احتفلت السفارة الصينية فى القاهرة هذا الأسبوع بالذكرى التسعين لميلاد الحزب الشيوعى الصينى (1910- 1921).. ألا يفاجئك أن هذا الفصل المهم، فى تاريخ هذا البلد العظيم، قريب العهد إلى هذا الحد.. فشتان بين الصين قبل نجاح ثورتها فى 1949، وبين ما سطرته بعدها بمعجزاته وإخفاقاته.. فالوقت ليس بعيدا جدًا، فهناك شهود عيان أحياء، على هذه المسيرة الظافرة. وقد نظمت السفارة الاحتفال بهذه الذكرى بالمشاركة مع اللجنة المصرية للتضامن. والسفير سونج آى، اعتبر فى بداية كلمته، أن مصر والصين كلتيهما دولة نامية. وهذه المقارنة فيها كثير من المجاملة لمصر. فقد ذكر السفير فى كلمته بعد قليل، أن الاقتصاد الصينى، زاد حجمه من 200 مليار دولار فى السبعينيات إلى ست تريليونات فى 2011، ليصبح ثانى أكبر اقتصاد فى العالم. تجربة الصين الاقتصادية بالذات، تشغل اهتمام مراقبين من كل أنحاء العالم. وعديد من المراقبين المتخصصين فى أوضاع الصين، يرون أن اقتصاد الصين لايزال فى إطار الاقتصادات الناشئة. وجزء ليس هينا من نجاح الصين، يعتمد على الاستثمارات الأمريكية. والحق أن الصينيين أنفسهم، هم الذين يصرون دائما على وصف أنفسهم، أنهم بلد نام. وهذا التواضع، والنفور من التفاخر والتبجح، سيكون واحدا من عوامل نجاح وتقدم وتحقيق اختراق عالمى، لهذا البلد الآسيوى العريق. وفى الكلمة التى ألقاها السفير، أجاب عن كثير من الأسئلة التى تشغل بال الذين يراقبون صعود الصين ونهوضها العاصف. أجاب، من وجهة نظر الحزب الشيوعى الحاكم. فقد أكد لنا أنه لا وجود للصين الجديدة، دون الحزب الشيوعى. وتاريخها المعاصر ينقسم إلى مراحل تحقيق الاستقلال، والثورة الاشتراكية، وأخيرا مرحلة الانفتاح والإصلاح، ذات الخصائص الصينية. وحين تحولت من الاقتصاد المخطط، إلى اقتصاد السوق الاشتراكى، كانت تشق طريقا غير مسبوق، فلم تكن هناك سوابق لهذا النهج فى أى مكان. وحرص على تأكيد نغمة مسايرة العصر، ولكن بخصائص صينية. ولكن السؤال الذى لم يجب عنه، وربما يصعب على كل المراقبين، التكهن بملامح إجابته، هو حل التناقض الذى لابد أن يثور، بين حكم الحزب، وبين توطد أركان نظام تقوم دعائمه على أقوى أسس الرأسمالية. والمثقفون المصريون الذين حضروا هذه المناسبة، حيوا الأصدقاء الصينيين، بالمناسبة التاريخية، والصين ليست غريبة عليهم، فى أى وقت. ومن بين الذين تحدثوا، أحمد حمروش، والدكتور محمود الشريف والدكتور حلمى الحديدى والدكتور مصطفى الفقى. وأبناء النخبة المصرية، يتابعون نجاح الصين بتقدير وإعزاز، ولكن عيونهم دائما على مصر. فالدكتور محمود الشريف أعاد إلى الأذهان، تجربة تعاون بين مصر والصين، بدأت فى 1996، فى مشروع فى سيناء، وشمال غرب السويس ولم يقدر لهذه التجربة الحياة والنجاح. ومن رأيه أن مصر تتحمل وزر هذا الفشل ولكن الصين أيضا لها نصيب. وأكمل الدكتور حسين الجمال- رئيس الصندوق الاجتماعى السابق- رواية الدكتور شريف، أن مثل هذا المشروع الآن مكتوب عليه الفشل من البداية، لأن الأساس الأول لنجاحه وهو إقامة مركز تدريب وحاضنات