من المقدر أن الأزمة التى تسبب فيه حكم الإدارية العليا بأحقية طليق هالة صدقى فى الحصول على إذن بالزواج الثانى قد انتهت بعد قرار وزير العدل د. ممدوح مرعى بتشكيل لجنة تنتهى من إعداد قانون أحوال شخصية للإخوة المسيحيين وحدد لها 30 يوما كمساحة زمنية لإقرار القانون الجديد.. والتى فى تشكيلها ضمت ممثلين لكل الطوائف المسيحية ولها أن تدعو إليها أيضا من تشاء بما يخدم عملها. والذى رحبت به الكنيسة المصرية واعتبرته خطوة تغلق الباب أمام أى تقاطع بين الأحكام القضائية وأحكام الشريعة الدينية المسيحية. ولا أظن أن اللجنة ستبدأ من نقطة الصفر خاصة أن هناك مشروعا لقانون أحوال شخصية موحد للمسيحيين تم التوصل إليه وأخذ فسحة من الوقت سواء فى التوصل إليه أو حتى انتظارا لصدوره. فلا أحد كان يتمنى ولا أحد كان ينتظر أن تصل الأمور إلى هذه الحالة من الاحتقان بعد صدور حكم الإدارية العليا.. والتى تم تصويرها وتسويقها كأزمة مواجهة بين الدولة والكنيسة مرة.. وبين الكنيسة والقضاء مرة أخرى.. بغض النظر عن استناد الحكم القضائى إلى لائحة 38 غير الملغاة وغير المستبدلة بنص قانونى آخر.. كما أنه ليس حكما عاما.. وإنما هو حالة فردية. وبغض النظر أيضا عن إعلان الكنيسة وقداسة البابا شنودة عن احترام القضاء وأحكامه، وأن هناك من الخطوات القانونية ستتبعها مؤسسة الكنيسة فى طريق إيقاف الأثر القانونى للحكم القضائى الذى يستحيل تنفيذه لتقاطعه مع شريعة الدين المسيحى. وبغض النظر ثالثا عن أن حكم الإدارية الخاص بطليق هالة صدقى لم يكن الوحيد الذى أثار هذه المساحات من الضجة وقد سبقته أحكام أخرى.. وصحيح أنه لا يجوز التعليق على أحكام القضاء.. ولكن هذه الصحة لم تمنع الجدل حول هذه الأحكام بين النخبة والعامة وحتى على شاشات برامج الفضائيات الليلية. إلا أن التدخل السياسى الحكيم والسريع وصدور قرار وزير العدل وتشكيل اللجنة وتحديد مدة الانتهاء من إقرار قانون للأحوال الشخصية للإخوة المسيحيين قد عجل من إبقاء تداعيات الأزمة عند حدودها الدنيا خاصة مع التأكيد على أنه ليس لبشر أو لحاكم أن يتدخل فى اختيار الإنسان لعقيدته ولا فى امتثاله للقواعد التى تحكم هذه العقيدة.. على النحو الذى تحدث به وزير العدل فى أول اجتماع له مع أعضاء اللجنة. وهو أيضًا ما يضع الكرة فى ملعب أصحاب الأمر - الإخوة المسيحيين - و ممثلى طوائفهم فى الاتفاق على القضايا الخلافية حول الطلاق وعلاته والزواج الثانى ومبرراته.. إذ لا يمكن تجاهل المعاناة الحقيقية لطالبى بطلان الزواج والراغبين فى الحصول على التصريح الثانى التى قد تستمر لسنوات عديدة دون حل أو ربط.. فالمصريون متدينون بفطرتهم ومعتدلون بطبيعتهم.. مسلمين أو مسيحيين.. ولا يحتملون فكرة إغضاب الدين وتجاوز الشريعة الدينية.. إسلامية أو مسيحية. وبالطبع لا أحد يجرؤ على المطالبة بمخالفة النص الإنجيلى ولا ما يتعارض مع شريعة الدين المسيحى.. ولكن لابد من التوصل إلى حل ما يحتفظ بالثوابت الدينية وفى نفس الوقت يراعى الاحتياجات الحياتية وما يطرأ عليها من ضغوط إنسانية. وهو أيضا ما يجب أن يوقف كل محاولات المزايدة التى لا تنجح إلا بصب المزيد من الزيت على النار ولا تنجح إلا فى مؤازرة استهداف إحداث الوقيعة بين الكنيسة والقضاء وتصوير الأمر على أنه مواجهة بين مؤسستين من مؤسسات الدولة. وتحديدا.. ما يقدم عليه بعض من الإخوة المسيحيين فى تنظيم وقفات سواء أمام مجلس الشعب أو غيره فى مطالبة لإقرار قانون الأحوال الشخصية لا يزيد الأمر إلا بلبلة و تصعيدا غير مبرر ينال بشكل أو بآخر من عمل اللجنة المشكلة الآن من وزير العدل.. ويضغط على أعصابها. وما يدور على شاشات البرامج الفضائية من أحاديث وتصريحات لرجال دين وشخصيات عامة مسيحية تضع الأزمة فى إطار المواجهة والتصادم بين مؤسسة القضاء و مؤسسة الكنيسة بما يصلح وقودا لكل دواعى الاحتقان الطائفى. وما يتبناه البعض أيضا من حملات لجمع توقيعات سواء مع قرار الكنيسة فى مسألة الطلاق والزواج الثانى أو مع ما يخالفها.. أيا كان شكل هذه الحملات شخصية أو إلكترونية يضيف المزيد من الظلال الرمادية على عمل اللجنة.. فالقرار الدينى لا يحتاج إلى مساندة من توقيعات.. والحكم القضائى لا يحتاج إلا لتشريع وقانون يستند إليه فى حيثياته.. وليس فيه هوى إنسانى أو ميل شخصى. لقد هدأت الأعصاب وأتصور أن تدخل الكنيسة المصرية لمنع هذه المزايدات وهذا الصب للزيت على النار.. كما أتصور أيضا أن تسارع لجنة صياغة القانون الجديد للأحوال الشخصية بالانتهاء من مواده ونصوصه حتى قبل انتهاء المهلة التى حددها وزير العدل.. كما أتصور أيضا أن تسارع الحكومة بخطوات إقرار القانون فى مجلس الشعب عند الانتهاء من إعداده دون إبطاء أو انتظار.. أو أعضاء فى مجلس الشعب.
ندوة صباح الخير ص 10 حوار المستشار منصف سليمان ص 14