«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤساء تحرير.. بالخطأ!
نشر في صباح الخير يوم 19 - 03 - 2025

أكتب هذه الحكايات والذكريات من الذاكرة واعتمادا على بعض ما أمكن جمعه من مواد وصور، وأترك لنفسى حرية التجوّل فى دوائر الذكرى دون تخطيط مسبق حتى أشعر براحة ومتعة لا تحققها عملية التوثيق الأرشيفية ولا يتحقق معها للقارئ ذلك الشعور بالمتعة والمؤانسة.
ومع أن الحكايات والومضات تتزاحم فى رأسى، ومع أن بعض الأسماء تختفى من شريط الذاكرة بفعل التقادم، وتشابك الأحداث والوقائع والشخصيات والمشاعر، فإن ما يهمنى أكثر هو جوهر كل حكاية أو ومضة أو واقعة.
هذه واقعة لن يصدق أحد أنها حدثت بالفعل، لأنها فعلا لا تصّدق!
وقد عايشتها بنفسى وأثارت قلقى على حال الصحافة فى الزمن الذى وقعت فيه..
والحكاية باختصار هى أنه خلال إجراءات تغيير القيادات الصحفية التى تتم كل عدة سنوات وكان يتولاها الاتحاد الاشتراكى بوصفه الجهة التى أسندت إليها مهمة إدارة الصحف بعد التأميم، انتقلت هذه المهمة بعد ذلك إلى مجلس الشورى ثم المجلس الأعلى للصحافة ثم الهيئة الوطنية للصحافة.
وقعت الحادثة العجيبة فى زمن كان صفوت الشريف يتولى فيه عدة مناصب خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فهو أمين عام الاتحاد الاشتراكى ورئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة ووزير الإعلام.

أعتقد أن ذلك حدث فى مطلع القرن الحالى، وسأحاول تذكر تاريخ الواقعة.. لكن المهم هو ما حدث، حتى لو نسينا تحديدًا متى بالضبط حدث، تم ترتيب وتسكين الأسماء التى تقرر تعيينها فى مناصب رؤساء المؤسسات الصحفية ورؤساء تحرير الصحف والمجلات.



وصدر القرار الرسمى بالتشكيلات الجديدة، لكن السكرتيرة التى كلفت بكتابة نص القرار وأسماء القيادات الصحفية الجديدة، وقعت فى خطأ جسيم؛ فبينما كان المفروض أن ينص القرار على تعيين الصحفى النشيط محرر أخبار الجريمة والحوادث الذى كان قد رقى ليصبح رئيس قسم الحوادث فى جريدة «أخبار اليوم» لنجاحه الملحوظ فى تحويل تحقيقاته الصحفية عن الجرائم إلى قصص مثيرة.. وهو محمود صلاح... وكان المنطقى أنه إذا تمت ترقيته فسيكون مكانه الطبيعى هو منصب رئيس تحرير مجلة «أخبار الحوادث» التى تصدرها المؤسسة نفسها، لكن غلطة السكرتيرة وضعت فى هذا المنصب صحفيًا آخر هو المحرر الدبلوماسى الناجح لمجلة «آخر ساعة» محمد بركات!.
وجاء اسم محمود صلاح بسبب غلطة السكرتيرة فى منصب رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» بدلا من محمد بركات!.
ومع أنى أعرف الزميلين وربطتنى بمحمود صلاح صداقة حيث وجدته يتصل بى من القاهرة وأنا فى لندن ليعرفنى بنفسه ويثنى على حديثى الطويل مع سعاد حسنى الذى بدأ نشره مسلسلا فى «صباح الخير» فى عام 2001... بل إنه وبمبادرة شخصية منه ودون أن أعلم، لفت اهتمام صاحب دار «الشروق» المهندس إبراهيم المعلم إلى أهمية نشر هذا الحديث فى كتاب تصدره الدار فإذا بى أفاجأ بالمعلم يتصل بى من القاهرة دون سابق تعارف، مبديًا رغبته فى لقائى بسرعة حتى نتعاقد على نشر الكتاب.. وهذا حديث يطول ربما نرجع له فيما بعد.
أما الزميل الثانى محمد بركات فكنت قد تعرّفت عليه فى مناسبة واحدة عندما كان مندوبًا لجريدة «الأخبار» لدى وزارة التعمير، وذهبنا سويًا ضمن مجموعة من الصحفيين والصحفيات للاطلاع على إنجازات الوزارة التى يتولاها المهندس عثمان أحمد عثمان حيث أقامت مساكن للمهجرين من منطقة القناة.
