كنا ومازلنا نظن أن الإعلام الحكومي وحده هو المغلوب علي أمره، منصاعًا ومنبطحًا ويسير بالكتالوج المرسوم له.. والإعلام المستقل هو النافذة التي يهرب من خلالها أصحاب الرأي والرؤي والعقول المتحررة، لكن يبدو أن هذا الكتالوج موزع علي الجميع.. حكومي ومستقل لكنه محتفظ به في الأدراج ليظهر بين الحين والآخر عندما تتلامس المصالح مع حرية الرأي لتتفجر التساؤلات عن طبيعة العلاقة الثلاثية بين الإعلام ورأس المال والسلطة.. من يتحكم أكثر ومن له الكلمة العليا؟ فما حدث مؤخراً في قناة دريم التي استبعد صاحبها المذيعة دينا عبدالرحمن عقب الهواء مباشرة بسبب تصديها بالرد علي اللواء عبدالمنعم كاطو بعدما اتهم الزميلة الكاتبة الصحفية نجلاء بدير بأنها مخربة.. فيما اعتبره مالك القناة خروجا عن النص وجريمة تستحق الفصل والاستبعاد من القناة، والقضية أكبر من كونها إيقاف برنامج أو استبعاد مذيعة، القصة الأهم هي دلالة الموقف نفسه، وهي أن رأس المال والسلطة يتحكمان في الإعلام.. فإما الانصياع للتوجيهات أو الحرمان من الظهور علي الشاشات! فصاحب القناة.. يبدو أنه لم يستطع الخروج.. من عباءة النظام السابق رغم قيام الثورة ورغم أن قنواته كانت من القنوات المعبرة بل والمحرضة عليها. والحقيقة أن تجربة دينا عبدالرحمن مع قناة دريم لم تكن تجربة وحيدة وفريدة، فقد سبقتها تجارب أخري تؤكد تحكم وهيمنة رأس المال في الإعلام. ففي نفس القناة تعرض الإعلامي أحمد المسلماني العام قبل الماضي لموقف محرج علي الهواء عندما كان يتحدث عن الوزير محمود محيي الدين وينتقده، فإذا بصاحب القناة يأمر بقطع الإرسال عليه، وبالفعل خرج المسلماني ولم يعد إلا بعد فترة بعد مداولات وإصلاحات للموقف. وكذلك ما حدث في قناة المحور مع الإعلامي معتز الدمرداش الذي رفض إجراء حوار مع عبود الزمر عقب خروجه من السجن، وهو ما أثار غيظ صاحب المال، فما كان منه إلا أن استبعده من القناة. ومن الفضائيات الخاصة للصحف الخاصة، لم يختلف الحال.. نفس التفكير ونفس التعامل مع أصحاب الرأي وبالذات الرأي الذي يصطدم أو يخالف مشاريعهم ومصالحهم.. وحالة الكاتب الصحفي أحمد الصاوي بجريدة «المصري اليوم» أكبر دليل علي ذلك.. عندما هاجم السيد البدوي رئيس حزب الوفد وصاحب مجموعة قنوات الحياة، فما كان من زميل رجل الأعمال وصاحب الجريدة، إلا أن اقتص له من الصحفي الذي أغضبه وقرر استبعاده علي الفور كترضية له. وأيضا لا ننسي ما حدث مع الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي مع السيد البدوي الذي أجري صفقة شهيرة للإطاحة به من جريدة «الدستور» كهدية للنظام السابق ووريثه! إذا كانت هناك محاولات لكبت الحريات وتحكم من رأس المال في الأداء المهني للإعلاميين في النظام السابق.. فإن استمرار الحال علي ما هو عليه بل «وبتبجح» أكثر بعد 25 يناير، هو ما يثير الاستغراب والتساؤل.. هل الثورة وصلت لأصحاب المال والأعمال والقنوات والصحافة الخاصة أم لا؟! هل السلطة الحاكمة «أيا ما كانت» تتدخل فعلاً وتهدد وتتوعد لأصحاب القنوات أم أنهم- أي أصحاب القنوات والصحافة الخاصة- يميلون إلي التجويد ومجاملة السلطة دون أن تطلب، درءًا لأي خطر أو ملف قد يفتح وتفوح منه رائحة أي مخالفة أو فساد. • صاحبتا الديوان صحيح قد يُحسب علي الكلام في هذا الموضوع، وقد يعتبره البعض شهادة مجروحة بحكم علاقتي بهما! لكن قيمة وقامة الاثنتين نجلاء بدير ودينا عبدالرحمن ترفع عني ذلك الحرج، فما يحظيان به من حب واحترام ومواقفهما الواضحة كل هذا كفيل بالدفاع عنهما! لكن في وقت أصبح فيه التخوين والتحريض للجميع، أجد لزامًا علي أن أكتب عن الاثنتين لتعريف من لا يعرفهما، الكاتبة الصحفية المتهمة بالتخريب والمذيعة المتهمة بالتحريض! الأولي.. أستاذتي وزميلتي «نوجة» كما نناديها في صباح الخير.. التي تعلمت علي يديها أسمي معاني الإنسانية قبل أن نتعلم أهم دروس الصحافة! «نجلاء بدير» المخربة- علي حد وصف اللواء كاطو- ليت كل المخربين مثلها يفعلون فعلها في هذا البلد.. فما أنبل تخريبك يا «نوجة» في بلدنا! ففي الوقت الذي كانت تنفق فيه أموال العلاج علي الكبار وأصحاب الحظوة والواسطة من الأغنياء.. كانت نجلاء تفكر وتجد البديل للفقراء.. فهي