الأصالة والتحدى الموجز الأسمى لفن النحت المصرى عبر الأزمنة المتلاحقة، فمن الأحجار الصلبة خلد الفنان المصرى القديم معتقداته وأفكاره ومفرداته اليومية وفلسفته الحياتية دينيا واجتماعيا وسياسيا ليتحدى بمنحوتاته الزمن وتطورت أساليبه الفنية عبر الأزمنة وبصلابتها وتحديها للزمن استلهم منها الفنانون فى العصر الحديث عظمة الحضارة المصرية القديمة. من «جاليرى ياسين» بالزمالك اقتبست جذوة الفن القديم لتتواصل مع معرض الفنان «هانى السيد» والممتد حتى 28 أبريل الجارى والتى استمدت منحوتاته الأصالة لتكون امتدادا لفن الأجداد، فالفنان لديه رؤية ثقافية وفلسفية متميزة وشارك خلال العقدين الماضيين فى جميع الفعاليات الفنية وهو صاحب تصميم جائزة «رجل المباراة» فى دورة الألعاب الإفريقية 2019.. شاهدنا معه أعماله الأخيرة وقرأنا معه أطروحاته الفنية.
التنوع فى الخامات موجود بكل أعمالك؟ - الخامات المستخدمة فى أعمال الجرانيت بكل أنواعه وتطعيمه بالبرونز.. وتقنية النحت المباشر للحجر ويبدأ العمل كفكرة على اسكتش ثم اسكيلز يتم تكبيره لتبدأ بعدها مرحلة التهشيم والتنعيم لتصل المنحوتة إلى الرؤية المتخيلة وبالطبع يتم اختيار الحجر قبل البدء فى العمل حتى لا أفاجأ بعيوب الحجر فاضطر إلى تعديل مسار الفكرة أو تغييره كليا . واضح فى أعمالك تأثرك بالفنون القديمة.. - تربينا جميعًا على الحضارة القديمة والتى أغلبها النحت والعمارة.. شدنى ذلك لمجال النحت ومن بداية دراستى الفنية اهتممت به فعملت لفترات طويلة بخامة الحديد التجميعى، ثم السبك بالألومنيوم، وتعرفت بعد ذلك على خامة الحجر واستفدت من الفنان المصرى العالمى «آدم حنين» وهو حالة فنية وفكرية تعلمت منها الكثير وجاءت مشاركتى فى سمبوزيوم أسوان الدولى لأتعرف على تجارب الفنانين من مختلف الدول وفرصة جيدة للتعرف على النحاتين المصريين وتجاربهم الفنية المتميزة. كلنا تعرضنا فى دراستنا إلى الفنون فى مختلف مراحلها وتطورها من خلال التعرف على الثقافات العالمية المختلفة والدخول إلى عصر الإنترنت وسهولة معرفة الثقافات الأخرى بالإضافة إلى السفر لبعض الدول ومعرفة مدارسها.. سافرت إلى لبنان وإيطاليا والهند والصين والأخيرتين لديهما حضارات عظيمة ضاربة فى التاريخ ولكنها لا تشبه الحضارة المصرية فبرغم الطابع المميز لفنهما إلا أن الفن المصرى القديم له رهبة لا توجد فى فنون الحضارات الأخرى. وعن استفادتك الذاتية منه؟ - فى بعض أعمالى استفدت من الفن الفرعونى الذى أمدنى بأفكار، ولكن الحلول حديثة وعصرية جدا ولم تتأثر بالتقنيات القديمة وأغلب الفنانين الحاليين لهم فكر وفلسفة خاصة فالفكرة هى الأقوى والأبقى وتأتى التقنية بعد ذلك. ماذا تقصد ب«الرحلة» كعنوان لمعرضك؟ -الرحلة بالنسبة لى تنقسم إلى شقين.. الأول شق فلسفى وهو الحوار الدائم بين الخامة والفكرة. فالرحلة تسير لتشاهد ما حولها لترى النيل والصيادين والمراكب و«بياعة الورد» والطيور المهاجرة والرحلة ممتدة مع الحجر منذ 2010 ومستمرة حتى الآن، أما الشق الثانى للرحلة فهى رحلة مكانية لقد بدأت العمل على هذا المشروع فى ثلاثة أماكن مختلفة فى الإسكندرية قبل وصولها للقاهرة..كانت البداية فى «أتيليه الإسكندرية» ثم المركز الحضارى وبعدها مركز تجميل الإسكندرية والذى شمل عدة ورش فنية مختلفة وللمفارقة جميع هذه الأماكن أغلقت إلى أن وصلت الأعمال أخيرا إلى «ياسين الزمالك».
أفهم من حديثك عدم الاهتمام بالفنون بالإسكندرية؟ -منذ انفصال وزارة الثقافة عن الآثار أصبحت «الثقافة» ضعيفة فبدون «الباور»- بدون التمويل مش هتقدر تعمل حاجة فوزارة الثقافة بالأساس وزارة خدمية لا تعمل من أجل الربح. وميزانية الآثار كان يصب بعضها فى وزارة الثقافة والتى لم تعد تستطيع الآن التمويل الجيد فعلى سبيل المثال سمبوزيوم النحت الدولى بعد مرور 27 عاما على إقامته إلا أنه أصبح «عجوزا» لعدم الاهتمام والتمويل اللازم له من دعوات وسفر وتوفير خامات حتى القيادات الفنية فى «الثقافة» كانوا مختلفين عن القيادات الحالية... فكانت لديهم رؤية ثاقبة وإدارة قوية.. الآن أين بصمات القيادات الثقافية - الجاليريهات الخاصة - تقوم الآن بدور «الثقافة» فهى التى تستطيع أن تمول الفعاليات الفنية. نعود إلى معرضك.. ماذا عن الفنيات الخاصة التى قدمتها به؟ - التناغم بين الاختزال وتفاصيل الجزء العضوى لتقريب الفكرة.. فالنصف الأسفل من الجسد وخاصة القدم تعطى للتمثال الثبات والقوة.. فالترحال هو التنقل من فكرة لأخرى ومكان لآخر والقدم هو عنصر الثبات للبحث عن الأفضل والمعرض يضم17 عملا تنقلت بين الأماكن والأفكار وتطورت للوصول إلى مرحلتها الحالية.