من أيام زمان وهما صاحبان ، فكلاهما مهندس كمبيوتر مع أن كل واحد منهما أبدع فى مجالين مختلفين إنهما الفنان التشكيلى سمير فؤاد، وشاعر العامية المتميز أمين حداد اللذان قررا أن يقدما تجربة فنية شعرية مختلفة فى معرض «من الوطن للجنة» والتجربة تمزج بين أشعار أمين ورسومات سمير وكلها تدور حول قيمة ثورة 52 يناير والتعبير عنها وعن وجوهها بالكلمة والرسم، واللافت أنه برغم اختلاف الوسيط إلا أن الحالة الوجدانية الانفعالية للشعر والرسم بدت واحدة ومتسقة لنصبح أمام عمل فنى مهم يعد إحدى الثمار الفنية للثورة التى جمعت من قبل بين أطياف الشعب فى أحداثها وها هى الآن تجمع فنون هذا الوطن على هوية مصرية المذاق لغة ومضمونا. والمعروض يمثل حالتين متوازيتين تتماسان أحيانا وتتقاطعان فى أحيان أخرى ثم تتلاقيان فى حب الوطن، وهذا معناه أن الرسوم التى أنجزها سمير فؤاد لم تكن مصاحبة للشعر برغم كونها كذلك، لأن كلا منهما - سمير وأمين- عبر عن الثورة برؤيته قبل وأثناء أحداثها وتلاقيا انفعاليا ووجدانيا لنكون بصدد رؤيتين يكملان بعضهما، الأولى يستخدم فيها أمين لغة الكلام لينسج بها حالة وجدانية عبر فيها عن آمال وأحزان وطن يعيد صياغة حاضره ومستقبله، والرؤيا الثانية الموازية لسمير فؤاد هى رؤية رسام يستخدم لغة الأشكال ليعبر برؤية بصرية عن ذات الهموم التى تجمعه مع الشاعر، والمعرض يضفى هذه الحالة من خلال عرض مقتطفات من الأشعار بجوار اللوحات لتؤكد على حالات التوازى والتلاقى بين الرسام والشاعر، وتأكيد العلاقة بين ما تقوله الخطوط والألوان وتلك التى تثيرها الحروف والكلمات . وإذا كانت قصائد الديوان تمتلئ بقاموس جديد نشأ مع ثورة 52 يناير مثل «الميدان، المظاهرة، دنيا جديدة» فإن اللوحات تمتلئ بألوان الأحداث وأبرزها علم مصر وصور الشهداء والمدرعات ورجال الأمن الذين يظهرون فى أعمال المعرض كنغمة نشاز تؤكد المعنى وتوضحه. *رؤية واحدة ويحكى لى سمير أن معرفته بأمين ترجع إلى التسعينيات ويتابعه عن كثب، وأنه متأثر بأشعاره وجدانيا مثلما يتأثر أمين بلغته البصرية التى خدمت على موضوع المعرض الذى جاء بالصدفة حيث تأثر هو - أى سمير - بأحداث يناير كغيره من المصريين وبدأ ينفعل مع أحداث الثورة العظيمة التى انتظرناها طويلا ومثلت عصرا جديدا فرسم العلم لأنه رأى أن ميدان التحرير يتجسد فى العلم . وأضاف : إنه بمرور الوقت والأحداث أخذ يرسم على تنويعة العلم ورسم أيضا بورتريهات لوجوه المصريين والشهداء وتلاقت هذه الرسوم مع ما كان يكتبه أمين فقررا إصدار الديوان ومصاحبة الرسم له وأن يضما كل ذلك فى معرض «من الوطن للجنة»، ونجح فى رسوماته بأن يلجأ لاساليب فنية مختلفة كالكولاج والاستفادة من فن الجرافيك الذى ترعرع مع الثورة. ويرى سمير أن الكتابة والرسومات مثلت رؤيتين فى رؤية واحدة، خاصة أن بهما انفعالات وجدانية، وكلاهما لم يلجأ لوصف الحدث وخرجت أعمالهما منفعلة بشكل إيجابى وتبدو متفائلة وتعبر عن الأمل والفرح وترمز للمقاومة وتخليد ذكرى الشهداء. أما أمين حداد فقد بدا سعيداً بقصائده التى أكد أنها إحدى الثمار الفنية للثورة، ورغم أن القصائد منها ما كتبه قبل الثورة وبعدها إلا أن هناك شيئا ما يربطهما وهو أنها تنتصر للشعب المصرى وتحتفى به باعتباره شعباً أثبت أن الأساطير حقيقة وهو ما يضمنه أمين فى قصائده «الوطن والأسماء وبهجة البدايات ورسالة من الشهداء» والتى يقول فيها «يا مصر يا منصفة / يا عارفة أعداءك / إحنا اتولدنا عشان نكون شهداء / إحنا الحياة الحرة فى الأحياء» وفى قصيدة «من الوطن للجنة» يقول «آن للروح الحبيسة أن تنطلق / إلى السماء لى اشتهاء / شايف طريقى من الوطن للجنة / ولا تحسبن أننى سأموت / أنا عند ربى، أرزق مع الشهداء» وفى قصيدته فى حقيقة الأمر يقول «عارف الشجرة إللى ورقها كان مضفًّر / دلوقتى أخضرت / علشان كده أنا جبت خريطة مصر / ومليتها وشوش مبتسمة وغضبانة،.. والشمس اتوصت بالنور القايد / علشان كده غنت «الشعب جماله زايد» وأخيرا يروى فى قصيدة مصر فى القصيدة «ومصر هى الحبيبة إللى بتتحب / والكل حبيبها / سكنت جميع القصايد / ومش حتسيبها»