جاءت الثورة المصرية ومعها الكثير من المصطلحات السياسية والقانونية التي لم يعرفها الشعب طوال العقود الماضية بسبب الحكم الشمولي الذي منع الناس من التفكير في حاضرهم ومستقبلهم وحصرهم فقط في السعي وراء قوت يومهم، لكن أسوأ ما يمكن أن يواجه مستقبل البلد في المرحلة الحرجة التي تعيشها حاليا هو التفسير الخاطئ لتلك المصطلحات والتلويح باستخدامها في غير موضعها تماماً كما حدث في محافظة قنا عندما هدد المعتصمون ضد المحافظ الجديد عماد ميخائيل باللجوء للعصيان المدني رغم أن كل ما فعلوه ضد هذا المفهوم الذي كان الزعيم الهندي الشهير غاندي أول من استخدمه ضد الاحتلال البريطاني وليس ضد حكومة الثورة. إذا كان الكل قد أجمع علي أن حكومة عصام شرف كان عليها أن تستطلع رأي أهالي كل محافظة قبل فرض المحافظ الجديد عليهم، وأن تكرار اختيار محافظ مسيحي لقنا للمرة الثانية علي التوالي أمر يثير الحساسية بسبب ظروف المحافظة في عهد المحافظ السابق مجدي أيوب، فإن التعبير عن هذا الرفض لا يمكن أن يتم بالطريقة القنائية خصوصا إذا كان ذلك قد تم باستخدام مصطلح سياسي شهير هو «العصيان المدني» لكن في غير محله، فهذا المفهوم الذي كان المهاتما غاندي أول من استخدمه يعني مقاطعة الشعب للدولة بكل الأشكال، فلا يذهب الناس للعمل، ولا للمدارس، ويتوقفون عن الإنتاج ولا يتعاملون مع المصالح الحكومية، لكن ما حدث في قنا يعتبر جريمة منصوص عليها في القانون وخلال السطور المقبلة تستطلع «صباح الخير» رأي مجموعة من فقهاء القانون حول تعريف العصيان المدني وكيفية الخروج من الأزمة وعدم تكرارها. • التجربة الأمريكية المستشار أحمد مكي - نائب رئيس محكمة النقض - يؤكد أن العصيان المدني هو الامتناع عن العمل لكن قطع الطريق جريمة، ويكمل: إن العصيان المدني هو نوع من أنواع الإضراب، ومن أشكاله الامتناع عن سداد الضرائب، وعدم التعامل مع أجهزة الحكومة، بمعني عدم الاعتراف بها كشكل من أشكال الضغط المدني لكن لا يصل الأمر إلي قطع الطريق، فما ذنب الذين سيتضرروا من ذلك لو كان قطع الطريق سيؤثر عليهم، والمعروف أن ما يحدث في قنا أدي إلي انهيار تام في عملية وصول القطار والأغذية وأنابيب البوتاجاز وغيرها من الخدمات إلي محافظة أسوان، ويطالب المستشار أحمد مكي بدور حقيقي لوسائل الإعلام في المرحلة الحالية لتوضيح تلك المصطلحات للشعب الذي يعاني حالياً من خلل كبير في هذا النطاق، خصوصا أن هناك من يتكلمون بدون فهم فيزيدون الطين بلة، فهناك من يخلط بين الهجوم علي السلفية والهجوم علي الدين نفسه، كما يجب أن نقرب تلك المصطلحات للناس من خلال مرادفات شعبية، ويعتبر المستشار أحمد مكي ما حدث في قنا أزمة مزدوجة ما بين قرار غير صائب للحكومة وظروف خاصة تعيشها هذه المحافظة وباقي محافظات الصعيد، وحل المشكلة يأتي بالرجوع إلي نقطة إطلاقها وهي كيفية اتخاذ القرار، فلو كان القرار قد اتخذ بعد دراسة وعلي أسس سليمة ما حدثت تلك الأزمة من الأساس، ولابد من استطلاع الرأي العام قبل اختيار أي قيادات في المرحلة المقبلة، فالناس تعودت الآن علي أن تقول رأيها، ولا يصح أن نطالبهم بأن يقولوا رأيهم في رئيس الوزراء مثلا ثم نفرض عليهم المحافظين أو أي قيادات دون دراسة مسبقة، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية أي شخص يترشح لمنصب مهم