وحدث وقتها أن اعترضت على تصميم هذه المساكن التى أقيمت فى السويس واعتبرتها زنازين لا تصلح لسكنى البشر، وأيدنى فى ذلك محمد بركات فى صمت، لكنه حاول تهدئة الموقف بينى وبين الوزير. لم تشأ ظروف عملنا وهجرتى إلى لندن أن توفر فرص تطور لصداقتنا.
أما محمود صلاح فتواصل معى وكان يلتقينى عندما أصل القاهرة فى زيارتى السنوية بل أنه صحبنى إلى مكتبه كرئيس تحرير «آخر ساعة» وصمم على أن أجلس على مكتب رئيس التحرير لهذه المجلة التى أسسها وجلس على هذا المقعد مؤسس الصحافة المصرية الحديثة محمد التابعى، وعلى الكرسى نفسه جلس أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم من شخصيات الصحافة المصرية.
المهم أننى كنت أدرك مع نفسى أن خطأ ما وقع من موظفة بسيطة، لكن ما أثار دهشتى واستغرابى هو أن أحدًا لم يصحح الخطأ ويضع كلًا من رئيسى التحرير فى المكانين الصحيحين محمد بركات فى «آخر ساعة» ومحمود صلاح فى «أخبار الحوادث».
لكن شيئا من هذا لم يحدث.. وصممت السلطات التى أصدرت القرار على الصمت، لم تشر أى جهة إلى وقوع خطأ.. وكذلك فعل مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة ووزارة الإعلام وهى السلطات المعنية بأحوال الصحافة.. ويتولاها جميعًا صفوت الشريف.. هل خاف من أن ينظر إليه كرجل يخطئ.
المهم أننى تشجعت وناقشت صديقى محمود صلاح فى هذا الخطأ العجيب الذى لم يهتم أحد بتصحيحه فورًا.
والغريب فى الأمر أنه صمم على عدم وجود أى خطأ فى المسألة، مؤكدًا لى أن الرئيس مبارك بنفسه اتصل به وهنأه وشجعه!
وأن صفوت الشريف على اتصال به ولم يشر إلى أى خطأ.
فما كان منى إلا أن احتفظت بملاحظتى لنفسى مع تصميمى على أن هناك - بالتأكيد - خطأ ترتب عليه وجود رئيسى تحرير على رأس مجلتين أسبوعيتين لا علاقة لهما بمجال عمل كل مجلة منهما.
وكان هناك - بالتأكيد - من يدرك هذه الملحوظة، من العاملين فى المجلتين وغيرهم من الصحفيين وحتى القراء.



وكنت أثير أمر هذه الفضيحة بين أصدقائى.. وأراجع صديقى محرر الحوادث الشاطر، فيروى لى حكايات تعنى أنه فى المكان الصحيح رئيسًا لتحرير «آخر ساعة».. لكن ما علاقة محرر دبلوماسى بمجلة «أخبار الحوادث»... كيف يكون رئيسًا لتحريرها؟!
لا يجيب محمود صلاح.
دام هذا الحال ثلاث سنوات كاملة إلى أن جاء موعد تغييرات القيادات الصحفية، الذى تم خلاله تصحيح الخطأ وأصبح محمد بركات رئيسًا لتحرير «آخر ساعة» ومحمود صلاح رئيسًا لتحرير «أخبار الحوادث».
وحكاية أخرى عايشناها وتدخل ضمن حالات «رؤساء التحرير بالخطأ» فقد قرّر الرئيس السادات بعد خلافه مع محمد حسنين هيكل الذى عاونه وأيده فى عملية القبض على كل قيادات الحكم من الناصريين وسجنهم فى ما سمى بثورة التصحيح، فقد كان السادات يريد من هيكل أن يؤدى معه الدور الذى كان يقوم به مع عبد الناصر، لكن هيكل أوضح له أنه كان يُشارك فى الحكم وطلب من السادات أن يُشاركه فى الحكم بالطريقة نفسها.. رفض السادات وصرح لمن حوله، كما نشر بعضهم فيما بعد، بأن هيكل «اتجنن..عايز يشاركنى فى الحكم»!.
