للثورة ثمن، وسقوط النظام الفاسد لن يكتمل دون مقاومة، لكن ما حدث فى الأيام الأخيرة من محاولات الهروب الجماعية والمتكررة فى أقسام الشرطة، بجانب معركة شارع عبدالعزيز، وغيرها من مظاهر التجرؤ على السلطة يطرح العديد من الأسئلة التى يجب أن نعثر على إجابات سريعة وشافية لها حتى تنتهى سريعًا توابع زلزال الانفلات الأمنى الذى فرضه علينا النظام البائد وهو يترنح بعد ثورة 25 يناير. ما حدث باختصار أنه يوجد سلسلة حلقات تخويف وترويع الشعب الفرح بثورته لم تتوقف كما كنا نظن، فقد بدأت سلسلة من الحوادث تتكرر بشكل يوحى أحيانا بأنه مخطط له، وفى أحيان أخرى بأنها عدوى انتقلت لفئة أخرى من الشعب كانت تطمح للحياة بعيداً عن سلطة القانون وقد تحقق لها هذا أخيراً، والدليل ما حدث فى شارع عبدالعزيز كونه كان يتم كثيرا قبل الثورة بسبب صراع العائلات على السطوة والنفوذ، لكن الجديد بعد الثورة هو ذلك العنف وتلك «البجاحة» التى جرت من خلالها هذه الاشتباكات، يضاف إلى ذلك ما يحدث من محاولات متكررة للهروب من أقسام الشرطة وكأن هناك من أقنع المحتجزين داخلها بأن تلك العملية أصبحت ممكنة الآن، بالتالى كان قرار رئاسة الوزراء بتكليف وزارة الداخلية لاستخدام أشد صور الحزم والقوة من أجل محاصرة هذه الجرائم أمراً متوقعا ومرحباً به، لكن لازال الرأى العام فى حاجة للاقتناع بأن الشرطة الآن يجب أن تؤدى دورها فى حماية أمن المجتمع دون أن تتهم بالاعتداء على حقوق الإنسان، وأنه ليس من العقل أن يدافع المواطن عن بلطجى لمجرد أنه يصارع رجل شرطة، والأهم أن ثورة المصريين فى25 يناير ليست المسئولة عما يحدث لأنه كان يحدث فى زمن مبارك ولأننا حتى لو دفعنا الثمن غالياً هذه الأيام . * فلول النظام رغم ذلك يرفض الرائد أحمد رجب - المتحدث الرسمى باسم الائتلاف العام لضباط الشرطة - عدم اتهام فلول النظام السابق بالوقوف وراء ما يحدث، لأن هؤلاء لن يتركوا مصر تنعم بالأمان وسيحاولون قدر استطاعتهم العبث بأمن الناس، لكن تلك المحاولات ستحاصر كما يؤكد أحمد رجب حتى تصل مصر إلى بر الأمان بانتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة، مؤكداً أن وزارة الداخلية وتحت إشراف اللواء منصور العيسوى تكثف حالياً من الحملات المكبرة والمجموعات القتالية التى يشارك فيها عناصر من كل قطاعات الوزراء للهجوم والتفتيش على أوكار المجرمين والمسجلين خطر، من أجل محاصرتهم ومنعهم من التخطيط لأى جرائم، فى الوقت نفسه يتم تنظيم ندوات بالتعاون مع مؤسسات حقوقية لتوعية الناس بأن دور الشرطة تغير بعد الثورة وبأهمية تعاون رجل الشارع مع رجل الشرطة ضد البلطجة والإجرام، وأن التاريخ يؤكد حدوث هذا الانفلات الأمنى بعد كل ثورة، ومؤخراً التقى وزير داخلية التشيك برجال الداخلية فى مصر لنقل تجربة بلده المماثلة وكيف أن الاستقرار الأمنى لم يبدأ إلا بعد مرور عامين، لكن رجال الداخلية المصرية مصممون على أن يتحقق الاستقرار الكامل خلال شهور لكن بمعاونة الشعب. * غياب العقاب من جانبه يطالب اللواء فاروق حمدان - مساعد وزير الداخلية سابقاً - بأهمية العمل على تنفيذ القانون، فكل التصرفات التى تحدث فى الشارع مؤخرا تنتج عن اطمئنان الخارجين عن القانون إلى أنهم لن يعاقبوا بسبب جماعية الفعل، لهذا يدخلون المشاجرات ومحاولات الهروب بأعداد كبيرة، مع العلم أنهم ليسوا كلهم بلطجية مؤجرين، فهناك من يريد أن يفرض سطوته على الشارع الذى يعمل به من خلال القوة حتى يحصل على نفوذ خاص له، وكل أشكال هذه الجرائم يمكن محاصرتها بالتعاون بين الشرطة والشعب وعودة هيبة القانون، فهل يرضى المواطنون الآن أن يخرج البلطجى أو اللص له ويحصل على ما يريد بسهولة كما نسمع، لأن المواطن يعرف أن رجل الشرطة لازال بعيداً، كما يفسر اللواء فاروق حمدان ابتعاد رجال الشرطة حتى الآن بسبب الحرب النفسية ضدهم، لهذا يبتعدون عن المشاكل حتى لا يتدخلوا بعنف، ويقال إنهم يلجأون لسياسات ما قبل الثورة، كما أن رجل الشرطة إنسان وله أسرة ومسئوليات وعندما يتدخل دون هيبة تحميه وقانون يردع المجرم لن يأمن على حياته، والقانون يعطى رجل الشرطة حق استخدام السلاح إذا كان هذا هو الحل الوحيد لمواجهة البلطجية لكن يجب أن يدرك المجتمع أولا أن الردع فى مصلحة الجميع، والمواطن المحترم لن يتضرر من تصرفات الشرطة التى باتت تحت الرقابة منذ الثورة. * مناخ مناسب من الناحية الاجتماعية يقول د.رشاد عبد اللطيف - أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان - أن من يفعلون هذه التصرفات أصحاب ميول إجرامية كانوا يعانون من الكبت فى ظل حزم القانون والآن يشعرون بأن العقوبة باتت بعيدة عنهم فيمارسون جنوحهم ويتخطون الخطوط الحمراء، ويتصورون أن المناخ مناسب لممارسة ما يدور فى عقليتهم المريضة التى لا تحترم المجتمع، ولا تخاف إلا من قوة القانون، ويظنون أن كثرة عددهم ستجعل العقوبة تتوزع بينهم، بالتالى لابد من الرادع القانونى الحازم، أما من يقفون أمام ماسبيرو ويحضرون تورتة فى عيد ميلاد الرئيس المخلوع فهم ليسوا من الفلول كما يقول رشاد عبداللطيف لكنهم من الذين كانوا مستفيدين من النظام السابق حتى لو فى مهن صغيرة، واستحالة أن يكون من بينهم من عانى من الفقر والمرض بسبب سياسات مبارك، فيقنعون أنفسهم بأنهم يدافعون عن مبدأ «ارحموا عزيز قول ذل».