منذ أن وقعت ثورة 25 يناير والفنانون التشكيليون يتعجلون فى تسجيل الثورة وأحداثها، مما أصاب هذه الأعمال بالمباشرة، وهو ما أفقدها الحالة الفنية التى من المفترض أن تواكب الثورة العظيمة، وهذا الأسبوع يقدم د. يحيى عبده واحدًا من أهم المعارض الفنية التى تتناول ثورة 25 يناير بعنوان «زهور وصخور فى 25 يناير» حيث يقدم مجموعة من اللوحات التى تبرز الثورة وملامحها وأحداثها بشكل رمزى غير مباشر يكاد يواكب عظمة الثورة المصرية وتأثيرها فى شكل صراع بين الزهور رمز الشباب والصخور رمز النظام البائد الفاسد. فى قاعة كلية الفنون الجميلة تتألق أعمال معرض الفنان يحيى عبده الذى يستمر حتى 16 ديسمبر الجارى، وتتألق الألوان التى توحى بالثورة ويبرز الفنان الصراع الكبير بين الزهور والصخور، ويكاد يقدم الفنان سيناريو بالصورة والألوان لأحداث الثورة بدءًا من سيطرة الصخور على كل شىء فى حياتنا إلى أن تنجح الزهور فى إزاحة تلك الصخور من المشهد، بل إنه يقدم فى إحدى اللوحات ظهور الفلول وتأثيرهم على مسار الثورة فى لوحة تشى بالضبابية فى الألوان والتكوين، وينهى أعمال معرضه المهم بلوحة تعلن رأيه الفنى فى أن الزهور ستنتصر فى النهاية، وأن الثورة مستمرة حتى لو شابتها الكثير من الأحداث التى يشبهها بآلام الولادة التى ستنتج فى النهاية مولودًا جديدًا يعبر عن مصر الجديدة التى تخلصت من الفساد والعفن اللذين ظلا مسيطرين على المشهد العام فى مصر لعقود كثيرة. ويحكى لى د. يحيى عبده أنه لم يصدق انفجار المارد فى ميدان التحرير وتأثر جدًا بالأحداث التى وقعت فرسم شابًا يعبر عن شباب الثورة، ويحمل فى جسده كل الشعب المصرى بأسلوب الكل * واحد ثم توقف بعدها ليتأمل المشهد كاملاً، فرسم لوحة النسر الذى لم ينحر للغربان فى مواجهة الحمام الثائر ودون قصد منه وجد اللوحة تعبر عن علم مصر ثم بعدها جاءته فكرة التعبير عن الثورة المصرية الملهمة بالرمز حتى لا يقع فى فخ الرصد فعبر عن الشباب والشهداء وشبههم بالزهور فى مواجهة الصخور التى ترمز فى الأعمال للنظام والفساد والعفن وإحداث معركة بينهما انتهت بانتصار الزهور الثورية. وفى سيناريو مصور ومبدع يحكى د. يحيى عبده أنه بدأ الأعمال بما يشبه أحداث الثورة منذ وقوعها حتى الآن، فعبر فى البداية عن الجو الملتهب الذى كان يعيشه الشعب المصرى بفعل الصخور الصلدة التى بدأت تتصدع وتتهاوى وفى خلفها الزهور البائسة ثم رويدا بدأت الزهور تتطلع إلى الحرية وكسر القيود المفروضة عليها حتى انهارت الصخور وانطلقت الزهور خارج القيود، وبدا أن السماء تبارك ما يحدث، وتجد زهرة ندية لبنة وحيدة تقف فى مواجهة صخرة كبيرة فى إشارة إلى مشهد الدبابة و الشاب الواقف أمامها فى عز أيام الثورة، ونجد أن الشباب الشهداء فى شكل زهور تتساقط باللون الأحمر.. لون الدم.. وتجد فى عمل آخر حسرة الصخور وحزنها بعد انتصار الزهور عليها. ويضيف د. يحيى: إن الأحداث فرضت نفسها عليه بحكم تأثره بما يحدث ولكنه كان حريصا على الابتعاد عن الرصد والتسجيل واللجوء إلى الرمزية، ومن هنا ظهرت اللوحات التى تعبر عن ضبابية المشهد الثورى وظهور الكوارث المتتالية من بلطجية وفلول وآخرين أرادوا كسر الثورة، ومن بينها أيضا لوحة الائتلافات الكثيرة التى ظهرت بعد الثورة وعبر عنها بالزهور الكثيرة المتناثرة والمتفككة مما أفقدها شكلها الجمالى، ولكنه فى النهاية انحاز للزهور على حساب الصخور وانتصر لها مؤكدًا أن الزهور ستنطلق إلى أوسع الآفاق، وأن الثورة لن تنهزم، ويرى أن الشعب المصرى أثبت ب25 يناير أنه شعب عريق وصاحب شخصية مميزة، وأن هذا الشعب يجدد نفسه ذاتيًا ويتحد فى الرؤى والفعل دون اتفاق مسبق وخاصة الشباب الذين فجروا الثورة وأطاحوا بالنظام السابق المتكلس مشيرًا إلى أن اللون كان سلاحه الأكبر فى التعبير عما يدور بداخله، وعبرت الألوان المستخدمة عن الأحداث حيث الظلم والقهر فى مواجهة الحرية والعدالة وكل أعمال المعرض مرسومة بخامة الإكريليك، ومهد للوحات باسكتشات تصور فكرته التى استقر عليها ثم يبدأ فى رحلة الإبحار فى العمل الفنى ويضاف إلى اللون التكوين والخبرة والتكتيك الذى استخدمه. وعبر د. يحيى عبده عن إيمانه المطلق بالثورة، ورأى أن ما يحدث الآن بها يشبه آلام الولادة ورهانه على الشعب والشباب الذين عرفوا طريقهم وهو لا يبدى خوفا أو قلقا من تلك المرحلة الضبابية التى سيعقبها نصر كبير حتى تهديد السلفيين والتيارات المتشددة بتحريم الفن أمر لا يعنيه، لأنه يرى أن الفن يحتمل الصواب والخطأ، وأنه فى حد ذاته حلال وهناك قصور فى التفكير لدى السلفيين وتعلن مقاومته لهذه الأفكار بالاستمرار فى فنه مهما حدث، لأن الثورة مستمرة وأنه من جانبه حاول أن يواكب عظمة الثورة بعمل فنى يحترم جلال الثورة وقيمتها. * القاهرة 2011 وفى مواكبة لمصر بعد ثورة 25 يناير يشارك 24 فنانًا وفنانة من مختلف الأجيال فى معرض القاهرة 2011 حيث تستلهم أعمال الفنانين أرض الواقع وتعبر بشكل مختلف عن الثورة والتغيير الذى أحدثته، وبهذا تلامس هذه الأعمال واقع الوطن بكل ما يعتريه من نجاحات وإخفاقات وبالذات أعمال صلاح عنانى ومصطفى الرزاز وصلاح المليجى وأيمن السمرى ومحمد طمان ومى حشمت.