وقرر ردًا على موقف هيكل هذا أن يعزله من «الأهرام»..، وحتى يعرف من صاحب السلطة فى البلد. وكنا نتابع تطورات هذا الصراع بقلق.. لكن هيكل لم يقاوم القرار.. ولم يشك منه ولم يعترض.. بل إنه استفاد من هذا العزل الذى أتاح له الفرصة لأن ينتشر عالميًا بأحاديث تجريها معه صحف عالمية وكتب يكتبها بالإنجليزية وتتنافس دور نشر كبرى على الفوز بها!.
واتخذ السادات قرارًا بتعيين على أمين رئيسًا لتحرير «الأهرام» بدلا منه.. وتعجبنا لهذا التصرّف، وزاد عجبنا عندما وجدنا على أمين وهو معلم كبير فى عالم الصحافة، يقرر تغيير طبيعة «الأهرام» كجريدة وقور شبه رسمية، جادة، تلعب دور صوت السلطة حتى إن صحف لبنان كانت تطلق على هيكل وصف «هيكل عبد الناصر».
ماذا أراد على أمين؟.. تصوّر أن فى إمكانه تحويل الجريدة «الميرى» إلى جريدة تنشر الأخبار المثيرة والحكايات.
أما هذه الحكاية سنرويها مع الاحتفاظ باسم بطلها فما يعنينا هو مغزاها، وخاصة أنها وقعت فى مجلتنا المحبوبة «صباح الخير».. فقد حدث أن اختير أحد كتاب المجلة رئيسًا للتحرير بعد ضمه إلى التنظيم الطليعى برئاسة شعراوى جمعة.. وهذا الكاتب ليس له سابق عمل فى مطبخ التحرير، فهو يكتب ما يكتبه دون اندماج فى العملية الصحفية المتعلقة بإدارة التحرير والإخراج والإنتاج... وعندما أصبح رئيسًا للتحرير تعامل مع منصبه كما لوكان هدية أو مكرمة أو منحة أو رتبة شرفية لا تقتضى منه أى تغيير فى طريقته فى العمل، فهو يكتب مقاله الأسبوعى ويترك كل الأمور لمدير التحرير، وقد عيّن بنفسه أحد الزملاء سكرتيرًا للتحرير.
تعامل مع المسألة كنوع من الوجاهة، تمامًا كما فعل أنيس منصور عندما عين رئيسًا لتحرير «آخر ساعة». والنتيجة؟.. متاعب ولخبطة، ترتب عليها خروج «رئيس التحرير الخطأ».

أكتب هذه الحكايات والذكريات من الذاكرة واعتمادا على بعض ما أمكن جمعه من مواد وصور، وأترك لنفسى حرية التجوّل فى دوائر الذكرى دون تخطيط مسبق حتى أشعر براحة ومتعة لا تحققها عملية التوثيق الأرشيفية ولا يتحقق معها للقارئ ذلك الشعور بالمتعة والمؤانسة. ومع أن الحكايات والومضات تتزاحم فى رأسى، ومع أن بعض الأسماء تختفى من شريط الذاكرة بفعل التقادم، وتشابك الأحداث والوقائع والشخصيات والمشاعر، فإن ما يهمنى أكثر هو جوهر كل حكاية أو ومضة أو واقعة.
هذه واقعة لن يصدق أحد أنها حدثت بالفعل، لأنها فعلا لا تصّدق! وقد عايشتها بنفسى وأثارت قلقى على حال الصحافة فى الزمن الذى وقعت فيه.. والحكاية باختصار هى أنه خلال إجراءات تغيير القيادات الصحفية التى تتم كل عدة سنوات وكان يتولاها الاتحاد الاشتراكى بوصفه الجهة التى أسندت إليها مهمة إدارة الصحف بعد التأميم، انتقلت هذه المهمة بعد ذلك إلى مجلس الشورى ثم المجلس الأعلى للصحافة ثم الهيئة الوطنية للصحافة. وقعت الحادثة العجيبة فى زمن كان صفوت الشريف يتولى فيه عدة مناصب خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فهو أمين عام الاتحاد الاشتراكى ورئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة ووزير الإعلام.
