كنت أتحدث في أحد البرامج التليفزيونية وكان موضوع المناقشة هو سؤال موجه إلي الفتيات المقبلات علي الزواج: هل تقبلين الزواج بإمكانات بسيطة غير مبالغ فيها؟! وقد تلقيت اتصالات عديدة من فتيات يجبن عن هذا السؤال، وقد أثارت إحدي المكالمات انتباهي.. حيث كانت المتحدثة زوجة شابة، تزوجت منذ أقل من عشرة أعوام وقد اتبع والدها - علي حد تعبيرها - مبدأ «إحنا بنشتري راجل»!! ولم تقم أسرتها بأية مطالب مرهقة علي الزوج الشاب، بل تحملوا معه بعض بنود الزواج للتخفيف من علي عاتقه، وكانت النتيجة كما تقول الزوجة في اتصالها: «اللي مايدفعش كويس في الجوازة.. يسترخص الزوجة كمان»!! إلي أي مدي يمكن تقييم رأي هذه الزوجة واعتباره قاعدة مسلم بها أو قانوناً لابد من اتباعه، خاصة أنها أخذت تحذر الفتيات وتقدم لهن النصيحة عبر الهاتف قائلة: كل بنت أقول لها: «أوعي ترخصي من نفسك.. ولا تعاندي أهلك وتصري علي أن تكوني المضحية في زيجتك.. فعلي الزوج أن يشعر بأنه يكافح ويضحي من أجل أن يحصل عليك، ولا يشعر أن الزيجة قد تمت بسهولة وأنه حصل علي زوجة بأقل سعر ممكن، لأن هذا سينعكس بلا شك علي معاملته لك فيما بعد وفي تقديره لك.. ويشعر أنك بلا ثمن.. فلا تقبلي بزيجة رخيصة»!! انتهت الزوجة من حديثها.. وتركت في نفسي الكثير من علامات الاستفهام - رغم أنني تفهمت المنطق الذي تتحدث به - حتي وإن كنت أخالفه ولا أتفق معها فيه، لكنني فهمت أن تجربتها لم تكن إيجابية بالقدر الذي يجعلها تنصح البنات بالقبول بزيجة وبزوج ذي إمكانات متواضعة. ولكن حديثها هذا جعلني أتساءل: «هل لو كان زوج هذه السيدة يعاملها بود وباحترام، ويقدر مشاعرها ويتمني إرضاءها، هل كانت ستتبني نفس النصائح التي وجهتها سابقاً للبنات عبر الهواء مباشرة؟. هل لو اختلف سيناريو حياتها.. هل كانت ستتغير نظريتها في أن الزواج بإمكانات قليلة - أو رخيصة كما وصفتها - سيؤدي إلي أن يتعامل الزوج مع زوجته علي أنها «بلا ثمن» أو «سلعة رخيصة»؟! التساؤل الآخر الذي أثارته مكالمة هذه الزوجة الشابة هو: أنه علي أي أساس تكون اختياراتنا وأحكامنا علي الشخص الذي نرغب أن نصنع معه مستقبلنا؟! هل الأساس في التقييم هو «الإمكانات» المادية أم «إمكاناته الإنسانية والفكرية والمهنية والاجتماعية»؟! التساؤل الآخر: لماذا نصر علي أن نتعامل مع الزواج علي أنه صفقة.. وياحبذا لو تمكنا من عمل صفقة رابحة.. نحقق فيها أعلي المكاسب؟ لماذا نتعامل مع الفتاة.. وتتعامل الفتاة مع نفسها علي أنها سلعة.. من يدفع أكثر.. يحافظ علي حياتي معه أكثر! من يدفع أكثر في الزيجة.. سيقدرني ويحترمني أكثر؟! من سيدفع كل ما يملك من أجل زيجة.. فإنه بلا شك سيفكر ألف مرة قبل أن يهدم تلك الزيجة؟! أليس هذا المنطق غريباً وفيه تقليل من شأن الفتاة، لماذا لا نفكر في الزواج بمنطق مختلف؟.. وهو منطق أننا نصنع حياة جيدة معاً.. نصنع مستقبلاً نطور فيه علاقاتنا وإمكاناتنا إلي الأفضل؟! عندما نتحدث عن تسهيل إجراءات الزواج وعدم تعقيدها، وعندما نطالب بعض الفتيات اللائي يبحثن عن «الشكليات» لمجرد أن يحظين بقدر عالٍ في المقارنة بصديقاتهن وقريباتهن في ثمن الشبكة والمهر فإن هذا لا يعني أننا نطلب من كل فتاة أن تتزوج بأقل الإمكانات وتتعامل مع هذه الزيجة بمنطق التضحية، ولكن علي الطرفين «شاب وفتاة» أن يتعاملا مع حياتهما الزوجية علي أنها «صناعة حياة» لا تأسيس شقة فحسب، أن يصنعا حياة مستقرة هادئة، أن يفهما بعضهما ويقدرا إمكانات بعضهما البعض، قبل أن يقدرا ثمن الشبكة والصالون والأجهزة الكهربائية. علينا أن نؤسس العلاقة بشكل سليم أولاً، وهذا هو ترتيب الأولويات الذي قصدت مناقشته مع الزوجة المتصلة. «معاملة الزوج الكريمة لزوجته لا علاقة لها - من وجهة نظري علي الأقل - بقيمة ما دفعه لإتمام هذه الزيجة لا علاقة له بثمن الشبكة أو قيمة المهر أو مؤخر الصداق. الاحترام والمودة والحب بين الزوجين لا يبني علي دفتر شيكات ولا يتم تقييمه بالحساب البنكي. المعرفة الحقيقية الصادقة بين الزوجين هي الأهم. لا تبدأوا الحياة بينكما كصفقة ولا بالخبير المثمن.. ابدأوا الحياة بفهم الآخر، بما سيقدمه كل طرف للآخر من دعم وحب ومجهود لتأسيس كيان العلاقة بشكل متين.. وباقٍ!!