بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    لماذا تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأحد الشعانين؟    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    عاجل.. خسائر البورصة المصرية تصل ل 147 مليار جنيه في 4 أيام    تمهيد وتسوية طرق قرية برخيل بسوهاج    خبير بترول دولي: الغاز ليس أهم مصادر الوقود والنفط ما زال يتربع على العرش    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    برقم العداد.. كيفية الاستعلام عن فاتورة استهلاك كهرباء أبريل 2024    محلل سياسي: الاحتجاجات الطلابية بالجامعات أدت إلى تغير السياسات الأمريكية (فيديو)    وسائل إعلام: شهداء ومصابون في غارة للاحتلال على مدينة رفح الفلسطينية    محلل سياسي يوضح تأثير الاحتجاجات الطلابية المنددة بالعدوان على غزة    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    أبو تريكة عن المشادة مع كلوب: صلاح أخطأ.. والعلاقة بينهما ليست ملعبًا فقط (فيديو)    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    حالة الطقس غدا.. أمطار رعدية بهذه المناطق    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    بعد تصدرها التريند.. رسالة مها الصغير التي تسببت في طلقها    "اعرف الآن".. لماذا يكون شم النسيم يوم الإثنين؟    «تربيعة» سلوى محمد على ب«ماستر كلاس» في مهرجان الإسكندرية تُثير الجدل (تفاصيل)    تطوان ال29 لسينما البحر المتوسط يفتتح دورته بحضور إيليا سليمان    أصالة تحيي حفلا غنائيًا في أبو ظبي.. الليلة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    بالأرقام.. طفرات وإنجازات غير مسبوقة بالقطاع الصحي في عهد الرئيس السيسي    انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة غدًا    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الزمالك يفاوض ثنائي جنوب أفريقيا رغم إيقاف القيد    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    8 معلومات عن مجلدات المفاهيم لطلاب الثانوية العامة 2024    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سعد الدين الهلالى: لا يوجد نص صريح يمنع زواج المسلمة من غير المسلم.. والآية القرآنية «حمالة أوجه» "الجزء الرابع"

تناولنا فى الأجزاء الثلاثة السابقة من حوارنا مع الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، قضايا تجديد الخطاب الديني، وكيفية تفكيك جماعات التطرف والتنظيمات الإرهابية، وإصلاح مسار المجامع الفقهية وهيئات كبار العلماء التابعة للمؤسسات الدينية، وشخصانية الدين كونه علاقة بين الإنسان وربه وليس شأنًا عامًا ينظم كل شيء فى الحياة.

وفى الجزء الرابع والأخير من هذا الحوار، يؤكد الدكتور الهلالى، أن الحاكمية هى السبب الرئيس الذى أوصلنا إلى مرحلة رفض التعددية الفقهية والفكرية والتعصب فى إقصاء المختلف والتنكر له، وأن الطامعين فى الحكم من رجال الدين وعناصر التنظيمات والتيارات الدينية يوظفون كل الأدوات من أجل الوصول إلى هدفهم، حتى ولو كان من ضمن هذه الأدوات الكذب على الأديان كلها. ووجه أستاذ الفقه المقارن، نقدًا لاذعًا للطرق الصوفية معتبرًا أن العهد الصوفى يتضمن أمورًا خطيرة منها: وجوب السمع والطاعة للشيخ بالرغم من أنه شخص يخطئ ويُصيب، وكذلك النص على أن الحكام إن سمعوا للطريقة فلهم السمع والطاعة، وإن لم يستمعوا لها فلا سمع لهم ولا طاعة، قائلًا: أخشى أن يستغل الشيعة الطرق الصوفية ويتكرر النموذج الإيرانى.
وأوضح الدكتور الهلالى، أن قضيته تكمن فى التأكيد على أن الدين برمته مسئولية المواطن وليس الدولة، ولهذا يطالب دومًا بترك الناس يتحملون مسئولياتهم الدينية أمام الله، موضحًا رؤيته حول قانون ازدراء الأديان، وغير ذلك من القضايا الهامة التى نتناولها فى الجزء الرابع والأخير من هذا الحوار:
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة من رفض التعددية الفقهية والفكرية والتعصب فى إقصاء المختلف والتنكر له؟
السبب الرئيسى الذى أوصلنا إلى هذا هو الحاكمية التى تعنى الطمع فى الحكم، وبالتالى هم يوظفون كل الأدوات من أجل الوصول إلى هدفهم، حتى ولو كان من ضمن هذه الأدوات الكذب على الأديان كلها، ولو غابت هذه المطامع ستجد الإنسان بطبيعته مسالمًا ومحترمًا للآخر ومُقرًا ومُتقبلًا أن لغيره عقلًا وفكرًا ورأيًا مثله تمامًا.
