مواقع المراهنات أصبحت قنبلة موقوتة، وبسببها أدمن عدد كبير من الشباب هذه المواقع، ودفعت البعض منهم للانتحار وارتكاب الجرائم، وكان آخرها إقدام شاب على قتل جدته طعنًا بالسكين فى منطقة الخليفة بالقاهرة للاستيلاء على أموالها واستخدامها فى أحد التطبيقات. هذه المواقع تعد مصدرًا مضرًا بالاقتصاد المصرى باعتبارها أحد أشكال خروج الأموال من مصر بطريقة غير آمنة، ولأنها قد توقع بالكثيرين كفريسة سهلة للذين يتاجرون بأحلامهم ويعطونهم وعودًا بالثراء السريع. فبعد إغرائهم بأرباح بسيطة فى بداية الأمر تأتى المرحلة الثانية وهى استنزاف ما لديهم من أموال. وصنفت مواقع المراهنات أنها ضمن ألعاب حروب الجيل الرابع، فكثير من المنصات يستخدمون الذكاء الاصطناعى خاصة «الديب فيك» فى استخدام صور وصوت لاعب مشهور مثل محمد صلاح ومحمد الننى فى إعلان على وسائل التواصل الاجتماعى لجذب العملاء ويروجون لأنفسهم بادعاء أنهم مواقع ترفيه.
أكدت إحصائيات أن 97% من مواقع المراهنات فى العالم من الشباب و70% منهم أقل من سن ال20 ومصر صنفت فى المركز الخامس على مستوى العالم فى نسبة المستخدمين، منفقين عليها نحو مليار و200 مليون دولار. وهنا حكايات من مأساة وقع فيها بعضهم اسمها مواقع المراهنات. بين ليلة والأخرى انقلبت حياة محمد شعبان رأسًا على عقب بعد سقوطه فريسة فى فخ عصابات النصب فى تطبيقات المراهنة، ولم يدرك الشاب الناجح بعد افتتاح مشروع خاص به أن ينتهى الأمر بخسارته. يقول الشاب صاحب 28 سنة فى حديثه (صباح الخير): كان عندى مشروع ناجح وفى مكان كويس، والمشروع ناجح لدرجة إنى فتحت فرع آخر، ولكن بعد ما عرفت 1xbet وبدأت المراهنة تدمرت حياتى وخسرت جميع أموالى حتى المشروع الناجح قضيت عليه بعدها قررت أستلف، وأعيد فتح المشروع وأرجع لحياتى الطبيعية. يضيف: لكن وسوسة الشيطان أعادتني للمراهنات تانى، وصاحب ليا كلمنى وقال إن فى واحد صاحبى كسب من ورا المراهنات 700 ألف جنيه وده شجعنى أجرب تانى، وصاحبى قالى إن فى لعبه اسمها الطيارة بمجرد ما تدخل لو حطيت 50 جنيه الطيارة بتبدأ تطلع واحدة واحدة يعنى لو طلعت فى اثنين ب100 وهكذا وبتوصل ل 50 وبمجرد وصلت ل 50 انت كسبت 2500 جنيه فى ثوانى معدودة.
