لا أجلس أمام شاشة التليفزيون بعيون متربصة أو مترصدة لما أراه أمامي سواء كان برنامجاً أو مسلسلاً!! ولا أشاهد التليفزيون وأنا أرتدي ثوب الناقد المحترف ولا جلابية الناقد الهادي! ولا "شورت" الناقد المبتدئ!! ولا أبحث في أدراجي عن نظريات أرسطو في الدراما أو كتب فن المحاورة والمداورة مع نجوم السياسة والفن والرياضة! ولا أزعج نفسي كثيراً إذا شاهدت برنامجاً تافهاً عبيطاً وعلي الفور أبحث عن المتعة في برنامج آخر!! مشاهد ربع ناقد! ولا أوجع دماغي برصيد الأخطاء الكبيرة أو الصغيرة التي تظهر في المسلسلات الدرامية من عينة أن المسلسل تدور أحداثه في الستينيات بينما يظهر في الخلفية من يمسك بالموبايل يتحدث فيه باهتمام شديد. ولا يضايقني أنني لم أتابع إلا خمسة مسلسلات فقط وفاتني مشاهدة خمسين مسلسلاً آخر!! واللي ما يتشافش النهارده يتشاف بكرة أو بعده ولا داعي للاستعجال والعجلة، فالعجلة من الشيطان!! لست ناقداً بل ربما بعد سنوات من المذاكرة والمشاهدة يمكنني أن أصبح ربع ناقد!! ومن الظواهر اللافتة في البرامج الحوارية لهذا العام كانت إجابات ضيوف هذه البرامج من الفنانين والفنانات أو حتي نجوم الكرة أنهم لا يقرأون ما يُكْتب عنهم من نقد أو هجوم. وعندما يكون الاستفهام ولماذا؟! تجئ الإجابة الغريبة؛ لأنه نقد هدام وليس نقداً بناءً!! هل لو انتقد كاتب أو صحفي نجمة أو فنانة لأنها لا تكف عن الشتائم بمبرر أو دون مبرر طوال المسلسل، فهذا نقد هدام؟! وهل لو انتقد كاتب أو ناقد كثرة العبارات الهابطة والجنسية في مسلسل ما فهو ناقد هدام؟! إن هذا يذكرني بنوعية من المدربين الذين احترفوا تحليل المباريات وأحدهم تخصص في نقد وهجوم "الجوهري" والآن حسن شحاتة" فكلاهما- الجوهري وشحاتة- لا يجيد قراءة أوراق الملعب ولا يدرس الفريق المنافس، وكلاهما تقليدي في التدريب، الأعجب أن هذا المدرب المحلل أقصي إنجازاته مع الفرق التي دربها كان النجاة من الهبوط إلي دوري المظاليم والبقاء في المركز العاشر أو الحادي عشر!! ثم ما هذه المناحة التحليلية عقب كل مباراة مهمة أو تافهة وهات يا كلام فارغ، وتنظير حول صعوبة الخطة 4-4-2 التي يمكن أن تصبح 4-3-3 أو 5-3-2 حسب مقتضيات اللعب!! من الأشياء اللافتة للنظر كان برنامجيا "دويتو" للفنانة المطربة ذات الصوت الرصين والجميل "ديانا كرازون" وبرنامج مع نصير شمة الموسيقار العربي العبقري.. كلاهما استضاف أسماء لمطربين ومطربات أعادونا إلي زمن الغناء الجميل والطرب الأصيل، حيث كان الغناء غناء بحق وحقيقاً، لا رقص وأجساد تتمايل هنا وهناك، استعاد البرنامجان روائع عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش بكل ما فيها من جمال وصدق حيث كان الزمن زمن "أنت عمري وسيرة الحب والجندول وخايف أقول اللي في قلبي" وغيرها. كانت المتعة ستكتمل لو رأيت العبقري الجميل الرائع الموسيقار "عمار الشريعي" صاحب البصيرة الموسيقية المتميزة ولا أحد ينسي له "أكاديميته" المتميزة التي أتاحت لنا فهم وعشق روائع الغناء العربي عبر برنامجه العبقري في الإذاعة "غواص في بحر النغم". إن عبقرية "عمار الشريعي" في الكلام عن الموسيقي والغناء بعلم ودراسة وبساطة لا تقل عن عبقريته في التلحين.. وعشاق الغناء الحقيقي الذي يخلو من العنب والبلح ينتظرون برنامجاً دائماً من إعداد وتقديم عمار الشريعي. وبالمناسبة ليس من الذوق أو حتي الكوميديا تشويه اسم البرنامج الشهير وتحويله إلي شيء ساذج بلا معني اسمه "لغواص في بحر النغم"!! لا تخلو محطة فضائية من برامج الأكل والطبيخ، وكلها تتفنن في تقديم عشرات الأكلات والوصفات المنطقية وغير المنطقية، وقد جربت أكثر من مرة أن أنفذ نصائح وعلم نجوم هذه البرامج من الشيفات- جمع شيف- ولم أفلح إلا في عمل طبق فول مدمس بالزيت الحار والليمون والشطة!! لكن هذا لا يمنع من الإعجاب "بحسين الإمام" في برنامجه "حسين الإمام والبنات" ففيه الثقافة الغذائية وخفة الدم ومناقشة القضايا الاجتماعية والحياتية مع البنات. أما المذيع الذي أتمني أن أحل محله في تقديم برنامجه فهو "عباس فهمي" الذي يقدم برنامج "عباسيات" عبر إحدي الفضائيات الخاصة، فهو يذهب كل يوم إلي مطعم شهير ويطلب منه إعداد وجبة ما، كباب، طرب، كفتة، حمام محشي، لحمة رأس، كشري، مكرونة، ويدور الحوار بينه وبين صاحب المحل حول السر الذي تشتهر به مأكولات مطعمه، وهكذا أضمن تناول أكلة معتبرة مجانية لا أحلم بها في حياتي، كما أنني سأصبح مذيعاً غذائياً تسعي ورائي الفضائيات للاحتراف بها!!؟