مؤسسة خيرية تسير علي قدمين، تتحمل آلام وأوجاع البشر وتتعايش معهم إلي حد الاندماج.. وفي بعض الحالات التي كانت تساعدها في إجراء أكبر وأخطر الجراحات- مثل القلب المفتوح- كانت لا تكتفي بما قدمته من خدمات أوصلت المريض إلي حجرة العمليات دون أن يعلم من أين وكيف أتت بالتكاليف.. كانت تجمع كل أصدقائها وتوصيهم بالصلاة وقراءة القرآن لأجل المريض الذي تجري له الجراحة تمامًا وكأنه ابنها أو أخوها.. لم أشعر مرة بفرق في مشاعر نجلاء وهي تتابع حالة من حالاتها.. وهي تتابع حالة والدها ووالدتها رحمهما الله. وإليكم بعض المشاهد «التخريبية» لهذا القلب الرحيم.. حالة الطفل هشام من بني سويف- 9 سنوات- والذي جاء من قريته الفقيرة بقلبه العليل.. بحثا عن فرصة علاج في القاهرة وأرشدوه إلي نجلاء بدير، وبالفعل أجريت له الجراحة علي أتم وجه، وجاء دور المتابعة الدورية التي تستلزم بقاءه في القاهرة لأسابيع ومن أين له بالإقامة هو والدته في العاصمة التي لا قريب ولا نسيب لهما فيها ولا حتي قدرة علي استئجار مكان للمبيت فيه. فما كان من «نوجة» إلا أن استضافتهما في بيتها وفي حجرة نومها وعلي سريرها نام هشام ووالدته، أما نوجة وزوجها وابنتها فقد ناموا علي الأرض «بلا مبالغة» في حجرة ابنتهم الوحيدة! ولا أنسي مشهد الشاب سامح- 17 سنة- الذي كان مصابا بمرض نادر في القلب أصاب كل إخوته قبله في نفس السن، وللأسف تحدث الوفاة قبل أن تستطيع الأم جمع تكاليف الجراحة، مات اثنان من إخوته وهو الثالث، وكانت الأم ونجلاء في حالة سباق مع الزمن وتحد غير عادي لإنقاذ هذا الشاب من أجل قلب أمه المفطور علي أبنائها. جاهدت نجلاء بكل ما أوتيت من قوة من أجل تدبير تكاليف الجراحة التي قرر الأطباء إجراءها في لندن في أسرع وقت علي أن ينقل المريض بطائرة مجهزة تكلفتها (100) ألف جنيه، وبالفعل تبرع بها أحد رجال الأعمال بعدما ذهبت إليه نجلاء. وبعد تحضير الإشعة في وقت قياسي يصعد سامح إلي الطائرة، وفي منتصف الطريق بين القاهرةولندن تصعد روحه إلي بارئها.. تفتكروا وقتها لما عرفنا الخبر ذهبنا إلي من نعزيه أولا!! تصدقوا إن إحنا روحنا إلي نجلاء وكنا نعزيها هي قبل أم سامح! سامح وهشام وكريمة وأحمد وغيرهم من الأسماء التي مرت علينا في صباح الخير «عيادة الست الدكتورة» كما نسميها وليست الست المخربة كما يدعي «كاطو». • مين مايعرفش نجلاء وما يحبش دينا صحيح نجلاء ودينا عبدالرحمن ربطت بينهما اتهامات اللواء كاطو مؤخرا، لكن في الحقيقة أن بينهما روابط أو سمات مشتركة رغم أن علاقتهما.. لا تعدو مذيعة تقرأ لكاتبة محترمة والكاتبة مشاهدة جيدة لمذيعة متألقة. فكثيرًا ما حاولنا إقناع نجلاء بدير للظهور في البرنامج لقراءة الصحف مع دينا أو ضيفة في فقرة أحوال، لكنها كانت دائمة الرفض وتقول «من مصلحتكم ألا تخسروني كمشاهدة للبرنامج عشان تكسبوني كضيفة»! اكتشفت مع الوقت أن نجلاء ودينا شخصيتان جمعهما حب وهم الوطن والمواطن الغلبان، باعتباره هما شخصيا وليس همًا مهنيا «أداء واجب من بعيد لبعيد». لذا لم يكن غريبا أن تكون نجلاء ودينا من مقيمي ميدان التحرير طوال (18) يوماً.. نجلاء تستقبل نسمات الصباح علي رصيفها المعتاد في قلب الميدان. أما دينا فقد نقلت ميدان التحرير يوميا إلي المشاهد عبر برنامجها، ولم تكن تعبأ بما يقدم لها من إنذارات أو تهديدات، وحتي وإن كانت علي الهواء.. كما حدث معها في حلقة الثلاثاء (1) فبراير الماضي قبل موقعة الجمل بيوم. إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس حببهم للخير وحبب الخير إليهم! وهو ما وجدته في دينا ونجلاء اللتين كانتا علي موعد دائم مع غلابة ومقهوري هذا الوطن، ويكفي أن أقول لكم إن حلقة الاثنين الماضي التي لم تذع كان مقررًا لها أن تكون كلها ديوان مظالم نعرض فيها لمظالم الناس المتراكمة لدينا حتي نجد لها الحل قبل دخول الشهر الكريم. وأخيرًا إذا كانت دينا تم استبعادها وحرمان جمهورها ومشاهديها منها لمجرد أنها تجرأت وعبرت عن رأيها أو ردت علي مسئول أيا كان. ليست هذه هي المشكلة فإذا أغلقت قناة، فهناك عشرات القنوات التي تسعي وتحاول ضم إعلامية مميزة. ولكن الطامة الكبري هي استمرار القلق والشك في علاقة رأس المال والسلطة بالإعلام.