بغض النظر عما إذا كان التليفزيون المصرى قد ارتكب حماقة التحريض على متظاهرى ماسبيرو يوم الأحد الدامى أو لم يرتكب، وهذا ما سيكشف عنه تقرير اللجنة التى شكلها وزير الإعلام أسامة هيكل وإن كان قد صدر عنها مؤشر مهم يدل على أنه تم الخلط بين التغطية الخبرية والرأى الشخصى فى التعاطى مع وقائع الحدث ومجرياتها، إلا أنه فى كل الأحوال لا يمكن الركون إلى ارتكاب الفضائيات الخاصة مثل هذه الأخطاء بالانحياز إلى طرف ضد آخر أو القيام بما هو يحرض ضد طرف دون آخر كسبب يؤسس إلى تمرير هذا الخطأ المهنى والوطنى، ففى النهاية هو تليفزيون الدولة، كل الدولة، والناس كل الناس مهما اتسعت هوة الخلاف بينهم. وبغض النظر أيضا عن أن قواعد العمل الإخبارى فى التليفزيون المصرى خاضعة لمعايير محددة طبقا لأجندة قومية وطنية، ليس من بين مفرداتها الانحياز إلى طرف ضد آخر ولا تحريض طرف ضد آخر حتى ولو بالإيحاء، ويختلف عن الفضائيات الأخرى بأنه المؤسسة الإعلامية الوحيدة التى يمكن أن تصل إلى المعلومة الموثقة من كل أجهزة الدولة فى توقيتاتها المثالية بحكم وجود وزير للحكومة على رأس هذا الجهاز الإعلامى الرسمى الضخم بما يتيح إمكانية التوجيه السياسى للتغطية الإخبارية، والسيطرة على مدخلاتها ومخرجاتها على الشاشة بشكل أو بآخر؛ بحيث تأتى الرسالة الإعلامية محايدة وموثقة بالمعلومة الحقيقية. إلا أن هذه الأدوات لم يتم تفعيلها أثناء أحداث ماسبيرو الدامية، فجاءت الصورة على النحو الذى رأينا، مشوشة بلا عقل، متخبطة بين مشاعر انفعالية ومعايير مهنية، لم تجد من يصححها ولم تعرف من يوجهها، والأدهى غياب السيطرة على صياغة الخبر المكتوب على شريط الأخبار والمقروء على لسان المذيع، ومن ثم لا يمكن قبول التفسير بحدوث خطأ عند كتابة تعبير «متظاهرين أقباط» على الشريط الإخبارى تم تصحيحه إلى تعبير «متظاهرين»، فالمهنية تقتضى عدم الوقوع أصلا فى مثل هذا الخطأ الكارثى لتستقر عبارة «متظاهرين أقباط» فى ذهنية المشاهد ووجدانه وغاب تأثير تصحيح الخطأ، فالطلقة قد انطلقت لتصيب من تصيب، وهو أداء يستوجب الحساب الداخلى ودون انتظار لتقرير لجنة، خاصة أن وزير الإعلام صحفى يدرك تماما معنى الخطأ فى صياغة خبر ودلالاته. وبغض النظر ثالثا عن السقوط السياسى المريع لحكومة د. شرف كأنها قد أدمنت السقوط السياسى فى كل الاختبارات، حين امتنعت عن إدراة الأزمة سياسيا منذ اللحظة الأولى على مدى أكثر من عشرة أيام سابقة لأحداث الأحد الدامى وقد كان بإمكانها إدارة حوار مع الغاضبين وصولا إلى حل يرضى كل الأطراف قبل الوصول إلى هذه النقطة من الصدام الدامى وتعريض حياة مصريين للموت والإصابة، ودفع ضباط وأفراد ومعدات القوات المسلحة أمام مبنى ماسبيرو إلى هذه المواجهة التى لم تطلبها ولم تسع إليها، فأصبحت ملاحقة باتهامات الاعتداء على متظاهرين. إلا أنه ما كان يجب أن يتحدث اللواء إسماعيل عتمان مدير إدارة الشئون المعنوية ويثمن من أداء التليفزيون ويصفه بالحياد، وأعطى رسالة ما لا أظنه كان يقصدها، فى الوقت الذى يعترف فيه وزير الإعلام أسامة هيكل بوجود أخطاء ويشكل لجنة تقصى أداء، وهو الأمر الذى زاد من مشاعر الغضب والاحتقان عند أصحاب المشكلة من محتجين ومتظاهرين ومن انضم لهم من تيارات سياسية وائتلافات شبابية من جانب ومن الإعلاميين من جانب آخر. أيضاً لم يكن مطلوبا من اللواء عتمان إبداء الرأى فى تغطية التليفزيون المصرى لا بالسلب ولا بالإيجاب باعتباره متابعاً للأداء.. لا هو وزير من وزراء الحكومة ولا هو مسئولً عن إعلام الدولة، ولا من واجباته التصنيف بين أداء وسائل الإعلام المختلفة،فطبيعة وأدوات ورسالة الإعلام سواء إعلام دولة أو إعلاماً خاصاً تختلف عن أى طبيعة رسالة إعلامية أخرى فلايوجد بين الاثنين نقطة تماس واحدة. ومن ثم فإن التداخل هنا يثير الالتباسات والتى بلا شك لا تصب فى أى صالح عام. فإما أن اللواء عتمان كانت له رسالة معينة وصلت إلى كثيرين ولم يقبلوها، وإما أنه كان يؤازر ويساند وزير الإعلام الذى لا أظن أنه يحتاج إلى مؤازرة أو مساندة فهو يرد على كل اتهام يوجه إلى الأداء الإعلامى.