بقلم : د. أحمد عبد الرحمن الشرقاوي تعالت صيحات الثوار فى الميادين مجمعة على ثلاثة مطالب محددة: هى سرعة تسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة والقصاص العاجل من قتلة الشهداء وتطهير مؤسسات الدولة من بقايا النظام السابق. هذه هى مطالب الثورة بعد عام كامل، فدعونا - بداية - نتساءل ما معنى كلمة ثورة؟. هل هى وجهة نظر يعتنقها مجموعة من المعارضين لأوضاع سياسية واجتماعية فى بلد ما؟. هل هى حركة احتجاجية على ظروف معيشية ظالمة؟. هل هى مبادرة إصلاحية لنظام سياسى واقتصادى يعانى الركود؟. هل هى تغيير رأس النظام مع بقاء نفس النظام؟. إن معنى كلمة ثورة أعمق وأشمل وأبعد من ذلك. الثورة تعنى اقتلاع نظام كامل من الجذور وبناء نظام جديد يقوم على أسس راسخة من خلال منظومة متكاملة للتطهير والتغيير والتنمية والنهضة.. مشروع شامل للقضاء على أنظمة فاسدة لا يجدى معها محاولات الترميم أو أى حركات إصلاحية يقوم بها أنماط من البشر هم أنفسهم استفادوا من وجود هذا الفساد من قبل، ولا يعقل بداهة أن يقيموا المحاكمات لأنفسهم. الأديان فى معظمها كانت ثورات اجتماعية وإنسانية وأخلاقية علمت الأنسان ألا يهادن فى اقتلاع كل أوثان الشر والضلال والفساد مهما تكن ضراوة المعارك مع شبكات المصالح التى يشكلها كهان تلك الأوثان. انطلقت ثورة الأديان من كلمة التوحيد لتسقط كل صنوف الاستعباد والاستغلال لتحرر المستضعفين وتحطم دساتير القهر الاجتماعى وقوانين التسلط الروحى على رؤوس صناعها. من هنا تهدم الثورات كل الشرعيات والدساتير السابقة، وتفرض شرعية واحدة هى شرعية الثورة. من هنا يصبح أبطال أى ثورة، إذا حكمنا القوانين أو الدساتير السابقة للثورة، مجموعة من الخارجين على القانون، وعلى الشرعية مهما تكن ظالمة!.. عندئذ يبدأ المأزق الحقيقى الذى نحن بصدده. فإذا اعترفنا أننا بالفعل إزاء ثورة حقيقية، يصبح لا مفر من إقرار مبدأ الشرعية الثورية بما تفرضه من محاكمات ثورية عاجلة تحقق القصاص العادل من قتلة الثوار ومخربى الوطن وعصابات الفساد. لا يمكن أن يشفى غليل هذا الشعب الذى قهر وعذب وتم عن عمد تهميش شبابه ونابغيه وقتل وإصابة أبنائه إلا عن طريق عدالة ناجزة وسريعة حاسمة من خلال محاكم ثورية تفرضها الشرعية الثورية ولا يعنى هذا محاكم استثنائية وإنما محكمة ثورة تستطيع ملاحقة هؤلاء الذين أفسدوا حياتنا السياسية على مر ثلاثة عقود، ولا يوجد فى المحاكم العادية ما يمكنه أن يفعل ذلك. لقد خرجت الجماهير لتعلن عن إصرارها على تحقيق مطالب الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية وأجج غضبها ما تراه من محاكمات وصفها الشارع بوضوح بأنها هزلية «تمثيلية»، قد تؤدى إلى عواقب وخيمة من إشعال للحرائق باستمرارها على هذا النحو. خرجت جماهير الشعب الثائرة لتعلن أنها وحدها هى التى تصنع مصيرها لأن الشعوب أبقى من حكامها ولن تقبل وصاية أو تثق بوعود جديدة، ولم تعد تقبل أية مؤامرات لتعطيل الثورة وتشويه الثوار بإيعاز من المركز الطبى العالمى، أو من طرة أو من خارجها. إن المصلحة الوطنية العليا تستدعى الانتقال إلى سلطة مدنية سياسية منتخبة، حيث لم يعد ممكناً تحمل المزيد من التناقض والارتباك. ولم يعد ممكنا تحقيق أى نوع من الاستقرار بمواصلة التشويه والتخويف والقمع والخداع والقهر وفقدان الثقة بعد فقء الأعين وهتك الأعراض دون محاسبة ملموسة على أرض الواقع. حتى من قبيل الحرص فى المقام الأول على صورة جيشنا العظيم كمؤسسة وطنية راسخة مشرقة عزيزة شامخة، لها فى قلوبنا جميعاً ما يستحيل نفاده من تقدير وعرفان ومحبة، وحفاظاً على تاريخ باسل مجيد سيظل خالداً فى وجدان شعبنا وحتى لا يصدمنا من جديد هذا المشهد الحزين حين استقبل الشعب جيشه بالورود والقبلات والهتاف المدوى «الجيش والشعب إيد واحدة» فى بدء الثورة، ثم تحول إلى «يسقط.. يسقط حكم العسكر» بعد مرور عام على الثورة!