ما بين الحزن والفرح وما بين الدهشة والذهول وما بين المفاجأة وخيبة الأمل ومابين الحياة والموت عشنا أيام العام الذى مضى ولا نتصور أنه مضى من فرط مخلفات الهموم والقلق والخوف التى تركها لنا. ميراث صعب من الكذب والغش والنهب والسرقة والتهريب. ميراث صعب مشاكله كثيرة ومتداخلة لا نعرف أين تكون نقطة البداية للتحرك السليم بعد أن اهتزت البوصلة فى أيدينا! امتلأت الساحة بالأصوات العالية لأصحاب الفتاوى الذين يراهنون عليها بأنها هى الحل الشافى للأزمة ودخلت الفضائيات فى هذا السباق مدعومة باتجاهات معينة ورءوس أموال بالملايين وازداد اشتعال الموقف وأصبح مألوفا أن يسأل المواطن العادى جاره الذى يقف بجواره على الرصيف: أنت فاهم حاجة؟ فيرد الجار بذهول وحيرة: بأحاول أفهم.. بس الحكاية متلخبطة على الآخر. واستسلمنا لحالة عدم الفهم واللخبطة وانشغلنا بالوقفات الاحتجاجية لتعديل المرتبات والمطالبات بالمزايا والمكافآت الضائعة، ونسينا السؤال الأهم: إحنا رايحين على فين؟ بينما نخسر كل يوم مئات الملايين من توقف إنتاج بعض المصانع وهروب السياحة لعدم توافر الأمان وانتشار البلطجية وبدأت ميزانية الدولة تعانى من بوادر إفلاس!.. كارثة حقيقية رغم ذلك اختفى المناضلون بالصوت حفظة الشعارات ظهروا فقط على أبواب الأحزاب الجديدة يبحثون عن أى دور ثم انتقلوا إلى مكاتب قنوات الدش يعلنون عن أنفسهم مستعدون للكلام فى أى موضوع مستعدون لافتعال معارك لتسخين برامج «التوك شو» وكله بتمنه! وتكاثرت الأحزاب الجديدة وتشابكت أسماؤها حتى أصبح من الصعب معرفة الفروق بينها حتى شباب الثوار اختلفوا فيما بينهم وانقسموا إلى ائتلافات بعناوين مختلفة ولم يسلم ثوار التحرير من الانقسام ليظهر ثوار العباسية. وهذا التفتيت لم يستفد منه غير جماعة الإخوان المسلمين الذين حصنوا مواقعهم وانتشروا فى الأحياء الشعبية والقرى يقدمون خدماتهم ويبشرون بالجنة لمن يدخل فى صفوفهم ويختار واحدا منهم. واكتسح الإخوان فى الانتخابات مما أثار غيرة السلفيين وبدأوا يكثفون وجودهم فى المحافظات التى لم تجر فيها بعد الانتخابات. وفى نفس الوقت أعلن السلفيون عن وجودهم فى الشارع المصرى من خلال جماعة النهى عن المنكر، فتحت الباب لاختيار المطوفين الذين سينتشرون فى الشوارع لضبط المخالفين لأوامر الدين وجهزت كل واحد منهم بعصا خيزرانية إلى حين توفر العصا الكهربائية للسوعة البنات والسيدات اللاتى لا يلتزمن بالزى الشرعى. تصوروا أن هذا ممكن أن يحدث فى مصر بلد الحضارة والفن والجمال؟ الإجابة: حدث بالفعل هذا الأسبوع فى حى مصر الجديدة حينما انهال أحد المطوفين الذى يرتدى الزى الرسمى لهم «الجلباب والعصا» على فتاة ترتدى بنطلونا اعتبره مثيرا للفتنة! فى نفس الوقت الذى أعلن فيه أحد قيادات السلفيين أنهم ملتزمون بتطبيق الحدود تدريجيا على السياح الذين يخالفون تعليماتهم فى الملبس والشراب، وكلمة تدريجيا مفتوحة بالطبع حسب تصوراتهم. أما الخوف والقلق الذى تسلل إلى المجتمع من المتغيرات السياسية والدينية الجديدة سيكون لها الأثر الضار على الاستقرار والتنمية وأسوأ الآثار على السينما والمسرح والتليفزيون. من الجنون أن نتصور أن رصيد مصر من الفن والأدب يمكن أن يتحول إلى ساحة ألعاب لجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. إن الحرية التى ارتبطت بها عناوين الأحزاب الجديدة ليست بالتأكيد هى حرية التخلف والجهل.
ما مضى من عمر ثورة 52 يناير ليس عمرا ضائعا ولكنه عمر انفتحت فيه أبواب المستقبل. هى تجارب لابد منها بعد ثلاثين عاما من التحجر. لقد أينعت الأرض من جديد وامتلأت الصورة بوجوه شباب رائع لا يخاف الموت فالاستشهاد عنده هو وسام على قبره ودماؤه عطر الحياة. ولا يحق لهذا الشباب الرائع أن يختفى من الصورة لابد أن نراه ونسمع صوته ونعرف كيف يفكر وكيف يقرر وكيف يتحدى كل العوائق. ولا نقبل أن نسمع من يتحدث باسمهم. لقد مضى عام على الثورة ونريد أن نراهم فقد مللنا الوجوه القديمة. الاعلاميان يسرى فوده وريم ماجد قناة «on tv» تثبت مع مرور الأيام أنها القناة المتكاملة سياسيا وخبريا واجتماعيا يتقدم الصفوف الإعلامى الأمين «يسرى فودة» فى برنامجه «آخر كلام» يفاجئنا يوميا باختياراته الذكية لموضوع يطرحه على ضيوفه للمناقشة بأسلوب راق وصوت هادئ ومعلومات متكاملة. إنه النموذج للمذيع الذى يعرف متى يتكلم وماذا يقول، تنافسه على الجانب الآخر فى نفس القناة المذيعة «ريم ماجد» بحضورها الواثق فى برنامج «بلدنا بالمصرى» وبساطة وعمق حواراتها مع ضيوفها واستخدامها لمفردات لغوية فيها موسيقى الشعر وعذوبة المعنى. إن هذا الثنائى «يسرى وريم» نموذجان لفن الحوار التليفزيونى الممتع القائم على الدراسة والعمق وبساطة التعبير.