د. آمنة نصير بين تسارع وسخونة الأحداث السياسية التي نعيشها وبين نسيم الأيام المباركة التي هلت علينا يكون الحوار له متعته مع شخصية مفكرة ومستنيرة بمجتمعها وعلي دراية بحلاوة الدين الإسلامي وسماحته وصاحبة رأي وموقف جريء كالدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر وبالرغم من ظروفها الصحية لتعرضها لكسر ساقها إلا أنها مشكورة آثرت إجراء هذا الحوار خلال السطور القادمة.. صباح الخير: بعد مشاهدتك لمحاكمة مبارك والأصوات التي تتفاوت في مطالبها ما بين التسامح معه لكبر سنه أو الشماتة فيه وكيف هي نظرة الدين الإسلامي للقصاص العادل البعيد كل البعد عن الشماتة أو التفريط في الحق لمصلحة الحاكم إذا فسد وظلم؟ الدكتورة آمنة: مما لا شك فيه أن مبارك أساء للمجتمع ولتاريخه هو شخصياً ولم يراع الله في حمل الأمانة التي أؤتمن عليها في حماية البلد ولم يأخذ المسئولية المأخذ الدقيق في ولايته وحكمه بأن يكون حاكماً مخلصاً وعادلاً وألا يأخذ أكثر مما يستحق ولا يترك الحبل علي الغارب للبطالة التي التفت حوله ولأبنائه بل غض البصر عن أمور كثيرة ولم يكن عادلاً في اعطاء المجتمع حق اختيار من يريد أن يمثله في الهيئات التشريعية والبرلمانية ولم ينظر للحكم علي أنها فترة ليعطي فيها ما يملك من قوة وسهر وعطاء ويترك لغيره مواصلة مسيرته في الحكم في إطار ديمقراطي بل نظر لمصر علي أنها «عزبة خاصة» يورثها لأبنائه وأحبائه من بعده وتاريخه مثقل بسلبيات الحاكم.. لذا كان لابد أن يأخذ القانون مجراه إلي آخر مدي وتوضع القضية في محكمة العدل الدنيوي أما الأخروي فلله وحده. وأعيب كل «الرطرطة» حول محاكمته التي تصل للشماتة فالقصاص وعدالة القاضي مع حاكم أساء لوطنه تكفي دون تطاول أو «حجج» في الكلام والنكات لأن هذه الأقوال لا ترقي ولا تليق بشعب متحضر كذلك عندما أسمع أصواتاً تتعاطف معه.. علام يتعاطفون؟! هذا أكبر دليل علي عدم الرشد أو النضج السياسي وإهمال حقنا في ردعه فعندما ولي الخلافة أبوبكر وعمر رضي الله عنهما كانت الكلمات المأثورات «وليت عليكم ولست بأفضل منكم فإن احسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني». وما يحدث من ذرف الدموع علي هذا الحاكم الظالم هذه الأيام من البعض نتاج المرض النفسي الذي وضعنا فيه النظام السابق بين الصدمة والحسرة وصراع التعاطف الأرعن وصراع الانتقام الأهوج وهو ما يرفضه الإسلام في كلتا الحالتين. صباح الخير: هل ساهمنا كشعب ومثقفين ورجال دين في تمادي هذا الفساد والإساءة من الحاكم؟ بدلاً من التصدي له كما فعل الشباب في 25 يناير؟ - د. آمنة: بالطبع كلنا ساهمنا في ذلك ولم نأخذ علي عاتقنا - كأهل لهذا الوطن عندما رأينا انحراف الحاكم عن الطريق القويم - نقده بشجاعة بل ساهمنا في نفاقه واعطيناه حق الغواية وتم تأصيلها في إطار ديني واستخدام النصوص لدي فرق إسلامية رفعت راية الإسلام وتركت له الحبل علي الغارب بعد أن وأكل مالها وجميعنا ساهمنا في إيصال هذا الجبروت وفكرة التوريث بدلاً من نقده وساعدت سطوة الحاكم وأمن الدولة وسطوة المنتفعين علي إرهاب المجتمع وأي صوت يعن له أن يقول قول الحق. ولم تتذكر عندما وضعت الجماعات والمؤسسات الدينية الفقه الذي انتزع من مساره عندما قال عمر بن الخطاب: «لو تعثرت بغلة في بغداد لحاسبني الله عليها لأنني لم أعبد لها الطريق». صباح الخير: وما رأيك في شباب 25 يناير وهل كنت تتوقعين ذلك منهم ورأيك في مساندة المؤسسات الدينية لهم؟ - د. آمنة: لقد حمي الله سبحانه وتعالي البلد بأن أمدها بهؤلاء الشباب الذين ربط علي قلوبهم ووجههم بثورتهم وفتوتهم واندفاعهم الذي إن كنت سئلت عنه في شيخوختي هذه لكنت أحبطت الكثيرين وقلت لهم ستسحقون.. تمهلوا ياأبنائي ولن تستطيعوا ولكن الله أراد أن يوقف بحر الظلمات التي وقعت فيها البلد وأن يكون ذلك درساً لكل حاكم قادم ودرساً للشعب كله بعدم الاستكانة لحاكم حتي لا تقويه أما المؤسسات الدينية من أزهر وكنيسة فكلاهما كان تحت جناح الحاكم وأعطوه أكثر مما يستحقه من ولاء ومودة بشكل أو بآخر ولم يعطوا هذه المؤسسات حقها ومسئوليتها الدينية والدنيوية وأمانة الكلمة لمستقبل هذا البلد وليس لأسماء بعينها. وأطالب شباب مصر شباب الثورة وانصحهم إياكم والغرور فأنها مهلكة. صباح الخير: وما رؤيتك لأداء الحكومة الانتقالية الآن والمجلس العسكري وسيناريو الخروج من هذه المرحلة الحرجة؟ - د. آمنة: حكامنا الآن وقفوا كالموج الهادر في بداية الثورة سواء عسكريين أو مدنيين وهو ما لا ينكره عاقل فلا ينكره إلا جاحد ولكن العشم أكبر من ذلك بكثير ليشتد التوجه للمستقبل بما فيه روح الثورة ونظرة البناء والوقوف بحزم إلي كل من يدخل هذا الحوار ولا طائل من ورائه سوي الأجندات أو المطامع الضيقة ويعرفوا مكمن الخطر علي المستقبل وألا يغضوا الطرف أمام هذا الترهل في الأحوال التي نعيشها وأقصد بهذا الترهل أن الحكومة الحالية لا تصلح سوي في المدينة الفاضلة والمستقرة وليس التي هدم فيها نظام فنحن نحتاج ليد قوية تعيد البناء لحاله ومع كل الاحترام لهذا الرجل الطيب الفاضل المهندس عصام شرف ولكن نحتاج لحكومة أشد وأعمق في مواجهة هذه المزايدات التي تخرج من ضيق المرحلة وتستطيع أن تعطيه للمرحلة القادمة فالاقتصاد متوقف ومضطرب والمجلس العسكري يحتاج لكوبري ليصل بين كل طرف من الأطراف ويعلو بهذه المرحلة الخاصة وللحق فأنا لا أعرف الدواخل ولا أدري التفاصيل ولكن الظاهر أننا نحتاج ليد قوية وحزم لبناء هذا البلد. صباح الخير: رأيك في المد الظلامي المتمثل في الجماعات السلفية وظهور أحزاب منهم وتخوف الشعب من هذا المد السلفي؟ ورأيك في الأحزاب الدينية أو ذات المرجعة الدينية؟ د. آمنة: رأيي أنهم كل ما قدموه ليل نهار لا يرقي لأي رحمة أو وسطية حقيقية، ولم يقدموا قيماً تبني مجتمعاً ولم يمنحوا المجتمع التآخي والمودة والحب والإنسانية، وأحقية الإنسان سواء مسلماً أو مسيحياً ليبرالياً أو علمانياً في كيفية السمو لمفهوم الإنسانية الذي رسخه الإسلام في بناء المجتمعات، وأسألهم ألم تسمعوا عن الرسول عندما مر جثمان فهب واقفا وسأله الصحابة لما وقفت لجثمان يهودي؟ فأجاب: أليس بنفس؟ وأسألهم ألم يسمعوا بما قاله الرسول للكعبة: «ما أحلاك وما أبهاك ولكن النفس أعز علي الله منك».. وأريد أن أعرف هل درسوا الكليات الخمس ألا وهي حماية النفس والمال والنسل والعقل والعرض؟ فقد عظم الدين احترامهم، فهم لم يفهموا هذا الدين ولم يحترموا الإنسان الذي شرفه الله في كتابه الكريم بآيات تبدأ ب«يا بني آدم وأيها الناس» ولم يقل «يا أيها المسلمون السلفيون»؟! أقول لهم اقرأوا القرآن وافهموا نصوصه وافهموا التاريخ وكفاكم إعطاء العقل إجازة مفتوحة وكفاكم الأجندة البدوية التي أتيتم بها بأجر سخي.. وأنا مطمئنة فالشعب المصري ذكي وما يظهر علي السطح من حديث عن السلفية، كما تظهر موضة بنطلون أو كعب حذاء، وستزول هذه الموضة بتصاعد الأوكسجين في هذا البلد، وبوجود الديمقراطية التي تبني علي أدب الاختلاف ويكفي ما سمعته من أحد هؤلاء السلفيين بأنه يتمني عودة «السبايا» حتي يدر دخلاً علي خزانة الدولة!! فهل هذه آراء نخاف منها أو نخاف أن تسيطر علي الحكم في بلادنا؟! فما حدث أن مصر بعد الثورة أصبحت مطمعًا لتيارات ممولة من الخارج لتنفيذ أجنداتها مما أدي لظهور خلايا نائمة للجماعات الأصولية المتشددة، ولكن نصيحة أخيرة لهم أن يراجعوا أنفسهم ويفهموا دينهم بدلاً من أجنداتهم التي تمزق النسيج المصري. صباح الخير: ماذا عن الدعاة وظهورهم علي الساحة السياسية في التهدئة وحل المشكلات التي هي من واجب الحكومة؟ - د. آمنة أنا انتقدت ذلك وبشدة في كثير من المناسبات، فرجل الدين خرج من دائرة النصح إلي علاج الإنفلات وقيادة هذه المرحلة وهو دور الحكومة الذي يجب أن تضرب بيد قوية علي أي خلل أو انفلات، ويجب أن تكون أشد في هذه المرحلة الحرجة التي نعاني فيها من الاضطرابات. صباح الخير: رأيك في كيفية التصدي لروح الفتنة الطائفية والقضاء عليها وهل أنت مع مبادرة بيت العائلة من الأزهر؟ - د. أمنة: لا شك أن الكثرة المسلمة هي من عليها مسئولية بث روح الأخوة والمودة والحب واستيعاب أهلهم من المسيحيين الأقل عددًا، فهم لهم حق وواجب علينا ومر وقت أهملنا فيه هذا الدور والسبب في هذا الإهمال، أنه وفد علي مصر الكثير من الثقافات من دول الجوار، لا تعرف قيمة جذور الشعب المصري فهم عجينة لا يوجد مثلها علي الأرض، ونحن نتكلم هنا عن تاريخ المسلم والمسيحي «أهلي» فمن المؤكد أن جدي الكبير كان «حنا»، وأسلم أخاه فأصبح «محمد» وهكذا فإن كل فرد لديه عم أو خال من طرف للآخر وكلنا ثقافة واحدة وعادات جميلة واحدة، شملت المصريين جميعًا ومناسباتنا أيضاً ومواسمنا واحدة، ولا أريد الانسياق لمصطلحات كالفتنة والاضطهاد، فنحن ليس لدينا «فتنة» وإنما «رعونة مجتمعية»، تسببت في أن تركنا الساحة وضعف الطرفان، فكانت المحن التي سرت بهذا البلد وجعلت أهلنا المسيحيين يستقون بالخارج وأصبح مهيأ لمن يتربص بهذا البلد أن يتدخل، ويبث هذه المصطلحات الجديدة علينا، فأبناؤنا أنا وجارتي المسيحية لا نستطيع أن نفرقهم عن بعضهم البعض بعكس ما رأيته في بلاد غربية كثيرة، ففي أوروبا نفسها الأطياف والأديان المختلفة بينها عنصرية قوية جدا، وعندما سرت الشعارات الكاذبة في بلدنا صدقناها ودخلت لنفوسنا النظيفة منذ خمسين أو ستين سنة لتحدث فرقة في بنية المجتمع المصري. وفي رأيي فإن الروشتة السريعة للم شمل هذا البلد: أولها: الابتعاد عن الأجندات الخاصة بالغرب وبالمتربصين داخليا ببلدنا والتيقظ لهم. ثانيها: أن ندرك قيمة ومكانة وعظمة جذور هذا الوطن وتاريخه منذ دخل عمرو بن العاص مصر، ونتذكر ما قاله «سرييوس» في خطابه في ثورة 