ولذلك من أهم الأسباب التى تجعل عناصر التنظيمات الدينية لا يتقبلون الآخر هو سعيهم للوصول إلى الحاكمية، وفرضهم رأيًا واحدًا ورفضهم قبول التعددية، وهنا أود أن أسأل من يريدون إلغاء تعدد الآراء: ما دمتم ترفضون التعددية الفقهية فلماذا تقبلون بالتعددية فى التنظيمات والتيارات الدينية؟ هل لأننى استقللت بدينى ونفسى ترفضنى فى الوقت الذى تحترم فيه غيرى؟ لماذا تنكرون التعددية وهى قائمة وموجودة بالفعل؟



لماذا ترفضون التعددية وتقبلون أن يكون فى مصر 77 طريقة صوفية يُنظمها القانون إضافة إلى الطرق التى لم تُنظم قانونًا؟
وترحبون بوجود تيارات دينية سلفية قديمة ومعاصرة، وأجنحة لجماعة الإخوان، وتعترفون بالمذاهب الفقهية المختلفة ومدارس التفسير بالتأويل وبالمأثور وبالعلم، ألا ترون أن كل ما حولنا من معطيات يقول بالتعددية؛ فلماذا ترفضونها؟!
لماذ حين تجدون أنفسكم أمام طرف قوى مثل الطرق الصوفية والجماعات والتيارات الدينية تُقرون وترضون بالتعددية خوفًا من قوتهم، وفى نفس الوقت ترفضون الإقرار ومنح الاستقلالية والحق ذاته للمواطنين الغلابة والمساكين لأنهم ضعفاء بالرغم من أن الله أعطى هذا الحق للجميع حين قال: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِه وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا» (الإسراء: 13)؟ لماذا ترفض تعدد الطرق الصوفية رغم أنهم يدعون إلى المحبة والتسامح والوسطية وقبول الآخر؟
حسبهم العهد الصوفى المتضمن على وجوب السمع والطاعة للشيخ بالرغم من أنه شخص يخطئ ويُصيب، والذى أدين الله به أن السمع والطاعة يكون مع الحق أينما دار وضد الباطل حيثما كان، إضافة إلى أن هناك أمرا خطيرا ينص عليه هذا العهد وهو أن: «الحكام إن سمعوا للطريقة فلهم السمع والطاعة، وإن لم يستمعوا لها فلا سمع لهم ولا طاعة»، وهذا تمرد على الحاكم، وبالمناسبة هذا العهد موجود على صفحة دار الإفتاء المصرية.
ثم إن الدعوة إلى التسامح والمحبة أمرٌ لا تحتكره الطرق الصوفية وإنما هو فطرة إنسانية، والاتجاه إلى الصفاء والنقاء والتجرد والسلام والتبتل والطيبة موجود فى كل الأديان، بل إنه موجود حتى مع من لا دين له، لأنه اتجاه إنسانى وليس حكرًا على من يدعون أنهم يحتكرونه أو أنهم يُنسبون إليه، لكن هناك أناسا عرفوا كيف يسوقون لأنفسهم على أنهم أولياء ذلك.
والاتجاه الصوفى فى مصر لم يظهر إلا مع دخول الدولة الفاطمية، وحب آل البيت ليس حكرًا على الصوفية دون غيرهم، والدليل أنك لو سألت السلفيين أو الإخوان أو أى مسلم ستجد أنه من الطبيعى أن من آمن بنبى يُحب آل بيته.