ريشة: أحمد جعيصة
أضاف شعبان قائلًا: الطمع فى اللعبة دى كبير جدًا وأنا واحد من الناس جربت ب20 جنيه حولت الفلوس فودافون كاش وقلت أجرب لعبة الطيارة و20 جنيه جابوا لى 4200 جنيه بالضبط فى 12 ثانية، ابتديت أكمل وأنا مبسوط وبدأت أحول الفلوس على اللعبة ولقيت الفلوس بتضرب فى 10 أضعاف و15 و20 فجأة لقيت معايا 10000 جنيه، وأوضح الموضوع بالنسبة لى إدمان، علشان كده رحت الكشك سحبت الفلوس ولعبت لكن فجأة خسرت كل الفلوس وشحنت ب5000 جنيه ورجعت ولعبت مرة أخرى على توقعات المباريات وخسرت كل الفلوس وكانت صدمة. اللعبة دى هلاك وخسارة فى الدنيا وجحيم فى الآخرة وبطلب من الله أن يغفر لى ويعوضنى. حال ماهر يوسف لا يختلف كثيرًا عن محمد شعبان، الذي خسر أيضًا ما لا يقل عن 450 ألف جنيه لاشتراكه فى ألعاب الكازينو والمراهنات، يقول الرجل الأربعينى: كانت أمنيتى أفتح مطعم واستلفت فلوس كثير، ومضيت إيصالات أمانة على بياض، وفتحت المطعم لكن للأسف خسرت كل فلوسى والفلوس اللى استلفتها بسبب المراهنة على أكثر من لعبة فى مواقع المراهنات اللى بدأت فيها نوع من التسلية والتجربة ومع مرور الوقت أصبحت مدمنًا. يقول: الإغراء فى المواقع دى بييجى من المكسب فى البداية. يوضح ماهر: اللعبة دى بتديك أمل إنك هتكسب علشان كده مش بتقدر تمسحها لكنها لعنة أوحش من المخدرات، إدمان لدرجة كبيرة جدًا يبقى معاك فلوس رايح تجيب حاجة لبيتك، تلاقى نفسك بتشحن بيهم علشان تلعب، ولو كسبان عاوز تكسب أكثر ولو خسران عاوز تعوض خسارتك.
ريشة: سامح سمير
تقول الدكتورة أمل محسن استشارى الصحة النفسية وعضو المجلس الأمريكى للمستشارين النفسيين: المراهنات عذاب فى الدنيا والآخرة، لأنها فى النهاية صورة من صور القمار، ويوجد فرق كبير بين الهزار بين الأصدقاء، وبين أن الشخص يبنى جزءًا من قيمه ومبادئه على فكرة كسب المال من الحظ أو البخت. وتضيف: الاستسهال والبحث عن المكسب السريع، وهى عيوب بترجع غالبًا لخلل فى الشخصية، إضافة إلى عدم اتزان دينى أو نفسى، والقمار عادة ما يصل إلى مستويات غير طبيعية وحادة يعنى لما شخص يوصل لمرحلة إنه يسرق ذهب والدته عشان يراهن، إحنا هنا بنتكلم عن حالة إدمانية شديدة، زى إدمان المخدرات بالضبط. وتؤكد: مفيش شخص سوى هيعمل كده، لأن ده سلوك مدمر، الشخص اللى بيتمادى فى المراهنات وبيوصل لمرحلة الإدمان، بيكون ضعيف ويبحث عن سعادة مؤقتة فى عادة غير أخلاقية. ولذلك فإن بعضهم يغتر فى العائد.
وتستكمل حديثها: من الناحية النفسية، المراهنات بتوصل الشخص لمرحلة من التدمير الذاتى. وبعضهم يكون فى حاجة إلى علاج الإدمان وتحت إشراف طبى، لأن المدمن مش بيقدر يخرج منه بسهولة. كمان لازم يبعد عن أى بيئة أو أشخاص بيشجعوه على السلوك ده، ويبدأ رحلة علاج تشمل تحليل الصدمات، والبحث عن متعة بديلة إيجابية. من جانبه يقول الدكتور أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والصحة النفسية: إدمان المراهنات يدمر العلاقات الأسرية تمامًا، لأنها مش مجرد لعبة، فالشخص الذى يدمن المراهنات مش بيكسب دايمًا، ووقت الخسارة ممكن يعمل أى حاجة عشان يكمل لعب، حتى لو اضطر يسرق من أهله أو أصحابه، فى حالات لشباب وصل بيهم الحال إنهم يسرقوا إخواتهم أو يخترقوا حسابات أسرهم أو أصدقائهم عشان يجيبوا فلوس للعبة. ويستكمل: الموضوع مش بس فلوس، ده كمان