تكنولوجية، كانت غائبة. وهذه الواقعة تكشف عن حالنا، الذى لا يسر، وأننا مطالبون بمواجهة أنفسنا، ومعرفة عيوبنا، وتعلم التخطيط وحسن الأداء، والبداية الصحيحة. والبديل عن ذلك، أننا سندمن الندب واللطم وإدمان الفشل. * فاطمة المحسن مقال فاطمة المحسن الأخير، بعنوان «زمن عبدالحليم حافظ» فى مجلة «أخبار الأدب» الأسبوعية، من نوع المقالات التى يتوقف أمامها قارئه، فى تأمل وإعجاب. من نوع المقالات، التى يحرص القارئ، أن يحتفظ به باعتزاز. وفاطمة المحسن، تنتمى إلى دائرة النخبة العربية، وليس فقط إلى النخبة العراقية، جنسيتها. ونفتقد حاليا قلمها الذى كان يتألق فى صحيفة «الحياة» منذ سنوات. والمقال الجميل، لا يتحدث فقط عن عبدالحليم حافظ، ولا عن ذكريات فاطمة المحسن، ولا عن حاضرنا وماضينا القريب، ولكن عن هذا كله، وفى القلب منه، قصتنا مع النهوض والانكسار. إنها تنسج من رحلة هذا المغنى الموهوب وحياته وأغانيه، ثوب مرحلة المد والتحرر والثورة. فهو يجسد نجاحها وأكاذيبها وأساطيرها ويموت معها. وتوقفت الكاتبة عند حقيقة أن أغنياته الوطنية، ذرتها رياح النسيان، كما ذرت الإنجازات التى تتغنى بها. فهى لم تجد أذنا تصغى إليها، حين تهادت الجموع فى ميدان التحرير هذا العام. والماضى القريب الذى كان يكتفى عبدالحليم بإنجازاته، كان يمحو الماضى السابق عليه، ماضى النهضة التى مكثت تحاوره وتداوره، حتى محت آثاره أو كادت. ولكن أغانيه فى الحب والعلاقات الإنسانية لاتزال حاضرة. فقد عبر عن هذا الجانب من جوانب الحياة آنذاك، بصدق وحرقة، وهى ترى أن ظاهرة عبدالحليم حافظ من أجمل ما ترك الإرث الناصرى، فقد كان الناس يبحثون عن الحب فعلاً آنذاك. وإذا كان الناس قد اصطلحوا على اعتبار تلك الفترة ذهبية، فشوق الناس إلى علاقات متكافئة وحرة، كان حقيقيا ومعاشا، فهى بهذا المعنى ذهبية على الأقل مقارنة بهذه الأيام. وإذا كانت الأغانى تبدأ بالشعر الذى يهفهف ويهز القلوب، فقد كان الشعر على رءوس الصبايا، منطلقاً فعلاً، يهفهفه النسيم. هل يرى أحد مثل هذه التيجان الطبيعية اليوم؟ ولم تنس الأديبة العربية، أن تنبه أن الحب فى أغانيه كان يموت فى عز اكتماله، كان الحب فى أغانيه ممكناً وممتنعا، سهلا ولاذعا، حتى يبدو خلف الشباك أو وراء الباب، ولكنه هش وقابل للهجر. إنها مرحلة مراودة حلم التقدم، وتذكر إحساسها بمصر، وهى شابة صغيرة فى بغداد، تلتقى بما ترسله مصر لمن حولها من أضواء، ولا تنسى وهى تستمع إلى أغنيات عبدالحليم، لقاءها بكتابات يحيى حقى، الذى تعتبره أول أساتذتها، رغم أنها لم تره. فعبدالحليم حافظ واحد من تجليات الثقافة المصرية، التى كان لها يوما صوت ورنين، ورغم أن هذا المقال، يحتفل بذكرى وإنجاز إيجابى ومفرح، فإنه يكشف فى نفس الوقت أثر الزيف وسطوة التخلف وحجم الادعاء، ودون مواجهة هذه الأوبئة، كيف ينقشع الظلام؟ * محمود قاسم «سينما تاء التأنيث» أحد مطبوعات مهرجان الإسكندرية لسينما البحر المتوسط. والكتاب من إعداد محمود قاسم، الباحث فى شئون السينما، وله فى هذه الشئون إسهامات عديدة، تهدف بحب وإيمان، إلى نشر المعرفة بهذا الفن، والتأريخ لجوانب مجهولة، تعنى تاريخ بلده، أو تعرض وتنير لجوانب فى السينما العالمية، نجوما واتجاهات وقضايا. وهذا الكتاب يتناول السينما التى تهتم بقضية النسوية. والإطار الذى قدم فيه سينما النسوية، هو قائمة بأسماء المخرجات اللامعات، فى دنيا الفن السابع، من الذين انتبه لهن العالم، واحتفى بإبداعهن، وتوج بعضهن بالأوسكار. ومجال الإخراج السينمائى، من بين المجالات، التى لم تقدم المرأة عليها، إلا أخيرا، رغم أنها تساهم فى كل فروع السينما على قدم المساواة، وفى مقدمتها التمثيل. وحين تقرأ قصة كل واحدة من هؤلاء المخرجات الثمانى والسبعين، التى عرض الكتاب لهن باختصار، ستجد كلاً منهن أمة وحدها، تشع بلمحات من التفرد والمخاطرة والموهبة الفذة. ثمانى وسبعون مخرجة، من أربعة عشر بلدا، 20 من فرنسا و14 من أمريكا و7 من ألمانيا و7 من المجر و6 من إيران و5 من إيطاليا، وواحدة من الهند و20 من مصر والجزائر والمغرب وتونس وسوريا ولبنان. وهؤلاء المبدعات يملكن أسرار المهنة بكل اقتدار، فمعظمهن إلى جانب الإخراج، لهن باع فى التمثيل وكتابة السيناريو والقصة. بل إن المخرجة الفرنسية «كولين سيرو» ممثلة مسرح وسينما وكاتبة سيناريو ومخرجة وشاعرة ولاعبة أكروبات. وكان طبيعيا أن بعضهن قدمن أفلاما عن سيرة حياتهن، فلديهن حقا ما يروينه ويصغى له الآخرون. وحين يلخص الكتاب الأفلام التى أبدعها هؤلاء الرائدات، فإنه يتمنى لو أتيح له مشاهدة هذا العمل فورا. إن المرأة- والأوروبية بالذات- تقدم نفسها بكل فصاحة وبيان عن أعمق شواغلها. سأختار لك مثلاً واحدا للتدليل، هو فيلم «أنفاس الفرس» للفرنسية «جويس يونويل» التى تقول عن فيلمها: «اخترت سبعة أيام من حياة بطلة الفيلم، هى لا تمتلك متعة ذهنية فى أول الأسبوع، ولكن نهاية الأسبوع تفسر كل شىء، إنه العبث، فسلوكها سلوك امرأة مليئة بالارتباك، تنتمى إلى جيل ما قبل النسوية، امرأة يقال لها «إذا بقيت فى المنزل فستخسرين حياتك»، ويقول لها آخر: «إذا عملت كثيرا فستخسرين أطفالك» «وإذا كان لك عشاق كثيرون ستعرفين المتعة الجنسية»، وفى نفس الوقت «إذا لم يكن هذا فمحكوم عليك بالوحدة»، إنها ضحية لظروف معقدة، وتشعر برغبات مشوشة، وهى واعية لما يدور حولها، تعيش مع زوج يعمل كثيرا لديها أطفال تربيهم فضلاً عن أعمال المنزل، وهى امرأة واضحة أشبه بالفرس، تطلق أنفاسها تألما من كثرة الجرى وهى تحتمل الكثير من الأحمال». ورغم أن صاحب الكتاب، اختار المخرجات من بين اللائى كرسن إبداعهن لما يخص المرأة من شواغل واهتمامات، فإن الذين يقع الكتاب بين أيديهم من المتخصصين، سيبدون عديدا فى الملاحظات حول معايير الاختيار بين المخرجات، أو البلدان التى ينتمين إليها، والترتيب، وصياغة الكتاب، وحتى العنوان الذى يتسم بالغموض، وكان يجب أن يكون أوضح وأكثر مباشرة «مخرجات من العالم» مثلاً أو «السينما النسوية». ولكن بالنسبة لكثيرين- مثلى- فإن الكتاب يمثل لهم نافذة يرون منها عالما لا يعرفون عنه شيئًا. وكفى بهذه مكرمة من الباحث.