والأمر الآخر يتمثل فى أنهم ينظمون صيغا شعرية أدبية مؤثرة من التسبيح والصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - وذكر الله عز وجل والدعاء وينسبونها إلى الدين وليس إلى من صاغها، وهذه خطيئة مثلها مثل نسبة الفتوى إلى الدين، وفى الحديث الذى أخرجه مسلم عن بريدة، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا»، أم أننا ننكر قول النبى؟
أليس الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى قال للصحابى وابصة، حين جاء إليه وهو حديث عهد بالإسلام يُريد أن يسأل عن البر والإثم ليفهم خلاصة الدين: «البر ما اطمأنت إليه النفس واستراح إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر وكرهت أن يطلع الناس عليه، يا وابصة استفت نفسك استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك»، ونفس هذا الحديث لأبى ثعلبة الخشري، وكلاهما ضمن الأحاديث الصحيحة؛ لكن أوصياء الدين يخرجون على شاشات الفضائيات ويتندرون على هذا الحديث وينكرونه، لأنه يُسيد كل إنسان، ويجعل كل واحد يعود إلى نفسه، وهم يريدون أن يجعلوا الفتوى واحدة، والدين مهنة وتخصصا مثله مثل الطب والهندسة.



وهنا أريد أن أوجه سؤالًا لكل خلق الله وخاصة أصحاب الدين والغيورين عليه: هل بناء إنسان قادر على اتخاذ قرار أفضل أم قولبته على قالب معين يريده البعض ويرونه الحق وما عداه الباطل؟ هل ضمنتم النجاة لأنفسكم حتى تقولبوا غيركم عليكم؟ لماذا لا تُقرون أن الله كما خلقكم ومنحكم عقولًا تفكر فقد منح غيركم أيضًا عقولًا تفكر، ألم تسمعوا قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» (الأعراف: 170)، وتتدبروا أن يُمسكون بالكتاب معناها يقرؤونه ويفهمونه، وليس يقرؤه لهم ويفهمه نيابة عنهم غيرهم، لو طبقنا هذه الآية سنبنى الإنسان.
لأن الذين يُريدون قولبة الناس دينيًا يغرقونهم بعد موتهم، ولهذا خرجوا فى الطرق الصوفية يقولون: «لو أن شيخًا أخذ عليك العهد ثم مات، تنتقل إلى شيخ ثانٍ ويأخذ العهد عليك»، ثم قالوا بكل سفور: «لو أن الشيخ الثانى كلمك بغير ما قال الشيخ الأول فاتبعه»، وهذا يجعل المريد عبدًا للشيخ الحى الذى أخد عليه العهد فى حياته.
كما أن المريد دينه يتغير بتغير الشيوخ؛ لأن الشيخ الذى أخذ عليه العهد وعلمه ماذا يقول الدين وعاش على ضوئه هو نفسه الذى يقول له: «لو متُ اذهب إلى الشيخ الفلانى واسمع له ولا تسمع لى»، إذن أين ثبات الدين واحترام النفس؟
وكل ما أخشاه من الطرق الصوفية أن يتم استغلالها كما حدث فى إيران التى كانت دولة سنية حتى عام 1515 م الذى نجح فيه أتباع المذهب الشيعى فى السيطرة على الدولة وجعلها شيعية وذلك على أكتاف الطرق الصوفية الصفوية الإيرانية.
ولذلك حين تسمح للطرق الصوفية من التواجد بكثرة وعلى مدار سنين طويلة فهذا ربما يُمكنَّ الاتجاه الشيعى من السيطرة على مصر؛ لأن الصوفية مؤمنون بأن ولى الأمر لا بد أن يكون من آل البيت، فرئيس الدولة وأى حاكم لمصر لن يُقبل عندهم إلا إذا كان من آل البيت حتى وإن كان متواجدًا فى إيران.
هل ما تطرحه من مخاوف يُعد دعوة لحظر الطرق الصوفية والتخلص منها والقضاء عليها؟
بالطبع لا؛ فأنا ابن الصوفية المصرية النقية التى تقوم على الحب والتسامح واحترام الآخر ومراقبة النفس والتعلق بالآخرة دون الانتماء إلى أية طريقة أو جماعة أو تنظيم أو تيار يحشد أتباعه ويسوق مريديه إلى ضياع النفس ليكون التابع أو المريد فى يد شيخه كالميت فى يد غاسله أو كالجلد فى يد الدباغ يصنع منه أديمًا، كما يروج له؛ بزعم أنه يعلم من الله ما لا يعلمه أتباعه والذين لا يستحقون أن يعلموا ما يعلمه شيخهم.
