فوجئت بدموعي تنساب في حالة من العشق وفيض الوجد التي فجرتها مشاهدتي لأغنية «عنواني»، وهي أغنية ليست لمغن واحد، ولا لفريق وحده، إنما اشترك فيها كل من فريق «صدفة»، وزاب ثروت، ومحمد سويد، وقزاز. الأغنية تتحدث عن علاقتنا اليوم بالقدس، ببساطة وعمق وصدق في الكلام واللحن والأداء. صوت عذب وتوزيع موسيقي رائع وإخراج ل«أنس طلبة» يضيف بالصورة المزيد من العمق والجمال إلي المعني. إنها أغنية في عشق القدس، «حالة م العشق لترابك». وفي الوقت نفسه هي أغنية حماسية «حالفين لناخد بتارك». كما أنها أغنية فيها مونولوج بين الإنسان المحب الذي يعترف للحبيبة بتقصيره تجاهها نتيجة أسباب قهرية «ياقدس ياريت تسامحيني، ده ظلم سنين عمي عيني، وعمي قلبي عن الواقع، وخلاني أكون بايع». لم تتحدث الأغنية بطريقة مباشرة حول أن الطريق إلي القدس يبدأ من القاهرة بعد نجاح الثورة، إنما وصل المعني بانسيابية عن طريق استخدام مليء بالإيحاء لكلمة «صلاح الجيل» بما تبعثه من رنين لاسم القائد «صلاح الدين»، حيث بعد الاعتراف للحبيبة تنقلنا الأغنية إلي هذا المقطع الفواح: «شايف صلاح الجيل واقف علي بابك، حاشد جيوش ثوار واقفين علي عتابك». ثم عبر الريتم المنتظم نفسه تستمر كلمات «عبد الرحمن الجرواني» في الحديث عما تقوم به الحشود الحرة: «بيحطموا الأسوار، آلاف من الثوار، خلونا ناخد حقنا، خلاص بقينا أحرار». ثم بعد الكلمات السابقة بالأداء السعيد عن أننا «خلاص بقينا أحرار» نجد أن نتيجة الحرية بإذن الله هي الجملة التي أبكتني: «دخلواعلي الأقصي وصلوا ركعتين، مشهد من القصة هنشوفه يوم بالعين»، مع مد لكلمة «بالعين» بأداء عبقري من «محمد سويد» يوحي بأن مجرد تخيل هذا المشهد يجعل الدنيا تكاد ألا تسع فرحتنا، خاصة أن الجمل التالية مع التوزيع الموسيقي الرائع جاء فيها: «أنا لسة فاكر من سنة واحنا هنا واقفين، في جيشك واقف أنا جنب صلاح الدين»، إنها جملة تحقق حالة شبيهة بتيار الوعي واستدعاء ما كان والتطلع باتجاه ما هو آت. كل هذا عبر موسيقي مدهشة جعلتني أذوب مع أنين أوتار الجيتار، وتتعلق عيني بحركة القطار الذي رفع عليه أحد الشباب راية فلسطين بأداء من السهل الممتنع، دون إغفال أهمية لقطة الأم التي تحافظ علي القضية من جيل إلي جيل، في الوقت الذي يواصل الشباب السير في الطريق الذي اتخذوه، ذلك الطريق الذي شهد أداء الصلاة علي الأسفلت فوق علم فلسطين المحفوف بالحجارة رمز الانتفاضة خلال مقطع رائع ل«قزاز» باللغة الإنجليزية، إنه الطريق نفسه الذي شهد في بداية الأغنية اعترافات «زاب ثروت» الصادقة للقدس: «نسيت والعمر نساني، نسيت وضعفي بكاني، وييجي في حلم يهمس لي، ما يفزعني، لكن كلامه يوجعني، أموت أنا فدا بلادي، لكن الأصل بينادي»، حين توالي دخول الشباب وتحرك الجميع في اتجاه واحد، وصولا إلي الخاتمة التي تقترب فيها الكاميرا من البادج الذي كنا نلمحه مشبوكا في ملابس كل منهم خلال الطريق، ثم بانفراد البادج داخل الكادر نكتشف أنه يتضمن علم فلسطين مكتوبا عليه: قريبا سنصلي في القدس. فبدون ضجيج تصل الأغنية بنا إلي أننا سنظل علي يقين بأن صلاتنا في القدس ستكون تحت رايتنا المنتصرة بإذن الله مهما طال الزمن.