أعتقد أن ذلك حدث فى مطلع القرن الحالى، وسأحاول تذكر تاريخ الواقعة.. لكن المهم هو ما حدث، حتى لو نسينا تحديدًا متى بالضبط حدث، تم ترتيب وتسكين الأسماء التى تقرر تعيينها فى مناصب رؤساء المؤسسات الصحفية ورؤساء تحرير الصحف والمجلات. وصدر القرار الرسمى بالتشكيلات الجديدة، لكن السكرتيرة التى كلفت بكتابة نص القرار وأسماء القيادات الصحفية الجديدة، وقعت فى خطأ جسيم؛ فبينما كان المفروض أن ينص القرار على تعيين الصحفى النشيط محرر أخبار الجريمة والحوادث الذى كان قد رقى ليصبح رئيس قسم الحوادث فى جريدة «أخبار اليوم» لنجاحه الملحوظ فى تحويل تحقيقاته الصحفية عن الجرائم إلى قصص مثيرة.. وهو محمود صلاح... وكان المنطقى أنه إذا تمت ترقيته فسيكون مكانه الطبيعى هو منصب رئيس تحرير مجلة «أخبار الحوادث» التى تصدرها المؤسسة نفسها، لكن غلطة السكرتيرة وضعت فى هذا المنصب صحفيًا آخر هو المحرر الدبلوماسى الناجح لمجلة «آخر ساعة» محمد بركات!. وجاء اسم محمود صلاح بسبب غلطة السكرتيرة فى منصب رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» بدلا من محمد بركات!. ومع أنى أعرف الزميلين وربطتنى بمحمود صلاح صداقة حيث وجدته يتصل بى من القاهرة وأنا فى لندن ليعرفنى بنفسه ويثنى على حديثى الطويل مع سعاد حسنى الذى بدأ نشره مسلسلا فى «صباح الخير» فى عام 2001... بل إنه وبمبادرة شخصية منه ودون أن أعلم، لفت اهتمام صاحب دار «الشروق» المهندس إبراهيم المعلم إلى أهمية نشر هذا الحديث فى كتاب تصدره الدار فإذا بى أفاجأ بالمعلم يتصل بى من القاهرة دون سابق تعارف، مبديًا رغبته فى لقائى بسرعة حتى نتعاقد على نشر الكتاب.. وهذا حديث يطول ربما نرجع له فيما بعد. أما الزميل الثانى محمد بركات فكنت قد تعرّفت عليه فى مناسبة واحدة عندما كان مندوبًا لجريدة «الأخبار» لدى وزارة التعمير، وذهبنا سويًا ضمن مجموعة من الصحفيين والصحفيات للاطلاع على إنجازات الوزارة التى يتولاها المهندس عثمان أحمد عثمان حيث أقامت مساكن للمهجرين من منطقة القناة. وحدث وقتها أن اعترضت على تصميم هذه المساكن التى أقيمت فى السويس واعتبرتها زنازين لا تصلح لسكنى البشر، وأيدنى فى ذلك محمد بركات فى صمت، لكنه حاول تهدئة الموقف بينى وبين الوزير. لم تشأ ظروف عملنا وهجرتى إلى لندن أن توفر فرص تطور لصداقتنا. أما محمود صلاح فتواصل معى وكان يلتقينى عندما أصل القاهرة فى زيارتى السنوية بل أنه صحبنى إلى مكتبه كرئيس تحرير «آخر ساعة» وصمم على أن أجلس على مكتب رئيس التحرير لهذه المجلة التى أسسها وجلس على هذا المقعد مؤسس الصحافة المصرية الحديثة محمد التابعى، وعلى الكرسى نفسه جلس أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم من شخصيات الصحافة المصرية. المهم أننى كنت أدرك مع نفسى أن خطأ ما وقع من موظفة بسيطة، لكن ما أثار دهشتى واستغرابى هو أن أحدًا لم يصحح الخطأ ويضع كلًا من رئيسى التحرير فى المكانين الصحيحين محمد بركات فى «آخر ساعة» ومحمود صلاح فى «أخبار الحوادث». لكن شيئا من هذا لم يحدث.. وصممت السلطات التى أصدرت القرار على الصمت، لم تشر أى جهة إلى وقوع خطأ.. وكذلك فعل مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة ووزارة الإعلام وهى السلطات المعنية بأحوال الصحافة.. ويتولاها جميعًا صفوت الشريف.. هل خاف من أن ينظر إليه كرجل يخطئ. المهم أننى تشجعت وناقشت صديقى محمود صلاح فى هذا الخطأ العجيب الذى لم يهتم أحد بتصحيحه فورًا. والغريب