وكل ما أريده أن يتم تنظيم مضمون الاتجاهات الصوفية لأنها تملأ فراغًا فى قلوب المواطنين، وتحقق لديهم شغفًا عن طريق الصلوات على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمدائح، والأذكار، والدعاء لله عز وجل بالصيغ المطمئنة، وكل هذا يُسمى بالبرامج التى يجب على الدولة أن تحترمها وتعمل على بقائها وديمومتها، وأنا أول من يخدم ويعمل على بقاء وديمومة هذه البرامج بشرط ألا نعطيها لجماعات أو لطرق أو لتيارات، وإنما نُسندها إلى مؤسسات تابعة إداريًا للدولة هى التى تقوم بتنظيمها مثلها فى هذا مثل برامج صلاة التراويح والاعتكاف والعيدين، وبهذا تكون الدولة قائمة على تحقيق مطالب الشعب فى جانب البرامج الترفيهية والروحية.
أيضًا البرامج الترفيهية والروحية لا بد أن تكون متقولبة أى موجودة وتحقق مطالب كل أفراد الشعب؛ فمن يُريد أن يسمع مدائح فى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دعاء، أو تلاوة القرآن الكريم، أو غناء وموسيقى يجب أن تمكنه الدولة من تحقيق مطلبه، وإذا نظرنا إلى الموسيقى نجد أن أمر تنظيمها تقوم عليه مؤسسة شعبية هى النقابات الموجودة حاليًا، وليس هناك طريقة معينة للموسيقى الفلانية يسمعها الناس هنا أو يذهبون وراءها هناك، فنفس الأمر (تنظيميًا) نُريده فى الدين؛ لماذا فى الروحانيات تركناها لطرق تُسيطر على أتباعها؟
كذلك إذا نظرنا - أيضًا - إلى تلاوة القرآن الكريم فى الوقت الحالى نجدها قائمة بطريقة صحيحة، لأنها فردية وهناك نقابة تنظمها، أما إذا تركنا هذا التنظيم فى يوم من الأيام وظهرت طريقة اسمها (الطريقة القرآنية) وادعى القائمون عليها أنهم أولياء كتاب الله، وأن من يُريد القرآن يجب أن يذهب إليهم ليأخذوا عليه العهد؛ فلن تجد هذا الابتكار وتعدد التلاوات الموجود حاليًا.
هناك الكثيرون - وأنا منهم - يحبون المدائح فى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تملأ فراغًا فى قلوبهم، ويتلذذون ويشعرون بالفرح والرقى والإشباع النفسى والروحى عند سماعها؛ فلماذا تجعل طريقة هى ولى أمر هذا البرنامج؟ لماذا تجعل طريقة تقوم بدور الوصاية على واضع صيغة المدح الذى هو إنسان قد يكون فارق الحياة وحين ألف أو وضع هذه الصيغة وضعها للناس ولم يؤلفها لكى يأكل بها عيشًا؟
إذن الطرق الصوفية تخوفى منها لعدة أسباب، منها السياسية المتمثلة فى استغلال الاتجاه الشيعى لها من أجل الغلبة على الحكم، إضافة إلى أخذ العهد الدائم على شيخ والذى بموجبه يُسلم المواطن عقله للشيخ فى الحق والباطل، والعهد يجب أن يكون مع الحق حيثما كان، وما أريده أن لا نأكل عيشًا بالدين الذى سنقابل الله به فرادى، وأن تتحقق استقلالية المواطن دينيًا، ولكل المشايخ أريدكم أن تجيبونى على هذا السؤال: هل ستضمنون أو تحمون من فتنتموهم بفتواكم يوم القيامة؟ ألسنا جميعًا على خطر مشيئة الله أم أنكم ضمنتم النجاة يوم القيامة؟
الأسباب التى جعلت الدين بهذا الشكل الذى نراه اليوم، تكمن فى أن الأمر قائم على الحاكمية؛ كيف نحكم ونسيطر وتكون لنا إرادة ونكون قبلة للآخر وليس مُعلمين، ناهيك عن السعى الدائم وراء النجومية والوجاهة الاجتماعية، والرغبة فى جمع المال والديكتاتورية والسيطرة على الآخرين، واعتبار الدين مهنة يؤكل من و رائها العيش، ولو تخلصنا من كل هذه الآفات سنجد الدين رحمة وسلام للكل.
