لا تستمد مقومات الأمن القومى للبلدان من مواقع التواصل.. ولا تخضع معادلات القوى فى الأقاليم لمهاترات الإنترنت.. أو حسابات الأنفلونسرز. تخضع معادلات القوة، وشئون الأخوة فى العلاقات بين الدول إلى التاريخ والجغرافيا. وإلى جانب التاريخ والجغرافيا، تأتى وحدة اللغة، ووحدة الدين، ووحدة المصير.. عوامل أخرى ترسم شكل العلاقات بين الأصدقاء.. فما بالك بالأشقاء؟ لكل إقليم على ساحة الكوكب مناطق توازنه، ورمانات موازينه. القاهرةوالرياض رمانة ميزان إقليم الشرق الأوسط، بامتدادات خطوطه المستقيمة فى الاتجاهات الأربعة. (1) تبقى معادلة القاهرةالرياض المعادلة الأقوى فى تاريخ معادلات السياسة فى المنطقة. آثار مثل تلك العلاقات تنعكس بالضرورة على درء المخاطر، والتعاطى العملى مع التهديدات الإقليمية والدولية كما يجب أن يكون. القاهرة-الرياض تاريخ من التفاعل والتآخى على خريطة منطقة، هى أكثر مناطق العالم تقلبًا بمشكلات شديدة التعقيد، بتهديدات متواترة مستمرة، نظرًا للأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة، وتبعات تلك الأهمية على مستويات السياسة والاقتصاد. كلها عوامل جعلت من العلاقات الثنائية، مرة فى بؤرة الاستهداف، ومرات فى بؤر محاولات الوقيعة. لكن يوقن البلدان قيادة وشعبًا، أن التاريخ لا يعاند، وأن الجغرافيا لا تتبدل.. وأن وحدة المصير لا تمنح الفرص للمتلاعبين أو الهواة من رواد مواقع التواصل أو ملاك الحسابات على إنستجرام. ببساطة، يمكن أن يقال إن العلاقات المصرية-السعودية اختبرتها الأزمات الإقليمية، والملمات الدولية، وأفرزت معادلة القاهرة-الرياض على مر التاريخ، كثيرًا من المضادات الحيوية التى حصنتها من أى خلافات قد تشوبها أو تعترضها مستقبلًا. (2) لا يمكن فى إطار معادلة محور القاهرة -الرياض التعامل مع مصادر التهديد التاريخية فى منطقة الخليج العربى على أنها مصادر تهديد لمنطقة الخليج العربى فقط. وفق نفس المنطق. لا يمكن التعامل مع مصادر التهديد الإقليمية لأمن القاهرة القومى باعتبارها مصادر تهديد لمصر وحدها. المعادلة الأساس هى أن أمن الخليج العربى أمن مصر، وأمن مصر هو أمن الخليج العربى. توقن القاهرة كما توقن الرياض أبعاد تلك المعادلة وانعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط ككل، لا منطقة الخليج العربى فقط، ولا نطاق الأمن القومى المصرى بأبعاده وحده. يبقى لمحور القاهرة-الرياض أهمية حاكمة، واستراتيجية كبرى، خصوصًا فى مرحلة حرجة يعاد فيها رسم خرائط العالم، وتعاد فيها تحالفات وتبدأ، وتنتهى فيها تحالفات أخرى وتنزوى، فى أدق مرحلة يعيشها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. تتنوع مصادر تهديدات الإقليم والمنطقة والخليج. مصادر هذه التهديدات أو أجزاء منها تأتى من اتجاه دول غير عربية.. خارج الإقليم.. ودول غير عربية داخله. بعضها تلتصق بالحدود الجغرافية، وبعضها يمتد عبر المسافات والأميال البحرية والكيلومترات البرية من خطوط التماس.. ودوائر الاستراتيجية وخواص السيادة والهيمنة.