فى الأمر أنه صمم على عدم وجود أى خطأ فى المسألة، مؤكدًا لى أن الرئيس مبارك بنفسه اتصل به وهنأه وشجعه! وأن صفوت الشريف على اتصال به ولم يشر إلى أى خطأ. فما كان منى إلا أن احتفظت بملاحظتى لنفسى مع تصميمى على أن هناك - بالتأكيد - خطأ ترتب عليه وجود رئيسى تحرير على رأس مجلتين أسبوعيتين لا علاقة لهما بمجال عمل كل مجلة منهما. وكان هناك - بالتأكيد - من يدرك هذه الملحوظة، من العاملين فى المجلتين وغيرهم من الصحفيين وحتى القراء. وكنت أثير أمر هذه الفضيحة بين أصدقائى.. وأراجع صديقى محرر الحوادث الشاطر، فيروى لى حكايات تعنى أنه فى المكان الصحيح رئيسًا لتحرير «آخر ساعة».. لكن ما علاقة محرر دبلوماسى بمجلة «أخبار الحوادث»... كيف يكون رئيسًا لتحريرها؟! لا يجيب محمود صلاح. دام هذا الحال ثلاث سنوات كاملة إلى أن جاء موعد تغييرات القيادات الصحفية، الذى تم خلاله تصحيح الخطأ وأصبح محمد بركات رئيسًا لتحرير «آخر ساعة» ومحمود صلاح رئيسًا لتحرير «أخبار الحوادث». وحكاية أخرى عايشناها وتدخل ضمن حالات «رؤساء التحرير بالخطأ» فقد قرّر الرئيس السادات بعد خلافه مع محمد حسنين هيكل الذى عاونه وأيده فى عملية القبض على كل قيادات الحكم من الناصريين وسجنهم فى ما سمى بثورة التصحيح، فقد كان السادات يريد من هيكل أن يؤدى معه الدور الذى كان يقوم به مع عبد الناصر، لكن هيكل أوضح له أنه كان يُشارك فى الحكم وطلب من السادات أن يُشاركه فى الحكم بالطريقة نفسها.. رفض السادات وصرح لمن حوله، كما نشر بعضهم فيما بعد، بأن هيكل «اتجنن..عايز يشاركنى فى الحكم»!. وقرر ردًا على موقف هيكل هذا أن يعزله من «الأهرام»..، وحتى يعرف من صاحب السلطة فى البلد. وكنا نتابع تطورات هذا الصراع بقلق.. لكن هيكل لم يقاوم القرار.. ولم يشك منه ولم يعترض.. بل إنه استفاد من هذا العزل الذى أتاح له الفرصة لأن ينتشر عالميًا بأحاديث تجريها معه صحف عالمية وكتب يكتبها بالإنجليزية وتتنافس دور نشر كبرى على الفوز بها!. واتخذ السادات قرارًا بتعيين على أمين رئيسًا لتحرير «الأهرام» بدلا منه.. وتعجبنا لهذا التصرّف، وزاد عجبنا عندما وجدنا على أمين وهو معلم كبير فى عالم الصحافة، يقرر تغيير طبيعة «الأهرام» كجريدة وقور شبه رسمية، جادة، تلعب دور صوت السلطة حتى إن صحف لبنان كانت تطلق على هيكل وصف «هيكل عبد الناصر». ماذا أراد على أمين؟.. تصوّر أن فى إمكانه تحويل الجريدة «الميرى» إلى جريدة تنشر الأخبار المثيرة والحكايات. أما هذه الحكاية سنرويها مع الاحتفاظ باسم بطلها فما يعنينا هو مغزاها، وخاصة أنها وقعت فى مجلتنا المحبوبة «صباح الخير».. فقد حدث أن اختير أحد كتاب المجلة رئيسًا للتحرير بعد ضمه إلى التنظيم الطليعى برئاسة شعراوى جمعة.. وهذا الكاتب ليس له سابق عمل فى مطبخ التحرير، فهو يكتب ما يكتبه دون اندماج فى العملية الصحفية المتعلقة بإدارة التحرير والإخراج والإنتاج... وعندما أصبح رئيسًا للتحرير تعامل مع منصبه كما لوكان هدية أو مكرمة أو منحة أو رتبة شرفية لا تقتضى منه أى تغيير فى طريقته فى العمل، فهو يكتب مقاله الأسبوعى ويترك كل الأمور لمدير التحرير، وقد عيّن بنفسه أحد الزملاء سكرتيرًا للتحرير. تعامل مع المسألة كنوع من الوجاهة، تمامًا كما فعل أنيس منصور عندما عين رئيسًا لتحرير «آخر ساعة». والنتيجة؟.. متاعب ولخبطة، ترتب عليها خروج «رئيس التحرير الخطأ».
والأسبوع المقبل نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.