لو تأملت «أعصاب المصريين» في السنوات الماضية لحزنت حزنا شديدا، لقد وصلنا إلي الحد الذي استشري فيه اختلال وتحطيم الأعصاب حتي فاق كل تصور، ومسكينة هي أعصاب المصريين تعرضت لمؤامرة «تحطيم» بالغة القسوة وأصبحت قاب قوسين أو أدني من الانهيار والتدمير وأصبح «الانهيار العصبي» هو أكثر الأمراض شيوعا في مصر!! ولولا ثورة 25 يناير العبقرية والحضارية وغير المسبوقة التي استردت التاريخ المصري وكرامة المصري.. لكنا شيعنا «الأعصاب المصرية» إلي مثواها الأخير فهل ستهدأ وتطمئن أعصاب المصريين؟ أمراض الأعصاب.. هي لون من ألوان المأساة وكارثة من أشد الكوارث التي يتعرض لها الإنسان.. أي إنسان فعندما تتراكم الضغوط العصبية عليه تنهار قواه الكاملة ولا يبقي له من الصحة إلا آثار ضئيلة، والمتأمل لأعصاب المصريين قبل الثورة لاحظ أن الناس يائسة، محبطة، مكتئبة، متجهمة، سريعة الاشتعال، والنرفزة والغضب، لا تتكلم بل تصيح وتصرخ لا تمشي بل تندفع وتهرول وتتسارع وتتسابق لا تأكل وإنما تبتلع وتزدرد و وتختنق تمشي في الشارع تحدث وتكلم نفسها، تلتفت يمينا وشمالا وتجلس مضطربة متململة تنتظر أي أنباء سارة يحملها إليها التليفزيون، ولكن دون جدوي فهذه الأخبار السعيدة لا تأتي أبدا، وأصبحنا كمصريين نتعرض في كل مكان للضغوط والانفعال، الكبت، القهر، الظلم، الاستبداد، الإعياء، الإجهاد وغير ذلك من أساليب «حرق» الأعصاب فعشنا أياما عصيبة مزقت أعصاب الملايين وسببت ألما شديدا ومبرحا. - مؤامرة «تحطيم» الأعصاب لاشك أن ثورة 25 يناير حررت الإنسان المصري من «الخوف» وأنقذت أعصابه في اللحظة الأخيرة وأخرجته من «غرفة الإنعاش» التي عششت فيها أخطر الأمراض النفسية فلم يعد سجينا للعزلة والإحباط ولم يعد حقل تجارب للظلم والاستبداد والقهر ولم يعد هدفا لليأس والانكسار، ولم يعد أسيرا للإذلال والعقد النفسية ولم يعد «مشاية» للطغاة يدوسون عليه ذهابا وإيابا بل أصبح الإنسان المصري مرفوع الرأس يفتخر بكرامته وعزته في شموخ وكبرياء انحنت له كل أمم العالم. ورغم كل هذا إلا أن هناك للأسف خيوطا واضحة وأكيدة «لمؤامرة خسيسة» لاغتيال الفرحة بالثورة الحضارية، وهو ما يشكل ضغوطا نفسية شديدة علي أعصاب المصريين ولهذا أرفض أن أقول «الثورة المضادة» لأن كلمة الثورة دائما أهدافها نبيلة وسامية، وأفضل أن أقول «المؤامرة المضادة» لأن «المؤامرة» دائما أهدافها خسيسة وهو ما يتجلي بوضوح في أحداث نراها منظمة ومدبرة مسبقا منها علي سبيل المثال لا الحصر «موقعة الجمل الانفلات الأمني فتح السجون والمعتقلات وإخراج الخارجين علي القانون والمسجلين خطر إطلاق البلطجية لترويع المجتمع حرق وزارة الداخلية مرتين إشعال الفتنة الطائفية بهدم كنيسة أطفيح قطع أذن مواطن مسيحي» وأخيرا حتي الآن موقعة الجلابية وهي كارثة استاد القاهرة في مباراة الزمالك والأفريقي التونسي ونزول مدبر ومنظم للبلطجية والاعتداء علي اللاعبين وتخريب وتدمير الاستاد.. أليست كل هذه الأحداث مؤامرة خسيسة لحرق وتحطيم أعصاب المصريين؟ - نحو «أعصاب سليمة» لسيت هذه فقط هي أسباب حرق وتحطيم وانهيار أعصاب الإنسان فالمصريون عانوا كثيرا ومازالوا يعانون من «الانهيار العصبي» ويشعرون بالعجز عن التحكم في عواطفهم وهو ما يؤكده أطباء الأعصاب من أن «الانهيار العصبي» اسم علي مسمي لأن الإنسان يصاب بالأرق ويفقد الشهية للطعام ويشتعل غيظا لأي سبب ويصبح ناقما وحانقا علي أي شيء ويبكي ويفزع وتصل كآبته إلي درجة شديدة ويتواري وينعزل وتزداد سرعة خفقان ودقات القلب وقد يصاب الإنسان بالدوار والإغماء والشعور بالخوف الشديد وكل هذا يحدث عندما يشعر الإنسان بالقهر والإذلال والخوف والانكسار وعندما يفشل في رفع ومواجهة الظلم فيسيطر عليه اليأس ويفقد الأمل ويعيش في عزلة متشائما لأنه يشعر أن المجتمع يغتال أحلامه وطموحاته فيعيش في توتر وقلق وإرهاق شديد وضغوط نفسية شديدة لا يستطيع مواجهتها. ووسط هذا الجو والمناخ شديد التوتر والقلق والعنف جاء مؤتمر «نحو أعصاب سليمة» الذي ضم الصفوة من خيرة أطباء الأعصاب في مصر والذين أدركوا أهمية «الإنقاذ» السريع للمصريين الذين يعانون من اضطراب واختلال في أعصابهم. وقد أجمع المشاركون في المؤتمر علي انخفاض نسبة الأمراض العصبية والنفسية والاكتئاب بعد ثورة 25 يناير والرائع في هذا المؤتمر أنه جاء مكملا للدور العظيم الذي قام به «الأطباء المصريون» في إنقاذ الثوار في ميدان التحرير وهذا عهدنا دائما بكل أطباء مصر الشرفاء لإحساسهم بالحاجة الماسة لما تعرض له الشعب المصري من ضغوط نفسية واغتيال لأحلامه وطموحاته فكان هذا المؤتمر الناجح «نحو.. أعصاب سليمة» بقيادة الفرسان الثلاثة برئاسة «د. أسامة الغنام» أستاذ جراحة المخ والأعصاب بطب الأزهر و«د. مجدي دهب» أستاذ الأمراض العصبية بطب الأزهر و «د. مجدي عبد العظيم» أستاذ الصدر والقلب والذي كان يطير كالفراشة في حدائق وبساتين المؤتمر لينثر رحيق التعاون بين جميع المشاركين هنا وهناك وأتمني ألا يكتفي أطباء الأعصاب في مصر بهذا المؤتمر فقط بل يواصلون الاهتمام بأعصاب المصريين التي تعرضت إلي «تسونامي مدمر» من الظلم والقهر لسنوات طويلة حتي لا نندم بعد ذلك وتصبح «مأساة» لأن هناك مريضا يعاني من اختلال عصبي ونفسي في كل بيت!! - وأخيرا إذا كنا نريد بحق أن ننجو من هذه «المحرقة العصبية» وأن تنجح الثورة ونغير كل ما هو ظالم ومستبد علينا ألا نستسلم للأساليب القذرة «للمؤامرات المضادة» ضد الثورة وأن نكون علي يقظة دائمة وعيون لا تنام وإذا كنا فعلا نريد أن «ننهض بمصر» فعلينا أن نستشعر داخلنا رغبة قوية بإرادة من حديد نحافظ بها علي «اتزان الأعصاب» لأننا وهذا هو المؤسف نعيش حقيقة مؤلمة وحربا شرسة أمام «سرطان خبيث» تسلل وأنهك جسد مصر سنوات طويلة واستئصاله يحتاج إلي «إرادة فولاذية» وتفكير هادئ ومتعقل.. والله المستعان.