تأملوا مسلسلات رمضان التى تعرضها قنوات التليفزيون.. ستكتشفون أن جميع الممثلين فى هذه الأعمال الفنية يتكلمون، ويمطون فى نطق الكلمات، ويحاولون التأكيد لنا أنهم يتكلمون.. وعلينا أن ننتبه!! مع أنه لو تم حذف نصف كلمات الحوار فى بعض هذه المسلسلات.. لما تغير شىء.. بل بالعكس ازدادت قيمته.. وازداد وضوحا ورقيا! والمشكلة الحقيقية فى صناع هذه المسلسلات، أنهم يعتقدون أن الصمت أو اختيار أقل الكلمات المعبرة، هو نوع من العجز وعدم القدرة على ملء المساحات، أو بمعنى أدق ملء زمن حلقة المسلسل.. وبعض الممثلين يحسبون مدى أهمية أدوارهم بحجم ما ينطقون بها.. فلو كان الحوار قليلا.. فهذا معناه عدم إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن موهبتهم فى الأداء.. وكأن الأداء هو فقط أداء الصوت وبالتالى أصبح الهم الأكبر هو حشو الكلام، وإعادة ما قيل مرات ومرات.. وأن يتكلم الجميع.. وأن ترتفع نبرات الصوت وتعلو إلى أقصى حد حتى يسمع القاصى والدانى. وهكذا تحول الكثير من المسلسلات إلى ضجيج وثرثرة فارغة.. وضاعت قيمة الكلمة.. وضاعت أيضا فضيلة الصمت والتأمل.. بل إن بعض مخرجى هذه الأعمال الفنية عندما يكتشفون إحدى مناطق الصمت فى أعمالهم، نجدهم يسرعون بتغطية هذا الصمت بموسيقى تصويرية عالية الصوت. وكأنه لا مفر من استخدام الصوت بأى وسيلة. بينما إذا قارنا بين ما يحدث عندنا.. وما يحدث فى المسلسلات والدراما الأجنبية.. نجد الصوت المنخفض المعبر الذى يصل إلى مرحلة الهمس حتى فى أعقد المواقف الدرامية.. ونجد مساحات الصمت التى تتيح للممثل استخدام قدراته الفنية فى التعبير بالوجه أو حركة الجسد.. سواء كانت هزة رأس.. او ارتعاشة حضن.. أو نظرة عين. فالفرح والحزن والقلق والأمان والخوف.. مشاعر إنسانية يتفاوت التعبير عنها من شخص إلى آخر، ولكن ليس بالضرورة أن يكون التعبير بالكلام والشرح والتفسير الممل.. ذلك أن جمهور المشاهدين وهم أيضا لهم مشاعر إنسانية يملكون حاسة الفهم والإدراك وليسوا فى حاجة لأن يظهر لهم أحد على الشاشة ليقول "أنا فرحان علشان كذا وكذا" أو "أنا قلقان علشان كيت وكيت" فإذا لم يكن المشهد الدرامى يوحى بهذه الحالة.. فالعيب هنا فى الدراما نفسها.. فى المؤلف والمخرج اللذين استسهلا التعبير المنطوق بدلا من التعبير المرئى. وأخطر ما فى هذا الموضوع.. هو ترسيخ عادة الكلام لمجرد الكلام فى الفاضى والمليان.. وأصبحنا نتكلم كثيرا.. ونتكلم طويلا.. ولا نتوقف عن الكلام.. وكأننا فى مباراة لمن ينتصر بالضربة القاضية بالكلام، والنتيجة.. نحن جميعا خاسرون ونحن جميعا ضحايا أسوأ عاداتنا. على هامش رمضان يحيى الفخرانى.. فنان بارع بكل المقاييس يعرف متى يتكلم.. ومتى يصمت له طلة خاصة وموحية بالبراءة أحيانا.. وبالخبث أحيانا وفى كلتا الحالتين هو لا يمثل. إنما نشعر معه بالصدق.. ولهذا ننتظره بشدة فى مسلسل "ابن الأرندلى" ومعه تتألق وفاء عامر ومعالى زايد وعبدالعزيز مخيون فى نص جيد كتبه وليد يوسف وأخرجته رشا شربتجى. مسلسل "حرب الجواسيس" نموذج رائع للمسلسل الذى يأخذك خطوة خطوة إلى عالم الجاسوسية دون افتعال أو مباشرة سخيفة وهو ما يحسب للكاتب بشير الديك والمخرج البارع نادر جلال وتمكن هشام سليم ومنة شلبى فى أداء دوريها. محمد صبحى يعود إلى تألقه مع مسلسل "أحفاد ونيس" كاتبا ومخرجا وممثلا ولاينسى لمسة الوفاء للذين شاركوه من قبل فى أجزاء هذا المسلسل فى لوحة تذكارية فى نهاية كل حلقة. فى برامج الحوارات نجحت المخرجة "ساندرا" فى الاحتفاظ بشخصيتها البسيطة الواثقة.. وهى تحاور نجوم برنامجها "المخرج" بينما استخدمت "لميس الحديدى" كل أسلحتها فى المباغتة والصوت العالى فى برنامجها "فيش وتشبيه".. ومهما كانت شطحاتها إلا أنها نموذج متميز للحوار التليفزيونى الناجح.