أين كنا وأين أصبحنا وما هو المستقبل الذي نريد أن نصبح عليه؟.. مجموعة من الأسئلة المنطقية التي لها إجابات أكثر منطقية لا تحتاج إلي جهد حثيث في سبيل التوصل إليها بل يكفيها نظرة تأمل واحدة إلي الواقع الذي نعيش فيه ويجري بين أيدينا في تفاصيل حياتنا اليومية.. كيف كنا وقت كان الهمس ممنوعاً بين الأب وابنه والصديق وصديقه والجار وجاره.. وقت كان زوار الفجر يطرقون أبواب البيوت الآمنة بقبضات غليظة تسحب رب البيت أو أصغر شبابه إلي حيث لا يعرف «الدبان الأزرق» طريقه.. وقت كانت عربات «البوكس» تشحن الشباب والعجائز إلي أمكنة لا ندري لها مكاناً علي الخريطة المصرية. كيف كنا مع رقيب حديدي يفرض إرادته علي كل كلمة في مقال أو تحقيق أو حتي حوار تعبر عن رأي أو تطرح رؤية مكتوبة أو مسموعة أو مرئية .. ولا يكن ليسمح سوي بما هو في إطار السياق العام وطبقاً للتعليمات وفي حدود الإرشاد.. وكل الحكاية ثلاث صحف يومية وقناتين للتليفزيون أو لي وثانية.. نشرة أخبار وفيلم وبعدها صوت «وش» انتهاء الإرسال. كيف كنا مع بنية أساسية مهترئة تغرق الشوارع في مياه الصرف الصحي وتفرض الانتظار لسنوات عشر في طلب الحصول علي خط تليفون، وتبرر انقطاع التيار الكهربائي المستمر بنكتة «فار السبتية».. والوقوف لساعات طويلة ملاكي ونقل عام في إشارات مرور.. ليس بسبب الزيادة المذهلة في أعداد السيارات ولكن بسبب عدم وجود شارع أو محور مروري بديل.. فالقاهرة لم تكن تعرف سوي شارع صلاح سالم وغيره لا يوجد.. والفارق بين الاثنين رهيب. كيف كنا مع اقتصاد غير واضح المعالم ولا معروف القواعد وانفتاح سداح مداح يبشر بعصر الرخاء بينما يستدين يومياً لشراء قمح رغيف العيش.. ويقف مواطنوه عشرات الأمتار من الطوابير أمام الجمعيات الاستهلاكية علي أمل الفوز بعلبة «رابسو» أو «أو مو» وفرخة مجمدة من الفراخ الفاسدة وأطراف الجوارح من الطيور.. اقتصاد يدفع أبناءه إلي تهريب التفاح والشامبو وقمصان «المونتجو» من جمرك بور سعيد.. ويرتع فيه تجار السوق السوداء يتربحون من التجارة في الدولار.. وحتي السلع الأساسية كانت أرز أو سكر.. اقتصاد كل طموحه أن يتم إنشاء شركة للاستيراد. كيف كنا مع سياحة لا يعرض فيها علي السائح من مقاصد سوي الهرم والأقصر وأسوان وموقعان فقط في الغردقة في وقت شبعنا فيه استماعا عن أهمية السياحة وما تساهم به في موارد الدولة وما توفره من وظائف مباشرة وأبواب رزق غير مباشرة.. وتحتاج إلي استثمارات ومشروعات.. ولكن «إيد» الاقتصاد قصيرة. كيف كنا مع حياة سياسية لا تعرف سوي الاتحاد الاشتراكي ولا تتحرك إلا من خلال كواليسه لتنبت من بينها منابر يمين ويسار ووسط تتحول فيما بعد إلي أحزاب وطني يحكم ووفد وتجمع في معارضة لم تكن تهنأ بثبات صدور صحفها حيث كانت تصادر بين أسبوع وآخر ليقرر حزب الوفد المعارض تجميد نشاطه لعدد غير قليل من السنوات. كيف كنا مع استهداف إرهابي لأمن واستقرار هذا المجتمع يريد أن يضربه في أحلامه وتطلعاته وطموحه.. فيعز عليه قوت يومه ويظلم مستقبل أولاده.. بأفكار ظلامية وعمليات تفجير إرهابية في الشوارع وعلي أبواب المدارس وفي المناطق السياحية تهدد الوطن في أمنه وتغلق كل أبواب الرزق في وجه من يصحو صباحاً داعياً «يا فتاح يا عليم.. يا رزاق