كيف تنظر إلى مادة ازدراء الأديان؟ وهل تراها سيفًا مسلطًا على رقاب المفكرين يمنعهم من الاجتهاد أم أنها ضمانة لعدم المساس بالثوابت الدينية وإحداث الفتن الطائفية؟
هذا القانون أراه من زاويتين، الزاوية الأولى أن بقاءه يمنع الفتنة لكن مع ضرورة مراعاة حسن التطبيق؛ لأن البعض يُريد أن ينطلق بحريته إلى الحديث عن دين الآخر بما يُثير حفيظته وغضبه، والدولة من مقاصدها تهدئة الأجواء ومنع أى مواطن من الاعتداء على غيره، ومن زاوية أخرى هذا القانون كان من أسباب الخوف من الاجتهاد والامتناع عن إبداء الرأى فى الدين، وبه تم وأد كثير من الاتجاهات التجديدية خوفًا من أن يتهم المُجدد بازدراء الأديان.
إذن قانون ازدراء الأديان حين يكون مقصده منع الفتن فهو قانون جيد ومطلوب ولا نستطيع أن نعيش إلا به، ولكن حين يتبدل هذا المقصد ويصبح القانون سلاحًا لمنع الاجتهاد وإبداء الرأى باحترام فهو قانون مانع من التجديد وضد مقاصد الدين، ولذلك لو أن هذا القانون طُبق فقط على الذين يُحدثون فتنًا وحروبًا أهلية، سيكون قانونًا جيدًا وحافظًا للأطراف كلها، لكن لو تم التوسع فى تطبيقه لمنع المجتهد من أن يجتهد والمفكر من أن يُعبر بأدب واحترام عن رأيه، فهنا تكمن خطورته، ونحن نريد حماية العقل وابتكاره كمقصد دينى.
وأيضًا فى المقابل يجب إصدار قانون آخر لتجريم إهانة وازدراء سيادة القانون التى هى أمان المجتمع من أى فوضى فى التعاملات، وهذه الإهانة والازدراء مصدرهما الفتاوى التى يقول أصحابها: إن القانون وضعى وغير شرعى ونحن نفتى بغير القانون.
وإذا أردنا مثالًا للفتاوى التى تُهين القانون وتزدريه؛ نجد أن القانون نص صراحة فى إحدى مواده أن الوصية للوارث صحيحة، وحين تسأل دار الإفتاء؟ يقولون لك: «الوصية للوارث حرام»، ويستدلون على ما يذهبون إليه بالحديث الذى يقول فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث»، وهو حديث لم يروه الإمامان البخارى ومسلم، إنما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن، وهم يرون أن هذا الرأى المستند إلى الحديث ينسخ الآية القرآنية المنصوص فيها على الوصية للوالدين رغم أنهما وارثان، والتى يقول فيها المولى عز وجل: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة: 180).
ولذلك أؤكد أنه كان من الواجب على من ابتكر قانون تجريم ازدراء الأديان لمنع الفتن بين أبناء الشعب المختلفين فى أديانهم ومذاهبهم أن يزن الأمور بإصدار قانون يُجرم الفتاوى الدينية التى تهين سيادة القانون وتزدريه؛ فلا يترك القانون الذى هو العقد الاجتماعى الذى تراضى عليه الشعب وهو السيد فيه بتراضيهم عرضة للإهانة والازدراء والاحتقار من أصحاب الفتاوى الذين لا يحترمون سيادته بتصديرهم فتاوى مضادة ومخالفة له ووصفه بما يزدريه باسم الدين الذى لا يتكلم إلا بألسنتهم وأقلامهم.
وقد ناديت كثيرا أولى الشأن والغيورين على مدنية الدولة واستقرارها وحمايتها من الطائفية والمذهبية والمدركين أهمية سيادة القانون فى تحقيق الأمن العام واستقرار المعاملات وتجنب الفوضى أن يعملوا على إصدار قانون يُجرم الفتوى المخالفة للدستور والقانون، وحتى الآن لم أجد تحركا لذلك.
