شبحان يطاردان المصريين الآن.. الخوف والجوع.. والسؤال الدائر والدائم علي ألسنة الناس: «رايحين علي فين»؟.. السؤال ليس استفهاميا بقدر ما هو محاولة للاطمئنان أو الحصول علي إجابة تعطي للسائل أملا في الأمان. الغالبية العظمي من المواطنين يشعرون بالقلق، وهو أمر طبيعي عقب الثورات وبعد التغيير في السلطة نتيجة عدم الاستقرار، لفترة، حدث هذا عقب ثورة يوليو وبعد وفاة كل من عبدالناصر والسادات. لكن القلق الآن تحول إلي خوف يزداد مع الأيام. المواطن المصري أصبح يطارده الخوف لأسباب متعددة ومظاهره متنوعة، لعل أبرزه الخوف علي الحياة نتيجة انفلات الأمن، ويكفي أن الأسر تخشي علي أبنائها من الخروج للشوارع، والآباء والأمهات قلقون علي أولادهم، بل إن الخروج ليلا في بعض المناطق يعني خطرا كبيرا، ورغم تأكيدات مدير الأمن العام بتراجع الجريمة ابتداء من شهر أبريل عن معدلاتها عقب الثورة، فإن هذه التصريحات لم تشف غليل أحد، خاصة مع إدراك المواطنين أن الشرطة لم تعد إلي العمل بكامل قوتها.. المواطن المصري مازال لديه إحساس قوي بأن أحدا لن ينجده إذا تعرض لحادث أو اعتداء.. انتشار البلطجية في كل مكان وخروجهم إلي مناطق لم يجرؤا علي دخولها من قبل وممارسة بلطجتهم فيها يزيد من توتر المواطنين. الجرائم التي كنا نعدها شاذة تكررت كثيرا حتي أصبحت لا تثير الدهشة.. حقيقة تراجعت معدلات جرائم السرقة بالإكراه واقتحام المنازل وتوقيف السيارات في الشوارع وعلي الكباري خاصة في «الدائري» و«المحور»، لكن التراجع لم يصل إلي الدرجة التي تبعث الاطمئنان في النفوس، ولأول مرة نجد المواطن البسيط يبحث عن شراء قطعة سلاح والحصول علي ترخيص اعتقادا منه أنه بذلك يحمي نفسه وأسرته، والملاحظ بالفعل انتشار تجارة السلاح بعد زيادة تهريبه خاصة من الحدود مع ليبيا والسودان ومن سيناء، وحسنا فعل المجلس العسكري عندما حدد مهلة لتسليم كل من يملك سلاحا غير مرخص وإلا تعرض بعدها لعقوبة قاسية. لكن ما يزيد خوف المواطنين من الانفلات الأمني ليس فقط انتشار البلطجية وهروب عدد كبير من المساجين - مازال - سبعة آلاف واحد منهم لم يتم القبض عليه حتي الآن. الخطير هو الانفلات المجتمعي وتأخر الحكومة في التصدي له وأكبر مثال له هو تكرار قطع الطرق وإيقاف وسائل المواصلات خاصة السكك الحديدية كوسيلة لحصول المواطنين علي حقوقهم أو تعبيرا عن غضبهم من قرار ما.. كل ذلك جعل المواطن يشعر بعدم وجود حكومة قوية قادرة علي ردع المخالفين للقانون ولا أقصد هنا أني ضد تعبير الناس عن مطالبهم، ولكن يجب أن يتم ذلك بالشكل القانوني، إيقاف القطارات عدة مرات لم يعطل مصالح المواطنين فقط، لكنه زاد من خوفهم لأنه يعني ببساطة أنه لا توجد قوة حاكمة تستطيع فرض القانون علي المخالفين وأن هيبة الحكومة ضاعت خاصة بعد لجوئها إلي التفاوض عدة مرات من أجل إقناع الأهالي بتسيير حركة القطارات. وهذا يعني أنها تتفاوض علي عدم تطبيق القانون، ولهذا أرجو بالفعل أن تتمكن الحكومة من تنفيذ قرارها الأخير بالتصدي بحسم للمظاهرات والوقفات التي تعطل الإنتاج وتعوق حركة العمل، حقيقة تم القبض علي العشرات الذين قطعوا شارع قصر العيني يوم الأربعاء الماضي، لكن في اليوم التالي «الخميس» قطع أهالي مدينة السلام طريق الكورنيش أمام ماسبيرو، وهذا يعني ضرورة استمرار الحكومة في تطبيق القانون مهما كلفها ذلك الأمر ومهما بلغ عدد المعاقبين. النوع الثاني من الخوف يرتبط بالمظاهرات الفئوية وهو الخوف من الفقر.. ولعل أكثر المواطنين رعبا هم المنتمون للطبقة الوسطي الذين لديهم إحساس قوي بتدهور أوضاعهم المعيشية وأنهم ينزلقون سريعا إلي الطبقة الفقيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وكثير من الأسر الوسطي كانت ومازالت تعاني من عطالة أبنائها وعدم حصولهم علي عمل رغم انتهائهم من التعليم، والأخطر أن من حصل منهم علي عمل في القطاع الخاص أصبح مهددا، إما بالاستغناء عنه أو تخفيض راتبه أو علي الأقل لم يعد لهذه الأسر أمل في إلحاق أبنائهم الآخرين بعمل قريبا! وكثير من الشباب الذين