بعض الأعصاب .. ربما تكون قد هدأت .. وشخصيا وعلي المستوي البرجماتي .. أتمني أن تهدأ كل الأعصاب بما يتجاوز هذه الأزمة التي فتحت جرحا عميقا بيننا وبين الجزائريين .. يحتاج إلي الكثير من الوقت ومن الجهد الجزائري الرسمي والشعبي .. لعل الأمور بيننا تقترب مما كانت عليه قبل ليلة اعتداءات الجمهور الجزائري علي الجمهور المصري في العاصمة الشقيقة الخرطوم، وقبلها اعتداءات علي المصريين في الجزائر وترويعهم وتهديد سلامتهم ومصالحهم. خاصة أن الأزمة قد انتقلت إلي مستوي ثالث من الإدارة السياسية والدبلوماسية الدقيقة يتعامل مع حسابات موضوعية تقوم علي اعتبارات العلاقات التاريخية والمصالح المتبادلة علي أرضية أنه لا قبول ولا تسامح مع تطاول أو إهانة أو مس لكرامة مصري او غيرها أو ترويعه وتهديد سلامته في الجزائر أو في أي بقعة من بقاع الأرض .. فجاءت الرسالة الرئاسية الصارمة عندما شدد الرئيس مبارك علي أن كرامة المصري من كرامة الوطن .. وأن كرامة مصر من كرامة المصريين. كلمات الكرامة خرجت من قلب الطيار مبارك الذي عاش تفاصيل عمره مقاتلا من أجل كرامة الوطن مشاركا في كل معاركه .. حربا من أجل استرداد كل ذرة من تراب الأرض .. وسلاما من أجل بناء أركان ومؤسسات وطن يليق بجغرافيته وحضارته وتاريخه ودوره وتأثيره في محيطه ودوائره وامتداده .. مكانا ومكانة. قلب مصري لم تعرف نبضاته سوي النخوة والمروءة والشهامة .. ولم تجر في عروقه سوي العقيدة الثابتة في أن كرامة الوطن وكرامة المواطن هي الأغلي من الحياة نفسها .. والأثمن من كل المصالح .. انحيازا علي طول الخط إلي البسطاء وكرامتهم بما يرفع عنهم ضغوط تفاصيل الحياة اليومية .. أبوابا للرزق .. ضمانة اجتماعية .. معاشا .. تأمينا صحيا. كلمات الكرامة التي توحدت مع قلوب ملايين من الشباب المصري الغاضب في مظاهرات أمام السفارة الجزائرية .. وقاد حملات الرد الإلكترونية علي صفحات الفيس بوك واليوتيوب وغيرها في وجه كل ما اعتبره إساءة مست كرامته وكرامة بلده وقدسية علمه.. فتوحد بها مناديا هاخد حقي. ولعلكم جميعا مثلي واجهتم مع أبنائكم ما واجهته مع ابنتي طالبة الطب سوزانا التي ظلت تتابع بكل الغضب تفاصيل الساعات الأولي من ليلة المباراة تجري الاتصالات الهاتفية بأصدقائها وزملائها في متابعة تفاصيل وأخبار اعتداء الجمهور الجزائري علي المصريين في السودان وتعود في كل مرة لتسألني بكل حدة: هانسكت !؟.. مش هانسكت.. عايزين حقنا .. هاناخد حقنا. أصدقكم القول .. للمرة الأولي لم أعرف الإجابة عن كل هذه المطالبات الغاضبة .. قلت هو التعصب الأعمي المجنون العنيف للعبة كرة القدم .. ردت لقد فازوا بالمباراة فلماذا الاعتداء؟ .. قلت: أشقاء عرب فقدوا أعصابهم .. بيننا وبينهم علاقات تاريخية قومية .. ردت: وهل من سلوك الشقيق الاعتداء علي شباب وأطفال ونساء وترويعهم بالطوب والسكاكين والسنج والمطاوي.. ليسوا إخوة وليسوا أشقاء .. وهناخد حقنا. نفس الأسئلة ونفس علامات الغضب ومظاهره، بل نفس الإجابات دارت بين شباب مجلة صباح الخير .. وباستطلاع رأي بسيط أجريناه بين شرائح اجتماعية مختلفة في نفس السن .. وجدنا الاتفاق التام علي معنيين: الأول: مش هانسكت، والثاني هاناخد حقنا! وفي الصفحات القادمة قرر شباب مجلة صباح الخير تفسير هذه المعاني بوضع مشاعره وأحاسيسه في حروف علي الورق .. نعم حروف وكلمات مشتعلة وغاضبة، ولكنها في نفس الوقت تلقائية صادقة.. واختاروا العنوان الرئيسي .. حلوة يا بلدي. نظم الشباب مظاهرة أمام السفارة الجزائرية تحت شعار مش هانسكت وردد فيها كل ما اعتبره نوعا من الرد علي إهانة مست كرامتهم وكرامة الوطن .. وتحت شعار هاناخد حقنا راسلوا الآلاف برسائل SMS والبريد الإلكتروني يدعونهم إلي حملة للاعتراض الإلكتروني علي الجزائر والجمهور الجزائري موجهة إلي الفيفا وهيئات دولية أخري. غضب الشباب لم يكن غضبا لخسارة مباراة .. والحق الذي أرادوه لم يكن حق صديق أو أخ أو جار تعرض لاعتداء ترهيبي ترويعي فهم لا يعرفون من تم الاعتداء عليهم شخصيا .. لا يعرفون سوي أنهم مصريون ينادون باسم مصر ويرفعون العلم المصري. وإنما غضبهم جاء انتصارا لقيمة انتماء إلي أرض ووطن وعلم مقدس .. تصورنا وظننا أنهم يرسمون ألوانه علي وجوههم ويرفعونه ملوحين .. فقط في مباريات المنتخب الوطني .. ولكنهم هزموا كل تصوراتنا وخيبوا كل ظنوننا عندما أثبتوا لنا أن رسم علم مصر علي الوجوه والتلويح به إنما هو قيمة انتماء وغيرة علي كرامة المصري وقدسية علمه الوطني. وعلي التوازي أعلن السياسيون والمثقفون والفنانون غضبهم بشكل آخر في مقاطعات ووقفات احتجاجية تحت سفح الهرم رمز الحضارة المصرية، رفضت السلوك الإجرامي البلطجي لجماهير جزائرية أرادت مس كرامة المصريين بالاعتداء عليهم وإرهابهم وترويعهم في السودان وفي الجزائر نفسها. حالة توحد تحت مظلة رسائل رئاسية وغضب شبابي لم يتطاول ومقاطعات متحضرة غيبت أصواتا مشبوهة التمويل والأغراض وجماعات ظلامية ظلت تراهن علي حملات تشكيكية مستترة وراء دعاوي المعارضة تريد كسر القيم النبيلة في الشباب وانتمائه وغيرته علي علمه وكرامة أبناء وطنه . حالة توحد.. فيها ضمن المستوي الأول من الإدارة السياسية تأمين سلامة الجماهير المصرية من الاعتداءات الجزائرية عقب المباراة مباشرة وسرعة إخلائهم من العاصمة السودانية الشقيقة مهما كانت الاعتبارات وأيا كانت الإجراءات التي يجب أن تتخذ .. إلي أن وصل كل مشجع مصري إلي أرض الوطن في ساعات معدودة .. سالما معززا مكرما. والمستوي الثاني في استدعاء السفير الجزائري وإبلاغه بالاستياء والغضب المصري من الاعتداءات علي المصريين في السودان والجزائر في خطوة أولي .. واستدعاء السفير المصري في الجزائر للتشاور وهو إجراء له معني ودلالات علي المستوي الدبلوماسي والسياسي كخطوة ثانية .. والمستوي الثالث تحدثت عنه في بداية هذا المقال. حلوة يا بلدي.