غدا 4 مايو.. وهو يوم عيد ميلاد الرئيس السابق حسني مبارك الثالث والثمانون.. وعيد ميلاد مبارك هذا العام يمر عليه ليس ككل الأعوام.. عيد ميلاده هذا العام يجيء بلا نفاق.. وبلا رياء، وبلا تمجيد لشخصه ونظامه.. عيد ميلاده هذا العام يصدمه بالحقيقة المؤلمة التي طالما أخفاها عنه أساطين ودراويش نظامه ويكذبون عليه.. ويصدقهم.. أو هو يريد أن يصدقهم.. يصدق أن الشعب يحبه ويسبح بحمده.. وليس هناك من يعارضه أو ينقلب عليه.. ولم لا.. ففي عيد ميلاده تخرج الصحف والمطبوعات القومية تشيد بحكمة الرئيس وحنكة الرئيس وفطنة الرئيس ودهاء الرئيس.. وطيبة الرئيس.. وطهارة الرئيس، وهكذا 30 عاما كاملة غاب فيها عن اللحظة.. الزلزال الذي اقتلعه واقتلع نظامه من الجذور.. وكان لا يعي أن هذه اللحظة آتية لا ريب فيها.. وأن الانفجار قادم لا محالة. 30 عاما اختطفت فيها مصر لحساب رجل واحد.. بدأ بداية جيدة ومبشرة.. لكنه سرعان ما تحول بعد دورتين فقط ليكمل الثالثة والرابعة والخامسة.. ومفيش مانع من السادسة أيضا لو رفض الجيش والشعب التوريث لصالح ابنه جمال. وما المانع في أن يكمل حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا مادام الدستور يعدل لصالحه.. وأن الشعب يختاره في استفتاءات وانتخابات مزورة.. لا منافس له فيها. 30 عاما كاملة.. كان مبارك يبحث فيها عن كاريزما الزعامة التي كانت لعبدالناصر والسادات.. وارتبط كل منهما بمشروعه القومي الذي خلد اسمه علي مر التاريخ.. فعبدالناصر صنع كاريزما الزعامة من خلال تأميم قناة السويس والسد العالي وتصدير الثورات لكل المنطقة العربية.. وانحيازه للناس البسطاء وعامة الشعب والقاعدة الصناعية وغيرها.. والسادات صنع كاريزما الزعامة في حرب أكتوبر التي أعادت لمصر هيبتها وكرامتها التي ضاعت في 67 وكذلك مبادرة السلام التي قلبت الأوضاع رأسا علي عقب. لكن المشكلة كانت مع مبارك أعمق.. وأكبر.. فهو عُرف بصاحب الضربة الجوية المركزة التي فتحت الطريق لنصر أكتوبر.. ولكنه كان دورا لسلاح ضمن مجموعة أسلحة في حرب مجيدة.. لذا أخذ يبحث عن كاريزما تمجده وتخلده في التاريخ.. وذلك من خلال مشروع قومي خاص به.. وظل طوال 30 عاما يبحث عن هذا المشروع دون أن يجده، حتي توشكي التي كان من الممكن أن تكون مشروعه القومي ماتت قبل أن تولد.. وماتت معها كاريزما زعامة مبارك رغم أن عدد سنوات حكم مبارك كان أكثر من سنوات حكم عبدالناصر والسادات مجتمعين. وقد كانت نتيجة ذلك أن تحول مبارك في السنوات الأخيرة.. ومن بعد الدورة الثالثة له، من نصير الشعب والفقراء إلي نصير الثروة والأغنياء.. وتحول من زاهد في السلطة في بداية ولايته.. إلي طامع في السلطة ومتمسك بها ولابنه من بعده.. وفي كل قوانينه وكل توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحول المجتمع كله إلي الأسوأ.. ليصبح الفقير أكثر فقرا.. والغني أكثر غني. السؤال الذي يفرض نفسه الآن.. وبعد كل هذا.. ماذا لو كان استمر حكم مبارك حتي الآن؟.. ماذا لو لم تقم الثورة في يناير؟! ما السيناريو الذي كان معدا لهذه الفترة.. هل كان مبارك سيعلن في عيد ميلاده الثالث والثمانين عدم ترشحه لفترة ولاية سادسة.. واعتزال الحياة السياسية.. وإعلان الوريث ترشيح نفسه للرئاسة خلفا لأبيه في انتخابات رئاسية تم التجهيز لها مسبقا وهو ما أكده جمال مبارك أمام النيابة بأنه كان سيرشح نفسه للرئاسة كمواطن وليس ابن الرئيس؟! أم أن الرئيس السابق كان سيستمر ويعلن ترشيح نفسه لدورة رئاسية سادسة خوفا من تصاعد الرفض الشعبي لجمال مبارك.. وكذلك رفض المؤسسة العسكرية لفكرة التوريث.. وتوقع حدوث الثورة لو حدث ذلك. تلك السيناريوهات التي كانت معدة ومجهزة واحتمالات ردود الأفعال أجهضتها الثورة التي كانت مفاجأة وزلزالا للجميع.. والحمدلله أنها حدثت لأنه لأول مرة تقوم ثورة بهذا المعني وبهذا الحجم وبهذه القوة لتسقط رئيسا منتخبا ونظامه اللذين ظلا جاثمين فوق صدورنا 30 عاما.. الحمدلله أن الفضل هنا ينسب للشعب الذي قام بالثورة وبالشباب الذين قادوها.. وبالجيش الذي حماها من البداية وحتي النهاية.. الحمدلله أننا كشعب بدأنا نصنع مصيرنا بأيدينا.. وأن نختار حكامنا بأنفسنا.. وأن نخطط لمستقبلنا بأنفسنا.. الحمدلله أننا كشعب قمنا بثورة رائدة قلدتنا فيها الشعوب المضطهدة والمقهورة تحت حكم الديكتاتورية والاستبداد والطغيان ونتمني أن يحققوا ما حققته ثورتنا.. ثورة 25 يناير.