«أبلة تيسير» مدرسة الموسيقى فى مدرستى الثانوية، وذكرى سنوات قضيتها أيام المرحلة المدرسية تحتل فيها الموسيقى مكانة رئيسية وسط المقررات السقيمة التى كنا ندرسها، طابور الصباح ومتعة العزف على الإكسليفون والأوكورديون النشيد الوطنى وموسيقى الطابور، كنت آخر من يصعد إلى الفصل، كان علىّ أن أعزف حتى ينتهى الجميع من الصعود والاستقرار فى الفصول، فريق الموسيقى الذى دخل مسابقات، وحصل على جوائز فى عيد العلم، كانت «أبلة تيسير» نموذجا لكل هذا تعشق الموسيقى وتدرسها بحب ودأب شديدين، كنت أقضى الفسحة والدقائق البسيطة بين الحصص فى حجرة الموسيقى حيث جميع الآلات تحت يدى. وعندما أعود بذاكرتى إلى تلك الأيام، أتساءل أين ذهبت هذه الطقوس، أين حصة الموسيقى، أين الغرفة المكتظة بالآلات، أين أبلة تيسير أو مثيلاتها الآن؟ لا أعلم. هكذا كانت أيام طفولتى وسباق بينى وبين زميلاتى لغزف مقطوعة جديدة أو أغنية لثومة أو فيروز أو حليم، كنت أحترم وبشدة العائلات التى تقتنى بيانو فى منزلها، حيث كانت هناك عائلات تحرص على أن تعلم أطفالها العزف على البيانو أو أية آلة أخرى وهكذا كانت البيوت الإنجليزية والعائلات التى زرتها عندما سافرت لأول مرة لبلاد الإنجليز، فلا يهم ماذا يدرس الفتى أو الفتاة، المهم أنهم يجيدون العزف على آلة، هكذا كانوا أولاد أحد الأصدقاء الذين تعرفت عليهم هناك، عائلة ألان ثلاثة أولاد، بنتان وشاب، والبيانو قد احتل مكاناً كبيراً فى غرفة المعيشة، الأم ألمانية والأب إنجليزى من أصل هندى، أدركت الأم منذ البداية أهمية الموسيقى فأتت بمدرس يعلم أولادها الثلاثة العزف على البيانو، وهكذا تلقوا أول دروس التذوق الفنى، مرت السنون: عملت الفتاتان الأولى كموديل والثانية خبيرة عقارات أما الثالث فقد أحترف الموسيقى وأصبح من أهم عازفى الكمان فى انجلترا تدعوه الملكة الأم للعزف عندما تدعو أصدقاءها لحفل فى القصر الملكى. لماذا هذا الفيض من الذكريات؟ ربما لأننى لم أر فى حياة أبنائى من يحل محل «أبلة تيسير» لم أر فى مدارسهم حجرة الموسيقى رغم أننى حاولت جاهدة أن أعلمهم العزف على إحدى الآلات، ولكن كان جهدا من طرف واحد فلم أنجح فى أن أجعل من الموسيقى والعزف إحدى هواياتهم. هكذا كانت طفولتى وهكذا كان أبنائى أما الآن فالحالة مزرية أسوأ مما نتصور: اختفت الموسيقى. من طفولة هذا الجيل ليحل محلها الأغانى الرديئة فقط. فى لبنان عقد مؤخراً مؤتمر عن الرحبانية، واتخذت الحكومة قرارا بأن يدرس تراث العمالقة الثلاثة منصور وعاصى وفيروز فى المدارس، خبر أهديه إلى السيد وزير التربية والتعليم الجديد أحمد زكى بدر الذى يحاول تربية طالب يتذوق الفنون. آخر حركة إلى إذاعات الأغانى: بالله عليكم اذكروا اسم المطرب أو المطربة، لأنهم كثيرون وأصواتهم تشبه بعضها البعض!!