وذات مرة قيل لى سيصدر قانون بعدم الاعتداد بالطلاق الشفوى إلا بعد التوثيق وسنترك الفتاوى كما هى، فقلت: إذا الموضوع بطل قبل أن يُطبق، لأن القانون سيقول لا نحترم الطلاق الشفوي، والشيوخ سيقولون نحن نحترمه، وستحدث فوضى داخل المجتمع، ووقتها سيصبح الناس فى حيرة: هل يطبقون ما ورد فى القانون أم يأخذون بفتاوى المشايخ؟! وبالفعل اقتنع من كنت أتحدث معهم بصحة ما أذهب إليه، لكنهم يرون أن العقل الجمعى العام يحتاج إلى مزيد من الوعى كى يتأهل لمثل هذا الطرح.
ولذلك أعيد التأكيد على وجوب إصدار قانون يُجرم الفتاوى التى تخالف القانون، لأن استقرار المجتمع يجب أن يكون بوسيلة واحدة وهى سيادة الدستور والقانون، وعلينا الانتباه إلى أن «البلد اللى فيها رئيسين بتغرق»؛ فهل يصح أن يكون لدينا سيادة للقانون وأخرى للفتاوى؟!



وحين أرادوا إصدار قانون لسيادة الفتوى من ضمن بنوده عدم السماح بالإفتاء إلا للمعنيين، كنت أرى أن مثل هذا القانون سيخلق سيادتين؛ فأصحاب الفتاوى سيقولون ما يريدون لأنه لا ضابط ولا رقيب عليهم إلا ضميرهم وأوهامهم فى فهم الدين، فعلى سبيل المثال حين يأتى أحدهم ويقول لك: إن الفقهاء أجمعوا على أن الخليفة أو الحاكم لابد أن يكون قرشيًا، وبالتالى وجود أى رئيس ليس منتسبًا لقريش غير شرعي، وهكذا سندخل فى مهاترات كثيرة مثل هذه.
ونفس الأمر فى الزواج، أصحاب الفتاوى يقولون: يشترط فى الزوج أن يكون مسلمًا، ونحن نقول لهم: أتركوا الناس تتحمل مسئوليتها الدينية أمام الله، لأن الواقع يؤكد أننا نعيش فى نفاق مجتمعى بدليل أن كل شخص غير مسلم يُريد أن يتزوج من مسلمة يأتى بشهادة تثبت أنه مسلم (بالكذب) وهو ما زال على دينه الأصلي، ويخدعها ويوهمها أنه دخل الإسلام من أجل أن يتزوجها، وهذا ما يحدث حاليًا.
تقول: اتركوا الناس يتحملون مسئوليتهم الدينية أمام الله؛ هل هذا يعنى أن نقبل بزواج غير المسلم من المسلمة فى حين أن الفقهاء والمشايخ يؤكدون أن هذا مُحرم بنص قرآنى قطعى الثبوت والدلالة؟
كلام المشايخ على العين والرأس، لكن هل كلامهم يُلزمهم هم فقط أم يُلزم غيرهم؟
هذا السؤال هو الإشكالية يا دكتور؛ البعض يقول إن كلام المشايخ غير مُلزم لنا، والمشايخ يقولون: نحن ننقل شرع الله وهو مُلزم للجميع؛ فكيف نتغلب على هذا؟
حتى نتغلب على هذه الإشكالية أريدك أن تستدعى وجود سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم فى عهده حين كان يعيش بالمدينة المنورة، وسترى أنه لم يُلزم اليهود والمشركين الذين كانوا يعيشون معه بدينه، فبالرغم من أنه أعلم بهذا الدين إلا أنه ترك الناس وشأنهم حتى المسلمين لم يُلزمهم بالدين وإنما اكتفى بالقول والبلاغ ولم يتابع ويراقب تنفيذ ما أمر به أو نهى عنه، إلا فى الأمور المجتمعية التى طُبقت بتوافق مجتمعى تمثل فى دستور المدينة البشرى.