بيأثر على حالتهم النفسية. طول ما هو بيكسب، بيكون مرتاح ومبسوط، لكن وقت الخسارة بيكون متوتر وعصبى، ودايمًا فى حالة صدام مع أهله. ده غير إنه بيبقى مشغول طول الوقت باللعبة، فالتواصل مع أسرته بيبقى ضعيف جدًا أو شبه معدوم. ويضيف: فى زوجات رفضوا يعيشوا مع أزواجهم اللى كسبوا فى مواقع المراهنات لأنهم شايفين إن الفلوس اللى بيصرفوها عليهم حرام، إضافة إلى وقت المكسب الدنيا تمشى، لكن وقت الخسارة بيبدأ الزوج يستلف، ياخد فلوس من زوجته، أو حتى يبيع حاجاتها عشان يكمل لعب، بالضبط زى إدمان الكحوليات، وكل ده بيوصل للطلاق أو الانفصال، لأن فى زوجات مشيت وسابت البيت ورفضت تصرف على أولادها بفلوس مصدرها المراهنات. غير كده، المدمن بيدخل فى دايرة الديون، وبيبدأ يستلف من كل اللى حواليه، لحد ما يوصل لمرحلة إن الجيران نفسهم بيطالبوه بفلوسهم، وساعتها الفضايح بتبدأ فى الشارع، والخناقات ما بينه وبين زوجته وأهله بتزيد. يقول علام: التربية ليها دور كبير جدًا فى الحماية من المشاكل دى، وفى نوعين منها: الرقابة السابقة، ودى بتكون بتوعية الأولاد من البداية بالقيم ثم الرقابة اللاحقة، ودى بتحصل لما الولد يواجه المجتمع، وقتها الأهل لازم يكونوا موجودين لإعادة توجيهه وتصحيح أى مفاهيم غلط ممكن يكون اكتسبها، أما لو الأهل اكتشفوا إن ابنهم بدأ يدخل فى طريق المراهنات، أول خطوة لازم تكون بالحوار والإرشاد، محاولين إقناعه بالمنطق. ولو لم يكن يستجيب، يبقى لازم يتخذوا إجراءات حازمة، لكن بدون عنف. ممكن يحرموا من المصروف، أو البيت كله يتعامل معاه بطريقة مختلفة، أو يرفضوا استخدام أى فلوس جابها من المراهنات.
الفكرة مش فى العقاب نفسه، لكن فى إنه يحس إن تصرفاته ليها عواقب، وإن الأسرة مش هتقبل السلوك ده بأى شكل من الأشكال. ويشير علام: الرقابة الأسرية ضرورية جدًا، والأب والأم لازم يكون عندهم الجرأة إنهم يطلبوا من إبنهم يشوفوا موبايله ويسألوه: «بتعمل إيه؟ ليه ماسك الموبايل لفترات طويلة غير المعتاد؟ ليه بتقفل على نفسك؟ خليك فاتح باب الأوضة». دى كلها أساليب رقابية طبيعية. مش منطقى إن الابن يفضل طول الوقت معزول فى حجرته، منطوى ومنعزل عن أسرته، لازم الأهل يلاحظوا الحاجات دى ويدوروا على أسبابها، لأن ده جزء من الرقابة يكمل: الرقابة مش معناها التحكم فقط، لازم يكون فى تواصل وصداقة مع الأبناء. يعنى الأب ممكن يخرج مع ابنه للجيم أو يلعبوا كرة سوا، والأم تاخد بنتها للنادى أو حتى يتمشوا مع بعض. الفكرة إن العلاقة تبقى مبنية على الصداقة، مش مجرد مراقبة وتحكم، عشان يعرفوا ويتابعوا حياة أولادهم بدون ما يحسسوا إنهم بيتجسسوا عليهم. من جانبه يوضح الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة سوهاج. حامد فيظى: إن انتشار إعلانات مواقع المراهنات بشكل واسع يرجع لعدة عوامل، منها زيادة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، واستهداف هذه التطبيقات لجمهور واسع عبر المؤثرين، مما سمح لهذه الإعلانات بالتسلل إلى منصات متعددة، يكمل: بعض الشركات تعمل من خارج البلاد، بوعود زائفة بالأرباح السريعة لجذب الكثير من الشباب. ويضيف: بعض وسائل الإعلام فى الخارج أصبحت تتعامل مع المراهنات كمنتج إعلانى عادى رغم أن هناك معايير دولية تحاول تنظيم الإعلانات المرتبطة بالمقامرة والمراهنة، لكنها غالبًا ما تكون