يا كريم». كيف أصبحنا وكل منا.. صغيرا أو كبيرا.. يقول ما يشاء لمن يشاء وقتما شاء، في أي مكان.. في العمل والبيت والشارع والمدرسة والجامعة والنادي والجامع والكنيسة .. آمناً مطمئناً من أنه لن يركب سيارة «بوكس» تأخذه إلي مكان لن يعرفه «الدبان الأزرق» ولن تدق بابه الكفوف الغليظة لزوار فجر أو مساء أو ليل.. ووقفات احتجاجية واعتصامات علي الأرصفة أمام مجلسي الشعب والشوري ومجلس الوزراء وأمام مداخل الوزارات.. وحركات سياسية وتجمعات شبابية. كيف أصبحنا في أجواء حرية تعبير عن الرأي غير مسبوقة وقد رفعت الرقابة وأصبحت علي «فرشة» بائع الجرائد أكثر من خمسمائة صحيفة قومية وحزبية وخاصة تفسح لكل الآراء وتطرح كل الرؤي وتسلك كل السبل في الهجوم علي من تشاء.. من النقد والانتقاد وحتي تصفية الحسابات مروراً بالابتزاز.. صحف علي كل الألوان والأشكال وأيضا الأجندات.. لم تغلق ولم تصادر ولم يقصف قلم واحد من أقلامها. سماوات مفتوحة تنتشر فيها القنوات الفضائية الأجنبية والعربية والمصرية فيما يقارب ال 700 قناة وبرامج فضائية ليلية لا تعرف سقفاً لاختيار موضوعات أو ضيوف ولا أدني قيد علي حرية نقاش.. ضيوفها معارضون وأصحاب اتجاهات ومنتمون إلي تيارات سياسية وأعضاء في جماعات محظورة قانوناً من أصحاب الأفكار الظلامية والأجندات المشبوهة.. ولاحرج عليهم ولا تثريب وفي النهاية هم في منازلهم آمنون مطمئنون. كيف أصبحنا مع بنية أساسية أتاحت هذه الحركة المهولة في العمران وبناء المدن الجديدة في كل بقاع مصر.. تخصص المناطق الصناعية الكبيرة وتتيح فرص الحياة لمشروعات عملاقة لتفتح أبواب الرزق في تنمية مستدامة ونمو حقيقي لا يكذب ولا يتجمل.. فتنمو السياحة حركة وإنشاءات.. وتتعدد المقاصد السياحية في الشمال والجنوب والشرق والغرب.. ويتجاوز عدد السائحين رقم 12 مليون سائح بكل ما يمثله الرقم من «أكل عيش» يدور بين كل المهن المرتبطة بحركة السائح. في اقتصاد قوي له معالم وقواعد محددة ثابتة.. نجح في جذب المليارات من أموال الاستثمارات الأجنبية لتعمل علي الأرض المصرية.. اقتصاد لم يستدن في أحلك الأوقات مع أزمة عالمية اقتصادية ضربت دولاً كبري فقدت فيها الملايين وظائفهم بين عشية وضحاها.. ولم يطلب معونة أو إعانة من دولة علي وجه الأرض وإنما اعتمد علي قدرته الذاتية ليحتفظ بنسبة نمو موجبة (5%) ويصبح بين ثلاثة اقتصادات في العالم لم تنهر نسب النمو فيها مع الأزمة مثل الصين والهند.. في وقت سجل فيه اقتصاد دول كبري نسباً سالبة تحت الرقم صفر. كيف أصبحنا مع مشهد سياسي يشهد حراكاً غير مسبوق في التاريخ المصري.. أتاح لأول مرة اختيار رئيس الجمهورية في انتخابات تنافسية واقتراع سري مباشر.. يتقدم فيه المرشح للمنصب المرموق ببرنامج سياسي اجتماعي اقتصادي يصوت له الناخب.. أتاح أحزاباً تعلن عن نفسها وبرامجها وتقيم المؤتمرات وتصنع الائتلافات وتدير الحوارات بينها وبين بعضها.. وفتحت الباب لصخب أصوات سياسية تبني قصوراً من الرمال وتحارب طواحين هواء في ضجيج بلا طحين يهدد مستقبل الوطن بأكمله. لقد أصبحنا في وطن تحققت له الكثير من المكتسبات بالإرادة الفولازية للمقاتل الطيار الرئيس مبارك الذي رفع علم التحرير علي الأرض المصرية التي كانت محتلة ولم يفرط ولم