مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، شغلت قضية شراء الأصوات فى المناطق الشعبية، وخاصة النساء الفقيرات والمعيلات «الرأى العام»، حيث تحرك بعض المرشحين لتقديم عروض مغرية، خصوصاً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وبحث الفقراء والبسطاء فى المناطق العشوائية عن مرشحين يدفعون لهم مقابل التصويت، فلقد بدأ سعر بيع الصوت النسائى ب 20 جنيها فى بداية اليوم ليصل إلى 50 جنيها فى منتصف يوم التصويت ليبلغ ذروته إلى 150 جنيها بنهاية اليوم. ومن ناحية أخرى تقول د.هويدا عدلى أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن المرأة الفقيرة هى من أكثر الفئات التى تتعرض للتلاعب فى المجتمع والتى يتم استخدامها سياسيا بمنتهى اليسر. وقد أدت سياسات التحرير الاقتصادى على مدار العقود الماضية إلى الإضرار بشكل واضح بالمرأة، هذا الإضرار الذى تمثل فى ارتفاع معدلات البطالة بين النساء وتشغيلهن فى ظروف عمل غير إنسانية، فضلا عن ارتفاع أعداد النساء المعيلات لأسر، كل هذه التغيرات حدثت فى ظل غياب كامل لأى برامج للحماية الاجتماعية. وأكدت أنه فى إطار كل هذه التحولات، فإن الرشاوى الانتخابية من العوامل المحددة لاختيارات المرأة التصويتية فى الانتخابات المقبلة خاصة فى المناطق التى تخف فيها حدة العصبيات القبلية والمناطق الذى يتمتع فيها التيار الإسلامى بقواعد اجتماعية مؤثرة. وأكدت د.هويدا أن هناك ما يسمى بالمصطلح السياسى «علاقات الزبانية» علاقات قديمة فى مصر وراسخة وإن أخذت مسارات متعددة ومن الصعب تغييرها بين يوم وليلة. وأشارت إلى أن البيئة الحاضنة لانتشار الزبانية السياسية هى الفقر، وكلما انتشر الفقر انتشرت الرشاوى الانتخابية وهذا ما يفسر لماذا النظام السابق لم يسع جديا للقضاء على الفقر وينبئ بأن من يستخدم هذه الآليات إذا وصل للسلطة لن يسعى أيضا للقضاء على الفقر خاصة فى ظل نسبة الأمية بين النساء والتى تصل قرابة 40%. وأكدت د.هويدا أن الزبانية هى الباب الملكى للرشاوى الانتخابية وللتلاعب بالفقراء. وأشارت إلى أن فكرة المقايضة هى الفكرة الحاكمة للزبانية الانتخابية فى التصويت فى الانتخابات. وقد تطورت هذه الفكرة عبر الزمن، متخذة أشكالا عدة ولكن ذات جوهر ومعنى واحد. والحقيقة أن وراء هذه الفكرة وهى التصويت على أساس غير الرأى السياسى هو الغياب التاريخى للديمقراطية من مصر. وأشارت إلى أنه مع ظهور التيار الإسلامى بتفريعاته كفاعل سياسى فى ذات الحقبة والبروز المدوى عقب ثورة25 يناير، بدأت الزبانية السياسية تتخذ شكلا مغايرا، فالتيار الإسلامى على خلاف غيره من التيارات السياسية لم يبدأ بالسياسى ولكنه بدأ بالاجتماعى عبر بناء شبكات من العلاقات الاجتماعية فى المناطق الريفية من خلال جمعيات أهلية كبيرة لها فروع فى كل أنحاء مصر مثل الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية، كما توجهت خدمات هذا التيار الاجتماعية بالأساس إلى الفقراء فى تلك المناطق. والنتيجة اتساع القاعدة الاجتماعية لهذا التيار الذى سرعان ما قام بتوظيفها سياسيا فى الانتخابات. يؤكد الناشط عمر جلال بمرصد حماية الناخب الحقوقى عن استمرار فكرة بيع الصوت فى المناطق شديدة الفقر، باعتبار الانتخابات موسماً لجلب الأموال وكراتين الأغذية. وأوضح جلال أن المرصد أجرى دراسة موسعة فى مناطق «عزبة الهجانة بمدينة نصر والكيلو أربعة ونصف، ومساكن عين شمس بشرق القاهرة، وكانت النتيجة هى وجود عدد كبير من الناس تنتظر موسم الانتخابات باعتباره موسم الخير. مشيرا إلى أن الناس فى هذه المناطق تعيش داخل عشش أو فى بيوت مقسمة غرفة واحدة لكل أسرة، وهم يعلمون أن أى مرشح لن يخرجهم من فقرهم، وتابع: كانت إجاباتهم «لن نستفيد إلا ثمن أصواتنا» وأضاف: إن عينات الدراسة تضمنت أميين ومتسربين من التعليم وحملة مؤهلات متوسطة، وأشار إلى أن 70% من العينة صوتوا لصالح بيع أصواتهم، بينما اعتبر 20% أن بيع الأصوات حرام وقال البقية إن ثورة يناير غيرت آراءهم وأنهم لن يبيعوا أصواتهم. ويقول الباحث جودة عثمان والذى شارك فى الدراسة أن سمسار الأصوات فى المناطق الشعبية غالبا ما يكون بلطجيا أو مسجل خطر أو محترف انتخابات بالوراثة عن والده. وأشار إلى أننا التقينا بالسماسرة على القهاوى وأكدوا لنا قدرتهم على حشد آلاف الأصوات للمرشحين الذين يلتزمون بدفع المقابل الذى ارتفع هذا العام إلى 20 جنيها. لافتا إلى معرفة السماسرة بالأحزاب وقدرتها الاقتصادية. وأكد د.أحمد أبوالنور أستاذ واستشارى الاقتصاديات الحَرجَة والأزمات وعضو هيئة التدريس بجامعة عين شمس سابقا إن الثورة لم تصل إلى كل مكان فى مصر وهناك فئات قد نظلمهم إن تحدثنا معهم عن الثورة ومكاسبها وما يجب أن يلزموا بها فى إطارها خاصة الفقراء والنساء المعيلات فى ظل تواصل الزخم الانتخابى والذى يتسلح به ويستطيع أن يكسب أصواتا. وقال: إن أحد الأحزاب الدينية طرح إتمام ما لا يقل عن 300 زيجة للشباب والشابات الفقراء وتقديم 150 جهاز تليفزيون والمئات من شنط الخير.