يعملون في السياحة ومعظمهم غير مؤمن عليه استغنت عنهم الشركات والفنادق بعد تراجع السياحة، كل هذا زاد من خوف الأسر علي مستقبلها، ورغم محاولات الحكومة لوضع حد أدني للأجور، فإنه جاء غير ملبٍ لآمال الموظفين، والأهم أنه مهما زاد دخل رب الأسرة فإنه يظل محدودا خاصة إذا كان لديه أبناء عاطلون، الأخطر هو عدم اطمئنان هذه الطبقة لوجود نظام تعليمي يكفل لأبنائها تعليما حقيقيا بجانب عدم قدرتهم علي مواجهة احتياجات العلاج في ظل عدم تأمين صحي حقيقي، هذا عن الطبقة الوسطي، أما الطبقة الأعلي فإنها خائفة علي ممتلكاتها واستثماراتها وأموالها وهي لا تدري حتي الآن هل تبدأ في أنشطتها الاقتصادية وما القوانين التي ستتعامل بها، بعد أن ظلت سنوات تعرف الطرق الشرعية وغير الشرعية التي تسهل لها أمورها أصبح الوضع غائما أمامها. أما الطبقة الفقيرة فهي خائفة من ازدياد الفقر ووصولها إلي حد الجوع الذي لا تستطيع سده حتي ولو بوجبة واحدة. فقد أصبح أبناء هذه الطبقة ومعظمهم يحصل علي قوته يوما بيوم يعانون البطالة بعد أن توقفت معظم أساليب حصولهم علي العمل اليومي، فمثلا تعطلت حركة الإنشاءات والبناء، مما أدي إلي عدم حصول العمال المرتبطين بها علي أعمال، وهؤلاء يمثلون نسبة غير قليلة من هذه الطبقة، وعموما فإن الطبقات الثلاث لديها خوف آخر، فالجميع يتحدث عن ثورة الجياع القادمة من العشوائيات، ورغم أن معظم المواطنين في هذه المناطق شرفاء أجبرتهم ظروف الحياة والأوضاع الاقتصادية علي الإقامة بها، إلا أنها تمتلئ بالبلطجية والأكثر أنه عند الجوع فإن أحدا لن يفكر فيما يفعله فقط يريد ألا يموت جوعا حتي لو مات قتلا أو في السجن، هناك تنبؤات كثيرة بأن الثورة القادمة من العشوائيات اقتربت، والهلع يصيب النفوس بسبب عدم الإحساس بعدم قدرة الشرطة الآن علي التصدي لها، وهذه الثورة لن تترك الأخضر واليابس، فحزام العشوائيات يحيط بالقاهرة والمدن في المحافظات الأخري، وثورة الجياع لن تفرق بين الشرفاء والبسطاء من المواطنين وبين الذين نهبوا أموال البلد ويعيشون في القصور والكومبوندات، فالكل معرض لها. أما الرعب الأكبر فهو الخوف من المستقبل المجهول، فلا أحد يدري حتي الآن إلي أين نحن سائرون والسؤال حتي علي ألسنة النخبة: مصر إلي أين؟ والإجابات المتعددة لهذا السؤال لا تشفي الغليل، ومازلنا بعد شهور منذ ثورة يناير نسأل: هل نتجه إلي دولة دينية أم مدنية أم عسكرية؟ هل الانتخابات أولا أم الدستور؟ ولعل الخوف من المجهول هو أخطر أنواع الخوف لأننا نطارد فيه الأشباح ولا يوجد عدو محدد نواجهه، والسؤال الآن: ما الحل؟ إنني أعرف جيدا أن الفقر والجوع كانا نتاج تراكم سياسات نظام مبارك وأعوانه الذي تدهور بأحوال البلاد والعباد، لكن ماذا يمكن أن نفعل سريعا من أجل عودة الاطمئنان للمواطن البسيط، أعتقد أنه من الضروري العمل علي عودة الشرطة بكامل قواها وأنه لابد من عودة الثقة بين المواطن والضباط التي تقوم الآن علي عبارة قليل من الحب كثير من العنف، ولن يوقف هذا التردي إلا تطبيق القانون علي الجميع ووضع القوانين نصب الأعين وأن تكون هناك أحكام رادعة وسريعة ضد البلطجية ومرتكبي الجرائم العنيفة التي تروع المواطنين، وأن تضع الحكومة خطة سريعة لمحاربة الفقر والإسراع بخطط تطوير العشوائيات، أعلم جيدا الوضع المالي المتأزم للحكومة، لكن يجب البحث عن حلول قبل أن تقوم ثورة الجياع، ومن أجل عودة الاطمئنان للمواطن حتي يستطيع أن يعمل ويبدع، فلا عمل ولا إبداع مع الخوف، والأهم أن نبدأ في وضع خارطة طريق للمستقبل حتي يعرف المواطنون إلي أين هم ذاهبون، وأعتقد أنه من الضروري الإسراع بوضع دستور جديد حتي يعرف الجميع ما هو قادم هل ستحكمنا جمهورية برلمانية أم رئاسية وما الأوضاع السياسية المقبلة وما شكل الحكومة والبرلمان اللذين سيقوداننا لسنوات مقبلة مع الإسراع بمحاكمة رموز الفساد في النظام السابق حتي يدرك الجميع أن عهد مبارك ونظامه انتهي إلي الأبد، وأنه لا توجد فرصة لعودته بأسماء أخري. المواطن يجب أن يعرف أين يضع خطاه قبل أن يسير في الطريق.