لا أحد يمكنه الآن أن يحسم لنا الإجابة عن سؤال: مصر رايحة على فين؟ ولا أحد يستطيع مهما كان يملك من أدوات وخبرات التحليل السياسى أن يحدد ملامح المستقبل القادم وإذا سألت الناس فى الشارع عن الأيام القادمة ستجدهم منقسمين إلى فريقين: الأول متفائل يرى أن الأيام القادمة ستشهد هدوءًا واستقرارا سياسيا، وعودة للاقتصاد المصرى القوى سريعا، ويعتمد هذا الفريق فى تفاؤله على قرب الانتخابات البرلمانية وبعدها الرئاسية وعلى عودة الاستثمار العربى والأجنبى إلى مصر وبدء الشرطة مؤخرا لعملها بقوة لتنهى الانفلات الأمنى. أما الفريق الثانى فهو متشائم بل ويرى أن نفس الأسباب التى جعلت البعض يتفاءل تعود فى حقيقتها إلى التشاؤم لأن قرب الانتخابات البرلمانية دون استعداد كاف من جميع الأحزاب والقوى السياسية أمر لا يبشر بالخير، وأنه حتى الآن أيضا لم يظهر فى الصورة شخص يمكن أن يحصد الإجماع على أنه الرئيس المناسب ليمر بمصر إلى شاطئ الأمان، أما الاقتصاد فحدث ولا حرج عن انهياره وهروب المستثمرين وزيادة البطالة وهوجة المطالب الفئوية التى ظهرت فجأة وكأن الثورة جاءت بمصباح علاء الدين الذى سيحل مشاكل فئوية عمرها سنوات، ثم- وهو الأخطر- فقدان السوق المصرية للسيولة وهو ما أعلنه بوضوح مؤخرا وزير المالية حازم الببلاوى .. كما أن هذا الفريق يتساءل: أين هى عودة الشرطة القوية هذه التى يرى المتفائلون أنها ستقضى قريبا على الانفلات الأمنى. انقسام الشارع بين متفائل ومتشائم.. ربما يبدو أمرا طبيعيا فى ظل المرحلة الانتقالية الصعبة التى نمر بها لكنه مؤشر مهم على أنه لا أحد يملك بوصلة تحدد إلى أين نتجه وهل الأيام القادمة ستكون أجمل أم سنشهد خلالها مزيدا من المعاناة والمتاعب بجميع أشكالها. ورغم كم المحللين والخبراء الذين يطاردوننا ليلا ونهارا على الشاشات وصفحات الصحف ويصدعون رءوسنا بكلامهم وتحليلاتهم لكنهم هم أنفسهم أيضا منقسمون ما بين متفائل ومتشائم وهو ما يزيد من غموض الرؤية وحيرة الإجابة عن سؤال مصر رايحه فين؟ وتزيد الحيرة مع تزايد المليونيات كلما حدث أمر لا يعجب إحدى القوى السياسية حتى لو كان الأمر شهادة فى محكمة لا يمكن أن نسأل صاحبها لأنه سيكون مسئولا عن شهادته أمام الله والتاريخ، لكن طالما أنها جاءت على غير هوى البعض فلابد من الدعوة لمليونية تندد بتلك الشهادة. نعم هناك متفائلون، وهناك متشائمون وهناك حيرة لا حدود لها لكن الشىء الوحيد المؤكد أننا وحدنا من سنحسم الإجابة عن سؤال: مصر رايحة على فين؟ وأن مواقفنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا وقراراتنا الجماعية ومدى تغليبنا المصلحة العامة على الشخصية هى فقط التى ستحسم هل تميل الكفة نحو التفاؤل أم التشاؤم.