. لأن محفوظ والحكيم أشهر من عاشا في الدنيا بأخلاق الصوفية.. وهما يكتبان في الرواية والمسرحية.. عن محبة الإنسان للإنسان.. ولا غرابة في ذلك.. فالإسلام دين الحب الذي جمع الأديان في بوتقة واحدة.. ودعانا إلي الإيمان بما أنزل إلينا وما أنزل من قبلنا.. وجمع بين الله والإنسان والأرض والسماء.. عندما جعل الله سبحانه وتعالي أقرب إلينا من حبل الوريد. لا غرابة في مشاهدة الشاعر أحمد رامي مع كوكب الشرق أم كلثوم.. وأمير شعراء الجاهلية امريء القيس.. مع أمير شعراء العصر الحديث أحمد شوقي.. وكأنهما شخص واحد، عاش في زمانين مختلفين.. ولا غرابة في مشاهدة الجاحظ موسوعة المعارف في العصر العباسي.. مع عباس العقاد موسوعة المعارف في العصر الحديث.. فالمعرفة هي الأخت الشقيقة للحب.. وكلاهما يرتقي بعقل الإنسان ويسمو بعاطفته علي غريزة الحيوان. وهناك من يسألني: هل شاهد أهل البصيرة نجيب محفوظ.. وهو يحاسب حساب الملكين.. علي ما كتبه في رواية «أولاد حارتنا» عن عصر الإيمان الذي قادنا إلي عصر العلم.. وتوفيق الحكيم علي ما كتبه في جريدة «الأهرام» في حواره مع الله.. وعلي اجتهاده في التوفيق بين العلمانية والإسلام.. لأننا أعلم بشئون دنيانا. وأنا أحيل هذا السؤال إلي فضيلة الإمام أحمد الطيب.. شيخ الجامع الأزهر.. لأنه من أصحاب البصيرة.. واعتقادي أن دين الحب يجمع بين العلم والإيمان.. كما جمع بين الأديان والشعوب والقبائل في حضارة الإسلام. وفي استطاعة شيخ الأزهر أن يشاهد نجيب محفوظ في شهر رمضان.. وهو يتجول في أحيائنا الشعبية.. ويدافع عن الحرافيش.. وتوفيق الحكيم وهو يدافع عن حق شهرزاد في الحياة.. ويستطيع أن يذهب إلي كرمة ابن هانئ ليستمع إلي قصيدة «ولد الهدي».. ويشاهد الشعراء وهم يبايعون «شوقي» أميرا للشعراء.. وقد يذهب إلي فيللا «رامتان» بيت طه حسين. فيري فراشة تحوم حول مصباح ينشر النور.. هذه الفراشة هي طه حسين.. وفي بيت العقاد رقم 13 شارع السلطان سليم بمصر الجديدة.. سوف يجد صقرا جارحا يدافع عن حقائق الإسلام.. ويدحض أباطيل خصومه.. وهذا الصقر الجارح هو عباس محمود العقاد.. في ندوته الأسبوعية.. وقد يجد قطا متحفزا للعراك في ندوة توفيق الحكيم بجريدة الأهرام.. وهو يدافع عن عمال التراحيل في ريفنا المصري.. هذا القط هو يوسف إدريس.. لأن أصحاب البصيرة من الأدباء والمفكرين لا يستطيعون مفارقة دنيانا بعد رحيلهم.. لأنهم عاشوا دائما في قلب المجتمع.. رغم عزلتهم مع القلم.. كان نجيب محفوظ يعيش بأخلاق الصوفية في قلب المجتمع.. يناقش قضاياه ويدافع عن حقه في الحرية والعدالة.. وهو لا يمتلك مالا أو عقارا أو سيارة.. وكذلك عاش أهل البصيرة من أصحاب الطرق الفكرية والأدبية.. وكل ما أخشاه يا فضيلة الإمام أحمد الطيب.. أن يعيش أصحاب الطرق الصوفية في عزلة عن المجتمع.. أجسادهم في الحاضر وعقولهم في الماضي.. قانعين بنجاتهم من البطالة والأمية والفقر والتلوث.. من خلال حلقات الذكر والأناشيد الصوفية.. رغم ما يؤكده علماء الدين.. بأن الطرق الصوفية أبعد ما تكون عن الإسلام.. وأفكارها مثل «الحلول» تعود إلي عبادات وثنية.. كنا نقول دائما يا فضيلة الإمام.. إن الاستعمار فرض علينا العزلة.. وهانحن في فترة الاستقلال التي تقارب فترة الاحتلال الإنجليزي لبلادنا.. نشعر بأننا ازددنا عزلة عن العصر الذي نعيش فيه.. لا نساهم في حضارة العصر ونعتمد علي غيرنا في طعامنا وكسائنا وتعليمنا وعلاجنا.. ونعيش عالة علي غيرنا.. وجيل الشباب في عزلة عن جيل الآباء.. والحكومة في عزلة عن المعارضة.. وعن علمائنا الذين يعيشون في الخارج.. ومدارسنا الحكومية في عزلة عن المدارس والجامعات الأجنبية.. وقاهرتنا في عزلة عن مدن الأقاليم وقراها.. في الخدمات ومشروعات التنمية. إننا يا فضيلة الإمام في حاجة إلي مشروع يجمعنا.. كما حدث عند بناء السد العالي.. وحرب العاشر من رمضان.. فمتي يساهم الأزهر الشريف في خروج أصحاب الطرق الصوفية من العزلة؟!