يغامر باستقلال واستقرار تحت مظلة شعارات ومزايدات ومهاترات طلباً لمجد شخصي أو جماهيرية زائفة.. فظلت محررة منيعة مستعصية علي كل المحاولات.. وقد اختبرنا في وقت من الأوقات كيف غلبت مشاعر الحزن والانكسار علي مشاعر المصريين بعد أن تم احتلال سيناء في يوم أظلمت فيه مصر كلها ويعلوها التساؤل عن الذي حدث وكيف حدث وقد كنا في الصباح الباكر نسقط الطائرات الإسرائيلية كما يسقط الذباب علي صحن العسل. أصبحنا في وطن وهو يحتفل بيوم الذكري الثامنة والعشرين لتحرير سيناء يصفه قائده الرئيس مبارك باليوم المجيد الذي طوينا فيه - إلي غير رجعة - هزيمة عام 1967 واستعدنا سيناء لسيادة مصر وأبنائها بعد خمسة عشر عاما من الاحتلال.. قائلا:«كنت مدركاً - ومنذ تحملي المسئولية - تطلع شعبنا لسلام تحميه القوة، في وطن مستقر آمن لا تهدده مخاطر العدوان أو الإرهاب، وطن حديث ومتطور يصنع الحاضر والمستقبل الأفضل لجميع أبنائه، يصون وحدتهم الوطنية، ويتيح لهم فرص العمل الشريف والحياة الكريمة». مؤكداً :«إننا - وبعد ثمانية وعشرين عاماً من تحرير سيناء - لا نزال في رباط، نحرص علي السلام ونلتزم به، طالما بادلتنا إسرائيل حرصاً بحرص والتزاماً بالتزام، نحميه بقوات مسلحة قادرة، هي درع الوطن وسيفه، ونبذل أقصي الجهد من أجل سلام شامل، يقيم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وينهي احتلال الأراضي العربية في سوريا ولبنان». أصبحنا في وطن بادر فيه الرئيس مبارك بإطلاق عملية شاملة للإصلاح ويرحب بكل جهد وطني صادق: «لقد أطلقت عام 2005 عملية شاملة للإصلاح، بادرت إلي ذلك متحملاً مسئوليتي كرئيس للجمهورية من أجل مجتمع متطور لدولة مدنية حديثة، تعُلي قيم المواطنة وتنأي بالدين عن السياسة، تمتلك المقومات الذاتية للمضي للأمام، تعزز تفاعل ومشاركة المواطنين في الحياة السياسية والاقتصادية، تعي الأبعاد الاجتماعية للإصلاح والتحديث والتنمية، وتنحاز - ليس لفئة أو نخبة - وإنما للفلاحين والعمال والبسطاء من أبناء الشعب. إن ما تشهده مصر اليوم من تفاعل نشط لقوي المجتمع هو نتاج ما بادرت إليه منذ خمسة أعوام مضت، وهو دليل حيوية المصريين، وشاهد علي ما يتمتعون به من مساحات غير مسبوقة لحرية الرأي والتعبير والصحافة - وأقول - بكل الصدق والمصارحة إنني أرحب بهذا التفاعل والحراك المجتمعي، مادام التزم بأحكام الدستور والقانون، وتوخي سلامة القصد ومصالح الوطن. لا ينبغي - أبداً - أن يتحول هذا التفاعل والحراك النشط إلي مواجهة أو تناحر أو صراع، وعلينا جميعا «أن نحاذر من أن يتحول التنافس المطلوب في خدمة الوطن وأبنائه لمنزلقات تضع مستقبله ومستقبلهم في مهب الريح»، «وأرحب» بكل جهد وطني صادق يطرح الرؤي والحلول لقضايا ومشكلات مجتمعنا، ولا يقامر بأمنه واستقراره ومستقبله. أصبحنا في وطن يؤمن بأن الشعارات لا تصنع المستقبل. إن مستقبل الأوطان لا تصنعه الشعارات والمهاترات والمزايدة ومقدرات الأمم والشعوب لا تتحقق بخطوات غير محسوبة العواقب». سلام سلاح لوطن يحتفل بذكري تحرير أرضه.. سلام سلاح لكل هذه الثوابت التي حددها الرئيس مبارك لواقع أصبح عليه الوطن وترسم بدقة مستقبله.. سلام سلاح لقواتنا المسلحة الباسلة درعاً وسيفاً قوياً قادراً. محمد عبد النور