بعد انتهاء المباراة الأخيرة بين مصر والجزائر في السودان وقد كنت أتابعها مع زملائي في المجلة، تركتهم وأنا حزينة بعض الشيء لخسارة أمل دخول كأس العالم، ولكن وأنا في ميدان التحرير وجدت مجموعة كبيرة من الشباب رافعين الأعلام ويهتفون مصر، مصر، تعيشي يامصر ونزلت من السيارة والتقطت لهم صوراً من فرط إعجابي بهم فرغم الخسارة هم سعداء فخورون بفريقهم، شباب لا تتعدي أعمارهم العشرين عاما وأعون متفهمون معني الروح الرياضية والتسامح. لم أكن أعلم ساعتها ما كان يحدث في السودان للجمهور المصري الذي ذهب ليساند فريقه بالأعلام وليس بالسنج والمطاوي.. وواصلت طريقي وقد انتابتني نفس حالة السعادة والفخر التي بثها في هؤلاء الشباب، وإذا بالموقف يتكرر طوال الطريق من وسط البلد إلي مدينة نصر. وصلت للبيت وإذا بأختي تكلمني وقد كسا صوتها الرعب شفت، شفت الجزائريين عملوا فينا إيه، بيضربونا عايزين يقتلونا وفتحت التليفزيون وكان الأستاذ إبراهيم حجازي يعرض شريطاً لشاب جزائري في عمر الزهور يتوعد ويهدد ويسب.. هو في نفس عمر الشباب الذي كان يملأه الحب والفخر في الشارع ويهتف مصر، مصر وهو خاسر. وتساءلت: لماذا شاب في هذه السن يحمل في قلبه كل هذه الكراهية.. متي وكيف؟! وتذكرت منظر شباب بلدي وهو يهتف تعيشي يامصر رغم الهزيمة وقلت عمار يامصر.. في اليوم التالي وجدت الحزن يخيم علي الشوارع والبيوت حتي في نبرات الصوت، لم يكن بسبب المباراة بل كان طعم الغدر المُر الذي ذقناه علي يد الجار والمفروض أنه أخ شقيق إذا صح التعبير. دموع في عيون الرجال من طعنة الخيانة وعمق الجرح الذي لم يحسب له حساب. ولكن برغم الألم والمرارة وجدتني أحس بالامتنان نحو ما فعله هؤلاء، فلقد طفا الحب المغمور في قاع قلوب الشباب المطحون الصامد الذي إذا كنت سألته قبل تلك الأحداث بيوم واحد عن انتمائه لبلده كان يرد بسخرية بأمارة إيه؟!. نفس الشباب هم الذين كانوا يرفعون علمك يامصر ويهتفون باسمك: تعيشي يامصر.. نفس الشباب الذين يبحثون عن أي فرصة للسفر للخارج هم الذين وقفوا احتجاجاً علي إهانة أشخاص لا يعرفونهم ولم يقابلوهم من قبل، ولكن كل ما يعرفونه أنهم مصريون مثلهم، ويريدون الثأر لهم. كل ما أحسست به بعد كل هذا الصخب شيء واحد.. الحب.. مصر يلمؤها الحب. لقد أخرج ما حدث مشاعر حبستها الظروف الصعبة والأيام المليئة بالهموم، مشاعر حب صادقة من كل المصريين تجاه بلدهم وتجاه بعضهم البعض. شكراً أيها الأعتداء الهمجي .