يجب أن يذهب إلي الكونجرس ويعرض أفكاره ويحدث تصويت عليه وهو ما حدث مثلا مع مارجريت سكوبي سفيرة أمريكا في القاهرة، أي أن تعيين السفيرة ليس مسئولية وزير الخارجية فقط ولا حتي رئيس أمريكا، فلماذا لا يتم اتباع طرق مماثلة في مصر مادام لم نلجأ بعد لسياسة انتخابات المحافظين. وكيف ننظم لجنة وفاق وطني من أجل الدستور، بينما الأهم أن تكون هناك لجان وفاق في كل المجالات خلال المرحلة الاخطر وهي المرحلة الانتقالية، ويجب أن يعلم الجميع أن الحكم الفردي انتهي والقرارات يجب أن تكون بالشوري كما جاء في القرآن الكريم حتي لا نفاجأ بردود الفعل الغاضبة من الناس بهذه الطريقة. • قيادات لجنة السياسات قطع الطريق ليس عصياناً مدنياً هكذا أكد المستشار والمحامي بالنقض د. صلاح صادق مشيراً إلي أن أهالي قنا كان يجب أن يسألوا أنفسهم لماذا نقطع الطريق، وهل هذه هي الوسيلة الوحيدة كي يصل صوتنا؟، ويؤكد صلاح صادق أنه يعلم جيداً أن أهل قنا علي حق في مطلبهم لكن هذه ليست الطريق المثلي للتعبير عن الحقوق، وفكرة التصعيد من أجل التهديد مرفوضة وتدل علي عدم الثقة في القدرة علي نيل الحقوق بطرق سلمية، فتعطيل مصالح الناس ليس وسيلة الحصول علي الحقوق، لكن الأمر يعود إلي الطريقة الخاطئة في اختيار القيادات كما يقول، والناس ذاكرتها لا تموت فهم يعرفون أن هناك وزراء مازالوا في الحكومة أصلاً من لجنة السياسات التي كان يرأسها جمال مبارك، وأن هناك منهم من كان يعمل من أجل إرضاء سوزان مبارك، وهناك الكثير من المحافظين أيضا متورطون مع النظام السابق، فلماذا نطلب من الناس أن تقبل ذلك بعد الثورة، ويعتبر صلاح صادق أن مشكلة قنا مرتبطة بالعديد من المشكلات الأخري مثل عدم المصارحة قبل الإعلان عن اسم المحافظ، والتأخير في القرار نفسه وغيرها من الأمور، بالتالي الحل يكمن في إعادة النظر لطريقة اختيار القيادات. • ظروف استثنائية من جانبه يري المستشار عزت السيد - مساعد وزير العدل سابقا - أن العصيان المدني تم تفسيره بطريقة خاطئة هذه الأيام، فهو فعل سياسي يعني الاحتجاج علي سياسة الدولة من خلال مقاطعتها وعدم التعامل معها لا من خلال تعطيل الإنتاج بدون مبرر واستخدام العنف والصوت العالي، وقطع الطرق بالذات جناية منصوص عليها في قانون العقوبات، ولولا الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر وحاجة الشعب للتعبير عن رأيه بعد الثورة في كل شيء لكان هناك موقف قانوني آخر، وعلينا أن نتواصل مع الناس لكي يفهموا معني التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي بما لا يضر باقي الناس، ويهدد مصالحهم، وفي الدولة المتقدمة تسير المظاهرات في الشوارع ويكون المتظاهرون هم الأحرص علي عدم تعطيل المرور، لكن الجهل بهذه القواعد يهدد الوطن في مسيرته نحو الديموقراطية والحياة الأفضل، فيجب أن تتعلم كل فئة أهمية الحوار مع الفئات الأخري والتعبير عن الرأي ومن يثق في امتلاك الحق ليس بحاجة للصوت العالي والتعدي بالقول والعنف في التعبير عن الرأي، ويري عزت السيد أن التعليم هو البداية الحقيقية من أجل إصلاح هذه الأمور، وكما وصل التعليم إلي الحضيض في العهد السابق يجب أن نرتقي به بسرعة، يجب أن يعرف الطلاب وهم صغار السن معني الاعتصام والإضراب والعصيان المدني ومتي يلجأ الناس لكل أسلوب في التعبير عن موقفهم.