الأشقاء.. صورة لاتحتاج لتعليق
كلها عوامل، تدرك القاهرة كما تدرك الرياض أنها تهديد لمفهوم الأمن القومى أو الأمن الإقليمى العربى. هذا الإدراك التاريخى انعكس على إرادة القاهرةوالرياض الجادة فى التعاطى ثنائيًا مع كل تهديدات الإقليم، وصولًا إلى عوامل تؤدى إلى استمرار الاستقرار فى المنطقة، حلًا لقضاياها الأساسية.. على رأسها القضية الفلسطينية، فيما يتعلق بالإطار العربى، وتحقيق استقرار الشعوب وتلبية احتياجاتها فيما يتعلق بالإطار الداخلى. هناك مقومات شديدة الوضوح للدور المشترك الذى تقوم به كل من مصر والسعودية على سطح السياسات الإقليمية والدولية. ترفض مصر كما ترفض السعودية، أية محاولات مهما كانت أطرافها للتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية. ترفض مصر كما ترفض السعودية تهديد استقرار الدول العربية، أو تقويض مصالح شعوبها. تتفق السعودية مع مصر على ثوابت مواصلة مطاردة التنظيمات الإرهابية فى المنطقة بجميع أشكالها، ونزع كل أشكال الفتن والأنواء من داخل الدول العربية، وبينها وبين جيرانها من غير العرب. من مقومات الدور الواحد، تعامل محور القاهرةالرياض، على أساس اعتبار محورهما وحدة استراتيجية واحدة بالمعنى الأمنى والجغرافى. فى سياق الجغرافيا، يفصل مصر عن السعودية البحر الأحمر، ما يجعل مصادر التهديد واحدة، ومصير الدولتين مشتركا، ما يستوجب العمل وفق استراتيجية واحدة.. على هذا المحور. فى سياق السياسة، فإن مصر والسعودية، طوال تاريخ العلاقة، متمسكتان بأهمية دورهما المشترك فى تحديد أشكال التعامل داخل الإقليم، إضافة إلى التعامل مع قضاياه باعتبارها مساسًا مشتركًا.. كما أنها استفادات مشتركة تضاف إلى عوامل الاستقرار والبناء. (3) محور القاهرةالرياض هو رمانة ميزان المنطقة العربية والإقليم. يلعب ذلك المحور دورًا شديد الحساسية، وشديد الحسم على مر تاريخ العلاقة. فى المرحلة الراهنة على وجه التحديد تزداد أهمية ذلك المحور وفق الصياغات المختلفة للأزمات التى تواجه الإقليم، وللتغيرات فى خرائط العالم. يبقى محور القاهرة-الرياض، رمانة ميزان، فى ظل تواتر الأزمات والصراعات والتطلعات، يأتى على رأس تلك الأزمات المسألة الروسية الأوكرانية، التى ضربت قطاعات شديدة الحساسية فى العالم. تكامل الدور المصرى-السعودى، يسهم فى مزيد من تحقيق الاستقرار والحفاظ عليه فى ظل تراجع العديد من القوى الأخرى.. وفى ظل دخول دول مثل سوريا والعراق فى مرحلة الدوامات الخطرة خلال الأعوام الماضية. خريطة الشرق الأوسط، والإقليم، فى الوقت الحالى، ووفق الأحداث تفرض قدرًا كبيرًا من الأهمية للدور المصرى-السعودى الآن.. خصوصًا الآن. لماذا الآن؟ وخصوصًا الآن؟ الإجابة: لأننا فى مرحلة يستهدف فيها المستهدفون الأمة العربية بجميع قطاعاتها، فيما يسعى البعض الآخر لضرب وزعزعة وبث الخلافات بين الشعوب العربية. ويظل محور القاهرة-الرياض.. على رأس قائمة الأهداف. (4) على صفحات تاريخ طويل.. تراكمت فى العلاقات المشتركة لمحور القاهرة-الرياض ملامح وثوابت. لإشارات ودلالات ذلك التحالف محطات. أبرز المحطات، ربما، وفى أبهى صورها، كان دعم المملكة لمصر فى عام 1973. المحطة الأكثر بروزًا.. والأكثر وضوحًا وكانت الأكثر حسمًا، كان الموقف السعودى الداعم لإرادة المصريين بإزاحة الإخوان، ودعم الجيش المصرى فى تحقيق مطالب الشعب فى 30 يونيو 2013. فى حرب أكتوبر 73.. لعب سلاح النفط السعودى دورًا سياسيًا مهمًا لصالح مصر فى معركتها ضد العدو. قبلها.. وعام 1967، عقب العدوان الإسرائيلى على مصر وسوريا والأردن.. كان نداء الملك الراحل فيصل لكل الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب مصر.. وتمكينها من الصمود. عام 1991 فى حرب الخليج كان اتحاد القوتين الإقليميتين مصر والسعودية واحدًا من أهم ركائز تكوين التحالف الدولى، لإخراج القوات العراقية من الكويت وعودة السيادة الكويتية على كامل أراضيها. بعد استدعاء المصريين لعبدالفتاح السيسى وتوليه المسئولية.. وصف الملك الراحل عبدالله يومها ب «التاريخى». اعتبرها خادم الحرمين الراحل «مرحلة جديدة من مسيرة مصر الإسلام والعروبة، لمواجهة مرحلة استثنائية من تاريخ مصر الحديث». صحيح.. كان يومًا تاريخيًا.. وكانت مصر تتخطى مرحلة استثنائية فى تاريخها الحديث.