أهاب اليوم الذى قد يكتبه الله سبحانه وتعالى لى فأطل عبر عينى مباشرة، وليس عبر الصور على الحرمين الشريفين. هيبة حب وشوق من محب لم يتشرف حتى اليوم بزيارة بيت الله الحرام ولا زيارة الحبيب ومسجده الشريف بالمدينة المنورة. لا أتصور كيف سيكون حالى إذا كتب الله سبحانه لى نيل متعة الزيارة، كيف سأصدق نفسى، هل ستهفهف روحى وتحث ساقىّ لاستعجالهما المسير، أم ستحلق روحى وتتخفف من جسدى. كيف سيكون وقع النظرة الأولى واللمسة الأولى، كيف ستحتضن عينى الأرض الطاهرة وكيف سيتلقى وجدانى روعة اللقاء. فأنا ممن يستحضرون ما جرى وتتجلى على أنفسهم الذكريات حول ما كان عند وجودهم فى مكان ما. أنا التى لا أنسى حتى اليوم خفقان قلبى صباح أن التقت عيناى للمرة الأولى بمنطقة مسجد سيدنا الحسين فى القاهرة القديمة. أذكر حتى اليوم حالة الانشراح التى طافت بها عيناى فى المكان، وحالة الانبهار. أنا من عشقت منطقة سانت كاترين فى سيناء لأن الله سبحانه قد كلم فيها سيدنا موسى عليه السلام. كم كان عظيما شعورى بسعادة الروح عند الوصول إلى وادى الراحة، ذلك المكان المبهر الذى شهد معجزة ما جرى للعصا عقب سؤال المولى سبحانه وتعالى لسيدنا موسى حول ما تلك بيمينه، مؤنسا ومطمئنا له عبر مخاطبته باسمه محددا ياموسى عقب السؤال حول وما تلك بيمينك حيث رد موسى بإجابة تفصيلية كأنه يحاول عبرها أن يطيل مدة الكلام مع المولى سبحانه فلم يكتف بتحديد أن ما فى يمينه هى عصاه، إنما أخذ يعدد استخداماته لها بقوله أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى. ثم حين نفذ موسى أمر الله سبحانه وألقى العصا فإذا هى حية تسعى وما أعقب ذلك من أن أعادها الله إلى سيرتها الأولى حين نفذ موسى الأمر التالى بأن يأخذها ولا يخف. فى تلك المنطقة المباركة تذوقت طعما غامرا للصفاء، واغتسلت روحى، وارتويت. صفاء شبيها بما شعرت به عندما دخلت دير العذراء فى جبل أسيوط، ذلك الدير الذى شهد نهاية رحلة العائلة المقدسة إلى مصر والتى غمرتنى بمجرد اقترابى من مدخله حالة من الصفاء والنورانية التى ظلت ترافقنى حين دلفت إلى الداخل حيث فيض من الصفاء والشعور بمقدرة نادرة للروح للتحرر من الجسد والتحليق فى أجواء أرض شهدت مجئ العائلة المقدسة. فللأماكن التاريخية طعم خاص، وتزداد خصوصيتها حين تتجاوز كونها تاريخية إلى كونها من الأماكن المقدسة، حيث تكون لها هيبة وحضور يوقظ فى النفس الخشوع ويبعث أحيانا على استحضار ما سبق أن مر بها من ناس وأحداث كبرى، من صالحين وأنبياء، فتهل أنوار وتستيقظ من داخل النفس روحانيات تنعش الوجدان وتأخذ الإنسان إلى براح ملكوت المولى سبحانه فتسمو وتعلو وترفرف وتتجلى عليها العطور المعتقة من سالف العصور. تبارك الخلاق الذى يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل فتمر الأيام وتدور السنون، ويظل همس سريان ما كان فيما مضى وشعورنا به متجليا على المكان الذى جرى فيه سر يفتح الله به على عباده حين يشاء فينال من ينعم بهذا التجلى حالة من الصفاء الروحى والسعادة الوجدانية التى لا تضاهيها سعادة ولا تماثلها حلاوة. فما بالنا حين يكون هذا المكان هو الحرمان الشريفان وأماكن شعائر الحج التى تشهد اجتماعا للمسلمين يأتون مجيبين من كل فج عميق. هنيئا لمن طاف وسعى ولبى وكبر بالأراضى المقدسة، وأيضا من تابع وشاهد عبر الفضائيات محبا مشتاقا متلهفا متضرعا ملبيا من بعيد ومكبرا، هامسا ذاكرا خاشعا، ومتمنيا ما فيه الخير من المولى الحنان المنّان.؟