قبل يوم الجمعة الماضية التى أطلق عليها «جمعة تصحيح المسار» كان السؤال المسيطر على أذهان المصريين ويشغل بالهم بمزيد من القلق: «هى الجمعة دى هاتعدى على خير؟».. كنت أتعجب وأندهش لماذا يسأل الناس هذا السؤال وهذه ليست أول جمعة أو مليونية تقام فى ميدان التحرير.. لكن السؤال كان يجىء من وجوه يسيطر عليها الخوف والقلق من المصير الذى تسير إليه البلاد واستمرار حالة الفوضى والانفلات.. والتى ما إن تهدأ الأمور فيها حتى تشتعل مرة أخرى دون مبرر فعلى أو حقيقى.. ولكن فقط لتظل الأمور مشتعلة وصعبة على المصريين. القلق كان من كثرة المليونيات و«الجمع» التى فقدت معناها ضاع الهدف منها بعد أن سيطرت عليها الانقسامات والاختلافات ما بين مؤيد ومشارك.. وما بين معارض ومنسحب من المشاركة. القلق كان نتيجة التحذير الذى وجهته القوى الثورية للأمن والجيش بضرورة إخلاء ميدان التحرير للمتظاهرين يوم الجمعة حتى لا يحدث احتكاك واشتباكات ومصادمات بين الأمن وبينهم، وهو ما استجابت له سلطات الأمن وأخلت الميدان مساء الخميس حتى لا يحدث ما يعكر صفو هذه التظاهرة. القلق الذى سيطر على المصريين جاء أيضاً بعد ما حدث بين الأمن والألتراس الأهلاوى فى معركة لا مبرر لها ولا تفسير منطقيا لما حدث فيها من اشتباكات ومصادمات فى مباراة عادية فاز بها الأهلى بالأربعة.. ولكن انتهت بمصادمات عنيفة وقطع طرق.. وإحراق سيارات أناس أبرياء لا ذنب لهم نتيجة تجاوزات عنيفة من الألتراس ضد الأمن بمزيد من العداء والكراهية.. والذى تحول بعدها الألتراس من ألتراس كروى رياضى إلى ألتراس سياسى يستخدم ضد مؤسسات الدولة. كل هذه الأحداث والأسباب كانت مبرراً لقلق الناس والذى تأكد عصر الجمعة.. فرغم انسحاب الأمن من التحرير إلا أن مجموعة الألتراس والبلطجية وبعض القوى إياها تحركت وذهبت إلى وزارة الداخلية فى لاظوغلى لتحطم الشعار وحاولت الاعتداء على الوزارة.. ما المبرر لهذا؟ لا أحد يعرف.. بعدها ذهبت هذه الجموع أيضاً إلى السفارة الإسرائيلية لتحطم الجدار العازل وتقتحم السفارة ثم تتجه إلى السفارة السعودية لترشقها بالطوب، وعندما منعهم الأمن تحولت المجموعة «الموجهة» حتما إلى مبنى مديرية أمن الجيزة لاقتحامها وإحراقها، والتحول مرة أخرى إلى السفارة لرشق قوات الأمن بالطوب والحجارة وقنابل المولوتوف.. ما هذا؟.. أليس كل ما حدث يعطى انطباعاً مؤكداً بأن هناك شيئاً مدبرا ضد البلد، أليس كل ما حدث يؤكد أن هناك سيناريوهات تأبى ألا تعيش مصر فى حالة سلام.. وأن تهدأ الأمور.. وأن تلتفت وتتفرغ لعملية الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى؟ أليس ما حدث ويحدث كلما طالبنا الأمن والشرطة بالنزول إلى الشارع وإعادة الأمن والانضباط إليه ومواجهة البلطجة والانفلات الأمنى.. وعندما تستجيب الشرطة وتنزل بالفعل وتقوم بدورها المطلوب.. تحدث مواجهات واتهامات تجعلها تتراجع وتعود إلى ثكناتها وتخشى أن تقوم بواجبها. إن خطأ الشرطة والأمن، ومن ورائه الحكومة، أن المراسيم بقوانين والتى صدرت منذ أشهر والتى تعطى الشرطة الحق فى مواجهة البلطجة والاعتداء على المنشآت والأشخاص وتكدير الأمن العام وأيضاً حقها فى الدفاع عن نفسها بشتى الوسائل ومنها القوة لم تفعَّل.. وخافت الشرطة أن تستغلها لصالحها حتى لا تتهم.. وهو ما جعل المجلس العسكرى والحكومة يعلنان معاً تفعيل بنود قانون الطوارئ وتعديلها لمواجهة هذا الانفلات الأمنى والبلطجة وتهديد أمن الناس وأمن المجتمع كله والذى تمت استباحته لدرجة أن الناس أصبحت لا تأمن على نفسها وعلى أبنائها ولا ممتلكاتها بعد أن كانت مصر بلد الأمن والأمان. أما الاتهامات بأن ما حدث كان مدبراً من المجلس العسكرى والحكومة لإحكام القبضة على البلد فى الفترة القادمة وأن سبب ما حدث هو بيان الحكومة التى أعادت فيه النظر إلى وقف تراخيص القنوات الفضائية الجديدة ومراقبة أداء الإعلام المهيج للجماهير وإثارة الفتن والشائعات، فأمر مردود عليه بأن هذه قوانين تفعَّل وأنه تكفى سبعة أشهر حتى الآن من الانفلات الأمنى والإعلامى أيضاً، وأنه لو أراد المجلس العسكرى والحكومة هذا لكانت ضربت بيد من حديد على ما سبق من انفلات وعدم ضبط النفس أكثر مما سبق. إن الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها الحكومة والمجلس العسكرى هى إجراءات تصب فى مصلحة استقرار وأمن مصر خاصة ونحن مقبلون على مرحلة حرجة من الإصلاح السياسى بفتح باب الترشح لمجلسى الشعب والشورى.. وما يستلزم ذلك من وجود ضبط أمنى وسياسى كبير.. وأن تعاد هيبة الدولة وأن تكون هناك قبضة حديدية للقبض على زمام الأمور. إن مصر الآن فى مرحلة فارقة وصعبة.. وهناك من يحاول أن يفكك أوصال هذه الدولة عن طريق الانقسامات والتمزقات وأحداث انهيار مؤسسات الدولة التى لم يبق منها سوى القضاء والقوات المسلحة.. وهما الحصن الباقى لنا.. لذا فلا مجال للتهاون أو انقسام الآراء.. فكما يقول شاعرنا حافظ إبراهيم «نحن نجتاز موقفا تعثر الآراء فيه.. وعثرة الرأى تردى». إن القوى الثورية المختلفة عليها مسئولية جسيمة بضرورة عدم اللجوء إلى الشارع والميدان للتأكيد على المطالبات السياسية مع أن معظم ما طالب به الثوار تحقق أو فى سبيله إلى التحقق بدءا من محاكمات مبارك ورموز الفساد.. وأيضاً على أصحاب الملفات الفئوية ضرورة عدم اللجوء إلى الإضرابات والاعتصامات فى هذه المرحلة حتى لا تزيد الفوضى.. وحالة الانفلات فى المجتمع المصرى ككل.. وأخيراً.. أن يلتزم الإعلام المصرى الخاص والعام بعدم الإثارة واللجوء إلى تهييج الجماهير من أجل مصالح وأجندات سياسية خاصة على حساب مصالح المصريين وأمن مصر القومى ومقدرات الشعب ومكتسباته.