غير مطبقة لأنه فى بعض الحالات، يتم فرض قيود على إعلانات المراهنات، مثل وضع تحذيرات، لكن أيضًا لا يمنع انتشارها. إن استهداف الشباب بشكل مباشر يُعتبر استغلالًا لنقص الوعى لدى البعض حيث تعتمد تلك التطبيقات على الترويج للأرباح السريعة والإثارة، دون توضيح المخاطر الحقيقية للمراهنات، مما يؤدى إلى خسائر مالية ضخمة وإدمان، بالإضافة إلى أن إعلانات مواقع وتطبيقات المراهنات تستخدم أساليب نفسية مدروسة، مثل ربط المراهنات بالحماس الرياضى، وإظهار قصص نجاح وهمية، مما يجعل الشباب ينجذبون إليها دون إدراك العواقب، هذا الاستغلال لا يقتصر فقط على الإنترنت، بل يمتد إلى الإعلانات التليفزيونية، والمنشورات على منصات التواصل الاجتماعى، وفى الملاعب خلال إذاعة المباريات وحتى المؤثرين الذين يروجون لهذه المواقع دون توضيح حقيقتها. ويحذر «الدكتور حامد» من ألعاب الحظ أيضًا لأنها تزيد عند الشباب من خطر الإدمان، حتى وإن كان هدفها فى البداية المتعة، لأنها ستبدأ غالبًا بغرض التسلية فقط وستتحول فيما بعد إلى غرض الكسب السريع. وتصدت دار الإفتاء بشكل واضح وصريح لفكرة المراهنات إذ أكدت أن المراهنة هى شكل من القمار، وقال عبده الأزهرى من علماء الأزهر الشريف إن المراهنات من القضايا التى أصبحت منتشرة، وأن هناك فرقًا بين نوعين من المسابقات: النوع الأول: أن تكون هناك جهة مانحة تقدم جائزة لمن يتوقع أمرًا معينًا، مثل بعض المسابقات التى يعلن عنها الفنانون أو الشركات، حيث يتم منح الجائزة من قبل جهة مستقلة، وهذا لا حرج فيه من الناحية الشرعية. أما النوع الثانى: فهو عندما يجتمع مجموعة من الأشخاص ويدفع كل منهم مبلغًا معينًا، ثم يفوز أحدهم بالمال الذى جمعه الآخرون، فهذا يدخل فى الميسر المحرم، وهو من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». وأضاف: إن مجرد الاشتراك فى موقع مراهنات بمبلغ بسيط يُعتبر حرامًا، لأن هناك قاعدة شرعية تقول: «ما كان كثيره حرام فقليله حرام». فالأمر يبدأ بمبالغ صغيرة، ثم يتطور حتى يصبح الإنسان غارقًا فى المراهنات، وربما يخسر ماله كله. ويضيف: وقد يبرر البعض مشاركتهم فى المراهنات بأنها مثل الاستثمار فى البورصة، لكن الفرق واضح، فالبورصة تقوم على البيع والشراء والتجارة المشروعة، بينما المراهنات تعتمد على الحظ والمقامرة، وهى ليست تجارة وإنما نوع من الميسر المحرم. والمال المكتسب من المراهنات، مال حرام، ولو أنفقه صاحبه فى الصدقة لن يُقبل منه، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا»، وإذا أراد شخص أن يتوب من المراهنات، فلابد أن يبدأ بالامتناع الفورى عنها، والتخلص من المال الحرام فى أوجه الخير ليس طلبًا للأجر، وإنما تطهيرًا للمال. ووجه الشيخ عبده رسالة إلى الشباب، قال فيها: إن بناء المستقبل يحتاج إلى الاجتهاد والجد، حيث يسعى الشاب ليحصل على بيت جيد، ووسائل راحة، ومصدر دخل كريم. وكل هذا يتحقق من خلال العمل والتعب، مما يجعله يشعر بقيمة المال، على عكس المراهنات التى قد تأتى على الأخضر واليابس. لذلك، من المهم أن يبدأ الإنسان حياته بطريقة صحيحة، حتى لا يندم لاحقًا. فالله عز وجل يفتح الأبواب لمن يجاهد ويجتهد، كما قال سبحانه: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا». والجهاد هنا يشمل السعى فى طلب الرزق، والتعلم، وتطوير الذات.