1919 عندما كان مدركا لدسائس الاستعمار فندرك ما أدركه. ثالثًا: أتمني من الحكام القادمين أو مجلس الوزراء والمؤسسات الدينية والثقافية أن يتطلع كل منهم إلي دوره الحقيقي في إعادة عظمة مصر التي تفردت بها فنسكت أي صوت يزرع جذور أي فتنة. ورأيي أن جميع الثقافات يجب أن تنصهر جميعا من إسلاميين وليبراليين وغيرهما لمصلحة مصر، وتكون اتجاهاتهم كلها متوازنة بوسطية، لأن هذه هي طبيعة مصر المتزنة وأنا مع كل فكرة أو مبادرة للم الشمل المصري كما في بيت العائلة بالطبع. صباح الخير: وما رأيك في أهمية وجود المادة الثانية من الدستور؟ وهل أنت ضد إلغائها؟ - د. أمنة: أنا لم أسمع البابا أو أي طرف تكلم عن المادة الثانية، وبالمناسبة فإن هذه المادة هي حماية للمسيحيين قبل المسلمين والمثقفون يعلمون هذا جيداً، المسألة أن إلغاء المادة لم يطرح أبدًا وإنما دائما يأتي ذكر المادة الثانية كنوع من إعلاء الصوت لما يجذب العوام ونوع من تجارة الحرب كطواحين الهواء لمكسب دنيوي وليس هناك مطالبات بإلغائها من الأساس. صباح الخير: وهل تقبلين أن يكون رئيس مصر مسيحياً إذا اتسم بالكفاءة والقدرة علي شغل هذا المنصب؟ - د. آمنة: الفيصل عندي هو صوت المواطن متمثلاً في صناديق الانتخاب ، والإسلام لم يفرق بين مسلم أو مسيحي، فعندما أسس الرسول دولته في المدينة ووضع دستورا يسمي «صحيفة المدينة» بين أهل المدينة من الأطياف المختلفة، فالعدالة كانت كاملة وكل إنسان له قدر ما عليه ولا فرق بين عربي أو أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوي والعمل.. اقرأوا صحيفة المدينة وهنا تتأكدوا من هذه العدالة، فلو أعلنت الصناديق الانتخابية فوز مرشح مسيحي سأكون أول من يرفع له القبعة احترامًا.. ولكن نحن نضع هذا الافتراض كما نضع افتراض أن تقوم سيدة بقيادة البلاد وكلها افتراضات من باب الفروض العلمية الخيالية الفلسفية فكيف أقفز لأرشح نفسي قبل أن أكون محافظا أو رئيس جامعة! صباح الخير: وهل أنت مع إلغاء «قوانين الهانم» كما يطلقون عليها ومنها قانون الخلع؟ - د. آمنة: في رأيي هم أعطوا لسوزان مبارك أكثر مما تستحق عندما نسبوا لها هذه القوانين، فماذا كنا نحن كدولة عندهما تكون هي من شرعت قوانين مثل الخلع والرؤية وغيرها، فهذه إهانة لنا، فأين الشريعة؟! فأنا لا أريد إلا ما أعطته لي الشريعة والخلع حق أعطاه الله للمرأة، وأقره القرآن، كما أقر كل أوجه العدالة الاجتماعية ، فما ظلم المرأة هو الموروث الثقافي والعرف الاجتماعي، أما الشريعة فهي من أعطت لنا كل العدالة في التشريع ويكفينا أن نأخذ ما أعطته لنا الشريعة. وأنا أكره لقب سيدة مصر الأولي، وأتمني من الرئيس القادم ألا تكون هناك سيدة أولي ومثل هذه الألقاب التي ساهمنا نحن في إثرائها، فجينات الفراعنة التي تؤله الحكام مازالت لدينا وأسلوبنا في تقوية الحكام وبطانتهم هي ما تفسد الحكام، كما فعل أحمد عز الذي قتل العمر كله واختزل تاريخ مبارك كله في هذه السيئات في الحكم، وكنت دائمًا أعجب من هذه الأمور في البلد كلقب سيدة مصر الأولي والحزب الذي استحوذ علي الشعب كله، وكأنه ليس فيكم رجل رشيد!! وكنت دائمًا أحذر من «الحارقة المارقة» وهي الثورة علي الظلم ومن غضب شعب أم الصابرين.