إذن القاعدة التى ننطلق من خلالها ونسير على ضوئها هو لا إكراه فى الدين، وما دام الأمر كذلك فلماذا تُريد أن تلزمنى بشيء أنت تراه دينًا وأنا لا أراه دينا أو على الأقل سأكون عاصيًا إن لم أفعله وسأتوب؟ وباب التوبة مفتوح، ثم إن من يصلى ومن يصوم ومن يفعل غير ذلك من العبادات يفعلها جميعًا لله وليس للمجتمع، إذن ما دخل المشايخ بهذا؟ لماذا لا تخلى بينى وبين ربي؟
وهذه هى النقطة الفارقة والمشكلة المتمثلة فى أنهم يفهمون أن الدين منظومة مجتمعية، ولقد تربينا على أن الشيوخ هم من يقولون لنا: «كيف نتاجر، وكيف نبيع، وكيف نتزوج، وكيف تكون علاقتنا مع الجيران، ونحن صدقناهم»؛ فهل الدين قال كل هذا أم أن النظم الاقتصادية والاجتماعية التى دار عليها المسلمون قرونًا طويلة كانت نظمًا فقهية؟
الإجابة القاطعة والحاسمة أنها كانت نظمًا فقهية أى بشرية، والدليل أن أقوال ورؤى الفقهاء كانت متعددة، ولو أن هذه الأقوال دينًا لاتفق أصحابها على قول واحد ولم يختلفوا، والاختلاف البشرى شىء طبيعى يدل على أن المُختلف فيه فقهًا وليس دينًا، وبالتالى نؤكد من جديد أن الدين شأن خاص بين الإنسان وربه، والمتلقى يحق له قبول الفقه أو رفضه بحسب قناعته، والسيادة للقانون الذى هو اتفاق مجتمعى.
إذا اتفق المجتمع عن طريق القانون على إباحة زواج غير المسلم من المسلمة هل تمر هذا الإباحة؟
إذا مرت تصير السيادة للمواطن؛ لأن القانون لم يحلل أو يحرم ولكنه أتاح أى فتح لك المجال وأعطاك الحق فى أن تقول: نعم أو لا، وهناك فارق بين الإتاحة وبين التحريم والحكم الشرعى الإيجاب الذى يعنى الإلزام.
ولدينا عدة أمثلة واقعية توضح ما أقوله، منها أن القانون يتيح التعامل فى البنوك، لكنه لم يُلزم الشعب بهذه المعاملة، وكذلك يتيح الزواج بالتوثيق، لكنه لم يُلزم الناس ألا يتزوجوا بدونه، ومن هذا المنطلق لو أن القانون (الذى هو توافق مجتمعي) أتاح زواج المسلمة من غير المسلم، والشعب وافق على هذا فالمسئولية أمام الله هنا على المجتمع وليست على الدولة.
ثم إن واقعنا المعاصر يؤكد أن عددًا كبيرًا من المسلمات فى مصر يتزوجن من غير المسلمين، ويسافرون إلى لبنان أو أى دولة أوروبية ليوثقوا هذا الزواج مدنيًا ثم يعودون. هذا واقع؛ فلماذا نكذب على أنفسنا وننكره؟ ولعلنا نذكر ما حدث فى مسألة زراعة الأعضاء حين كانت ممنوعة فى مصر بفتاوى دينية، وكيف أن المصريين كانوا يسافرون إلى السعودية وأوروبا لكى يقوموا بهذه العمليات ثم يعودون، إلى أن تمت الموافقة على هذا الأمر. يعنى إحنا دائمًا متأخرين، لماذا لا نكون سابقين؟
هل نعتبر رؤيتك حول مسألة زواج المسلمة من غير المسلم دعوة لفهم الآية المُحرمة لهذا الزواج فهمًا جديدًا يتماشى مع مقتضيات الواقع الذى نعيش فيه؟
بالمناسبة الآية حمالة أوجه، لأنه لا يوجد نص صريح يمنع، لكنه منع بالإيحاء: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ» (المائدة: 5)، إذن أجاز للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب، ولم ينص صراحة على أن العكس (زواج غير المسلم من المسلمة) لأ؛ فكان العكس ممنوع بالمفهوم وليس بالمنطوق، والآية الثانية التى يقول الله فيها: «وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ» أمامها «وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ» (البقرة: 221).
والأهم وما أريد التأكيد عليه أن مسألة زواج المسلمة من غير المسلم فى ذاتها ليست موضوعى أو قضيتى وليست حتى محل طرحى للنقاش، ولكن موضوعى وما أطرحه دومًا للنقاش هو «رومة الدين»: هل الدين برومته مسئولية المواطن أم مسئولية الدولة؟ هذه هى قضيتى.
