«لو سمحت! احمل هذه الألعوبة معك خارج مكتبي»..! قالها مستثمر حانق بسبب ضياع وقته مع توماس أديسون في مناقشة تمويل اختراعه الجديد «الفونوغراف».. مما جعله يقول لنفسه قبل أن يحفظها التاريخ لنا: العبقرية تتكون من 1% إلهام و 99% عرق؟ كم من الأفكار العظيمة قتلها بخلنا عن بذل العرق من أجلها؟؟ وكم من عبقري ماتت عبقريته بفعل أنانية المحيطين به ورفضهم مد يد المساعدة له.. وقد تسأل: من يجرؤ علي قتل الأفكار العظيمة أو تركها تموت عطشاً أو اختناقاً؟ من يكره الشمس ويحاول إطفاءها أو إغلاق عينيه دونها؟ أجيبك: إن أصحاب الأفكار هم أنفسهم الذين يتخلّون عنها، والمستفيدون منها هم أول من يبادر إلي تسخيفها وطردها أو إعدامها.... كلّ البشر يفعلون ذلك عامدين أو غير عامدين (وفي لحظات جهل بالتأكيد) وإلاّ فمن أين يحفظ التاريخ هذا المشهد ومئات المشاهد غيره: في دنيا الأعمال والمكاتب المعاصرة تعتبر آلة التصوير أحد اللوازم المسلّم بحضورها وقد كانت كذلك طوال عقودٍ ماضية. ولكن عندما طرق تشستر كارلسون أبواب شركات التكنولوجيا الكبري مثل IBM وKodak لبيع فكرته الجديدة أغلقت الأبواب في وجهه! لكن باقي القصة كما قال أديسون... عرق! تخيّل أنّك كنت مسئول استثمارات في مشاريع جديدة في ثلاثينيات القرن العشرين وجاءك مهندسٌ غريب الأطوار يدعي كارلسون خرج من منزله أو القبو الذي يعمل فيه ليعرض عليك جهازا جديدا يزعم أنّه سيحل محلّ آلة الميموغراف -السائدة آنئذ ماذا كنت ستفعل- هل سيكون مثل هذا المستثمر الحانق علي توماس أديسون أم ستقدر أن تباشير العبقرية غالباً ماتكون غير مرئية وتحتاج لمن يزيح عنها النقاب ببعض التشجيع، ولن تخسر كثيراً إذا ما أخطأت التقدير أما في حالة الصواب فحتماً ستجني الكثير والكثير. فبعد خمسة وسبعين مليون دولار أنفقت علي الأبحاث والتجارب قامت شركة مغمورة آنذاك تدعي هالويد زيروكس - والتي هي الآن زيروكس Xerox - بإزاحة الستار عن أول ناسخات زيروكس بسعر 29500 دولار للواحدة، أو بأجرة95 دولار شهرياً تتضمن ألفي نسخة مجانية بالإضافة إلي الصيانة المضمونة للنسخات - الشديدة الحساسية آنئذ - لقد كان نجاحاً صاعقاً تمخّضت عنه جهود استمرّت نحو خمسة وعشرين عاماً. تظن أن الفكرة كانت معتنقةً داخل زيروكس ومحميةً من صقيع الخارج إلي أن تنضج؟ لا يا عزيزي لم يكن الأمر بهذه السهولة! مجموعة التطوير ذاتها كانوا يشكّون بها ويكادون يرفضون العمل بها، بل ويتذمّرون من العمل علي الفكرة السخيفة التي يعتقدون أنها لا يمكن أن تنجح. أجل، كلّ هذا الارتياب والتسخيف رافق نشأة المنتج الذي أصبح في النهاية لازمةً من لوازم العمل وتحوّل لدي زيروكس إلي عمل بقيمة خمسة عشر ألف مليون دولار. ماذا نتعلّم من القصة؟ لا شيء سوي: لا تخنق أفكارك قبل أن تتيح لها الفرصة العادلة للوقوف علي قدميها و إثبات جدارتها وألا ندع الآخرين يحاكمون هذه الأفكار وقرار السجن أو الإعدام موقّع سلفاً كما فعل جون ديساو رئيس قسم الأبحاث والتطوير في شركة زيروكس فغالباً ما تبدو الأفكار الجديدة غريبة وشاذة، وغير عملية. إنّها تشعل فينا القلق وتزعزع الأوضاع المعتادة. فإذا أردت أن تكون جزءاً في نجاح الأفكار الجديدة فعليك أن تتجنّب المحاكمة المتسرّعة وألاّ تتناولها إلاّ بموضوعيّة وتتيح للدراسة الوقت الكافي. حاكم كي تتوصّل إلي حكم لا لتثبت حكماً أو تنفيه. واعلم أن الأفكار الجديدة كالأجنّة.. كثيراً ما يعجز الإنسان عن إدراك عظمتها وروعتها لدي أول لقاء.