أنا أريد تحرير المسألة، الدين برومته بغض النظر عن زواج هذا من هذه أو بيع ذاك لغيره أو شراء الخمور... إلخ؛ هل مثل هذه الأشياء دينية أم مجتمعية؟ إن كانت دينية فلتتركوا الناس مع ربهم، لأننا لن نراقب البيوت وننظر هل يُفعل فيها محرمات أم لا، وكلامى هذا لا يعنى أننا نحلل العلاقات الخاطئة، ولكننا نُحمل الشخص نفسه المسئولية، وهذه قضيتى التى هى أكبر وأعم وأشمل من أن تنحصر فى مسألة واحدة مثل الزواج أو شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير أو الربا أو مثل هذه الأشياء التى هى أحكام دينية وليست مجتمعية.
وكل الأحكام الدينية بلا استثناء يجب أن نخلى بين الناس وبين ربهم فيها، ووظيفتنا تنحصر فى أن نبلغ ما نعلمه من رسائل دينية وأحكام فقهية حولها، هذه مسئوليتنا والله تعالى يقول: «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» (الغاشية: 21، 22).
وبناء عليه فحديثى ليس منصبًا حول قضية مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وزواج المسلمة من غير المسلم ولا أى مسألة من هذه المسائل، لكننى أتحدث فيما هو أعم وأركز على قضية الدين بأحكامها مؤكدًا أنها قضية شخصانية وليست مجتمعية، وهذه هى النقطة الفارقة بين الإسلام السياسى والمدنى.
فالدولة المدنية ترى أن الدين قضية شخصانية، والمنتسبون إلى الإسلام السياسى يرفضون هذا، ويقولون نحن مسئولون عن الدين وعن فرضه بأحكامه على المجتمع، وسنمنع الخمر وأكل لحم الخنزير وزواج المسلمة من غير المسلم ونورث الذكر مثل حظ الأنثيين... وهكذا فيما يعتقدونه دينًا، ويفرضونه على الناس الذين هم بحكم الواقع متعددو الأديان والمذاهب، ولكنهم يريدون تغيير الواقع، وجعل الأديان دينا واحدا، والمذاهب مذهبا واحدا، والمذهب الواحد فتوى واحدة، وإلغاء التعددية، الثابتة كونيًا وواقعيًا ولا ينكرها إلا جاحد، وهى متحققة بين الفقيه ونفسه وبينه وبين زميله وتلميذه الذى تربى على يديه، وبين المدارس الفقهية المختلفة وأهل الأديان كلهم وأصحاب الدين الواحد.
وحين ضربت مثالًا بزواج غير المسلمة من المسلم لم يكن قصدى تسليط الضوء على هذه المسألة، لأننى لو سلطت الضوء عليها سيتركون كل ما أردت قوله من تنوير وسيكون كلامهم ونقدهم مركزًا على هذه القضية لأنهم أذكياء ويُجيدون لعبة التشهير والاختزال فى قضية واحدة وسطر واحد، وسيقولون: «شايفين عايز يخرب الدين، ويخلى المسلمات يتزوجن من غير المسلمين»، وهذه ليست قضيتى ولا أريد أن أجعل المسلمة تتزوج من غير المسلم، أو أن يُفرض عليها الزواج من مسلم، إنما أريد أن تكون المسألة: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة: 256).
وإذا كنت أنا ضد أن يفتى أى شخص لغيره، فكيف أفتى للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم؟ كل ما أريده أن أجعل المرأة صاحبة رأي، وإعطائها والرجل والشاب والفتاة حق الإفتاء لأنفسهم مصداقًا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «استفتِ نفسك، استفتِ قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك».
ولهذا أؤكد أننى أتكلم فى قضية الدين جملةً وحين أضرب أمثلة كأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر وزواج المسلمة من غير المسلم وتسوية الذكر بالأنثى فى الميراث، فهذه مجرد أمثلة لمسائل دينية لا يجب أن تُفرض على المسلم وإنما ينبغى أن يأتى بها طواعية، وأنا لا أعرف كيف جعلناه إكراها والله تعالى يقول: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.